للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ظَهْرَيْ قَوْمٍ أَقْسَمَ مِنْهُمْ خَمْسِينَ يَمِينًا، مَا قَتَلْنَا وَلَا عَلِمْنَا، فَإِنْ عَجَزَتِ الْأَيْمَانُ رُدَّتْ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَقَلُوا، وَتَمَسَّكَ مَنْ قَالَ لَا يَجِبُ فِيهَا إِلَّا الدِّيَةُ بِمَا أَخْرَجَهُ الثَّوْرِيُّ فِي جَامِعِهِ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ إِلَى الشَّعْبِيِّ قَالَ: وُجِدَ قَتِيلٌ بَيْنَ حَيَّيْنِ مِنَ الْعَرَبِ فَقَالَ عُمَرُ: قِيسُوا مَا بَيْنَهُمَا فَأَيُّهُمَا وَجَدْتُمُوهُ إِلَيْهِ أَقْرَبَ فَأَحْلِفُوهُمْ خَمْسِينَ يَمِينًا وَأَغْرِمُوهُمُ الدِّيَةَ، وَأَخْرَجَهُ الشَّافِعِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ فِي قَتِيلٍ وُجِدَ بَيْنَ خَيْرَانَ وَوَادِعَةَ أَنْ يُقَاسَ مَا بَيْنَ الْقَرْيَتَيْنِ فَإِلَى أَيِّهِمَا كَانَ أَقْرَبَ أُخْرِجَ إِلَيْهِ مِنْهُمْ خَمْسُونَ رَجُلًا حَتَّى يُوَافُوهُ مَكَّةَ فَأَدْخَلَهُمُ الْحِجْرَ فَأَحْلَفَهُمْ ثُمَّ قَضَى عَلَيْهِمُ الدِّيَةَ فَقَالَ: حَقَنَتْ أَيْمَانُكُمْ دِمَاءَكُمْ وَلَا يُطَلُّ دَمُ رَجُلٍ مُسْلِمٍ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: إِنَّمَا أَخَذَهُ الشَّعْبِيُّ، عَنِ الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ، وَالْحَارِثُ غَيْرُ مَقْبُولٍ، انْتَهَى.

وَلَهُ شَاهِدٌ مَرْفُوعٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ أَحْمَدَ أَنَّ قَتِيلًا وُجِدَ بَيْنَ حَيَّيْنِ فَأَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ أَنْ يُقَاسَ إِلَى أَيِّهِمَا أَقْرَبُ، فَأَلْقَى دِيَتَهُ عَلَى الْأَقْرَبِ، وَلَكِنَّ سَنَدَهُ ضَعِيفٌ، وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ: قُلْتُ لِعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ: أَعَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَقَادَ بِالْقَسَامَةِ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: فَأَبُو بَكْرٍ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ فَعُمَرُ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ فَلِمَ تَجْتَرِئُونَ عَلَيْهَا؟ فَسَكَتَ.

وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عُمَرَ قَالَ: الْقَسَامَةُ تُوجِبُ الْعَقْلَ وَلَا تُسْقِطُ الدَّمَ، وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى جَوَازِ سَمَاعِ الدَّعْوَى فِي الْقَتْلِ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ لِأَنَّ الْأَنْصَارَ ادَّعَوْا عَلَى الْيَهُودِ أَنَّهُمْ قَتَلُوا صَاحِبَهُمْ وَسَمِعَ النَّبِيُّ ﷺ دَعْوَاهُمْ، وَرُدَّ بِأَنَّ الَّذِي ذَكَرَهُ الْأَنْصَارُ أَوَّلًا لَيْسَ عَلَى صُورَةِ الدَّعْوَى بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِهَا إِذَا لَمْ يَحْضُرِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يَتَعَذَّرَ حُضُورُهُ، سَلَّمْنَا، وَلَكِنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَدْ بَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ الدَّعْوَى إِنَّمَا تَكُونُ عَلَى وَاحِدٍ لِقَوْلِهِ: تُقْسِمُونَ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ فَيُدْفَعُ إِلَيْكُمْ بِرُمَّتِهِ، وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ: عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ عَلَى أَنَّ الْقَسَامَةَ إِنَّمَا تَكُونُ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَمَشْهُورٌ قَوْلُ مَالِكٍ.

وَقَالَ الْجُمْهُورُ: يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ عَلَى مُعَيَّنٍ سَوَاءٌ كَانَ وَاحِدًا أَوْ أَكْثَرَ وَاخْتَلَفُوا هَلْ يَخْتَصُّ الْقَتْلُ بِوَاحِدٍ أَوْ يُقْتَلُ الْكُلُّ؟ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِيهِ، وَقَالَ أَشْهَبُ: لَهُمْ أَنْ يَحْلِفُوا عَلَى جَمَاعَةٍ وَيَخْتَارُوا وَاحِدًا لِلْقَتْلِ وَيُسْجَنُ الْبَاقُونَ عَامًا وَيُضْرَبُونَ مِائَةً مِائَةً، وَهُوَ قَوْلٌ لَمْ يُسْبَقْ إِلَيْهِ.

وَفِيهِ أَنَّ الْحَلِفَ فِي الْقَسَامَةِ لَا يَكُونُ إِلَّا مَعَ الْجَزْمِ بِالْقَاتِلِ، وَالطَّرِيقُ إِلَى ذَلِكَ الْمُشَاهَدَةُ وَإِخْبَارُ مَنْ يُوثَقُ بِهِ مَعَ الْقَرِينَةِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ، وَفِيهِ أَنَّ مَنْ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ فَنَكَلَ عَنْهَا لَا يُقْضَى عَلَيْهِ حَتَّى يُرَدَّ الْيَمِينُ عَلَى الْآخَرِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَعِنْدَ أَحْمَدَ وَالْحَنَفِيَّةِ يُقْضَى عَلَيْهِ دُونَ رَدِّ الْيَمِينِ.

وَفِيهِ أَنَّ أَيْمَانَ الْقَسَامَةِ خَمْسُونَ يَمِينًا وَاخْتُلِفَ فِي عَدَدِ الْحَالِفِينَ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجِبُ الْحَقُّ حَتَّى يَحْلِفَ الْوَرَثَةُ خَمْسِينَ يَمِينًا سَوَاءٌ قَلُّوا أَمْ كَثُرُوا فَلَوْ كَانَ بِعَدَدِ الْأَيْمَانِ حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَمِينًا وَإِنْ كَانُوا أَقَلَّ أَوْ نَكَلَ بَعْضُهُمْ رُدَّتِ الْأَيْمَانُ عَلَى الْبَاقِينَ فَإِنْ لَمْ يكنْ إِلَّا وَاحِدٌ حَلَفَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَاسْتَحَقَّ حَتَّى لَوْ كَانَ مَنْ يَرِثُ بِالْفَرْضِ وَالتَّعْصِيبِ أَوْ بِالنَّسَبِ وَالْوَلَاءِ حَلَفَ وَاسْتَحَقَّ.

وَقَالَ مَالِكٌ: إِنْ كَانَ وَلِيُّ الدَّمِ وَاحِدًا ضُمَّ إِلَيْهِ آخَرُ مِنَ الْعَصَبَةِ وَلَا يُسْتَعَانُ بِغَيْرِهِمْ وَإِنْ كَانَ الْأَوْلِيَاءُ أَكْثَرَ حَلَفَ مِنْهُمْ خَمْسُونَ، وَقَالَ اللَّيْثُ: لَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا يَقُولُ إِنَّهَا تَنْزِلُ عَنْ ثَلَاثَةِ أَنْفُسٍ، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: أَوَّلُ مَنْ نَقَصَ الْقَسَامَةَ عَنْ خَمْسِينَ مُعَاوِيَةُ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَقَضَى بِهِ عَبْدُ الْمَلِكِ ثُمَّ رَدَّهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى الْأَمْرِ الْأَوَّلِ.

وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى تَقْدِيمِ الْأَسَنِّ فِي الْأَمْرِ الْمُهِمِّ إِذَا كَانَتْ فِيهِ أَهْلِيَّةُ ذَلِكَ لَا مَا إِذَا كَانَ عَرِيًّا عَنْ ذَلِكَ، وَعَلَى ذَلِكَ يُحْمَلُ الْأَمْرُ بِتَقْدِيمِ الْأَكْبَرِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ إِمَّا لِأَنَّ وَلِيَّ الدَّمِ لَمْ يَكُنْ مُتَأَهِّلًا فَأَقَامَ الْحَاكِمُ قَرِيبَهُ مَقَامَهُ فِي الدَّعْوَى وَإِمَّا لِغَيْرِ ذَلِكَ.

وَفِيهِ التَّأْنِيسُ وَالتَّسْلِيَةُ لِأَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ لَا أَنَّهُ حَكَمَ عَلَى الْغَائِبِينَ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ صُورَةُ دَعْوَى عَلَى غَائِبٍ وَإِنَّمَا وَقَعَ الْإِخْبَارُ بِمَا وَقَعَ فَذَكَرَ لَهُمْ قِصَّةَ الْحُكْمِ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ