الْفَرَسِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَهْمٌ وَلَفْظُهُ: غُرَّةٌ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ أَوْ فَرَسٌ أَوْ بَغْلٌ، وَيُمْكِنُ إِنْ كَانَ مَحْفُوظًا أَنَّ الْفَرَسَ هِيَ الْأَصْلُ فِي الْغُرَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَعَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ فَأَقَلُّ مَا يُجْزِئُ مِنَ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ مَا سَلِمَ مِنَ الْعُيُوبِ الَّتِي يَثْبُتُ بِهَا الرَّدُّ فِي الْبَيْعِ لِأَنَّ الْمَعِيبَ لَيْسَ مِنَ الْخِيَارِ، وَاسْتَنْبَطَ الشَّافِعِيُّ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مُنْتَفِعًا بِهِ فَشُرِطَ أَنْ لَا يَنْقُصَ عَنْ سَبْعِ سِنِينَ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَبْلُغْهَا لَا يَسْتَقِلُّ غَالِبًا بِنَفْسِهِ فَيَحْتَاجُ إِلَى التَّعَهُّدِ بِالتَّرْبِيَةِ فَلَا يُجْبَرُ الْمُسْتَحِقُّ عَلَى أَخْذِهِ، وَأَخَذَ بَعْضُهُمْ مِنْ لَفْظِ الْغُلَامِ أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى خَمْسَ عَشْرَةَ وَلَا تَزِيدَ الْجَارِيَةُ عَلَى عِشْرِينَ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ الْحَدَّ مَا بَيْنَ السَّبْعِ وَالْعِشْرِينَ، وَالرَّاجِحُ كَمَا قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: إنَّهُ يُجْزِئُ وَلَوْ بَلَغَ السِّتِّينَ وَأَكْثَرَ مِنْهَا مَا لَمْ يَصِلْ إِلَى عَدَمِ الِاسْتِقْلَالِ بِالْهَرَمِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي الْقَتْلِ بِالْمُثَقَّلِ لِأَنَّهُ ﷺ لَمْ يَأْمُرْ فِيهِ بِالْقَوَدِ وَإِنَّمَا أَمَرَ بِالدِّيَةِ، وَأَجَابَ مَنْ قَالَ بِهِ بِأَنَّ عَمُودَ الْفُسْطَاطِ يَخْتَلِفُ بِالْكِبَرِ وَالصِّغَرِ بِحَيْثُ يَقْتُلُ بَعْضُهُ غَالِبًا وَلَا يَقْتُلُ بَعْضُهُ غَالِبًا، وَطَرْدُ الْمُمَاثَلَةِ فِي الْقِصَاصِ إِنَّمَا يُشْرَعُ فِيمَا إِذَا وَقَعَتِ الْجِنَايَةُ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا، وَفِي هَذَا الْجَوَابِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ إِنَّمَا لَمْ يُوجِبْ فِيهِ الْقَوَدَ لِأَنَّهَا لَمْ يُقْصَدْ مِثْلُهَا، وَشَرْطُ الْقَوَدِ الْعَمْدُ وَهَذَا إِنَّمَا هُوَ شِبْهُ الْعَمْدِ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِلْقَتْلِ بِالْمُثَقَّلِ وَلَا عَكْسِهِ.
الحديث الثاني
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ) هُوَ ابْنُ خَالِدٍ وَصَرَّحَ أَبُو دَاوُدَ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ بِهِ.
قَوْلُهُ: (عَنْ هِشَامٍ) هُوَ ابْنُ عُرْوَةَ، وَصَرَّحَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَفَّانَ، عَنْ وُهَيْبٍ بِهِ.
قَوْلُهُ: (عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْمُغِيرَةِ) فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ: حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّهُ حَدَّثَهُ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ عَقِبَ رِوَايَةِ وُهَيْبٍ: رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ، يَعْنِي لَمْ يَذْكُرِ الْمُغِيرَةَ فِي السَّنَدِ.
قُلْتُ: وَهِيَ رِوَايَةُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى الَّتِي تَلِي حَدِيثَ الْبَابِ، وَسَاقَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، وَعُبَيْدَةَ كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامٍ نَحْوُهُ، وَخَالَفَ الْجَمِيعَ وَكِيعٌ فَقَالَ: عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ أَنَّ عُمَرَ اسْتَشَارَ النَّاسَ فِي إِمْلَاصِ الْمَرْأَةِ فَقَالَ الْمُغِيرَةُ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
قَوْلُهُ: (عَنْ عُمَرَ ﵁ أَنَّهُ اسْتَشَارَهُمْ) فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ: عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْمُغِيرَةِ أَنَّ عُمَرَ.
قَوْلُهُ: (فِي إِمْلَاصِ الْمَرْأَةِ) فِي رِوَايَةِ الْمُصَنِّفِ فِي الِاعْتِصَامِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ: عَنِ الْمُغِيرَةِ سَأَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي إِمْلَاصِ الْمَرْأَةِ وَهِيَ الَّتِي تُضْرَبُ بَطْنُهَا فَتُلْقِي جَنِينَهَا فَقَالَ: أَيُّكُمْ سَمِعَ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ فِيهِ شَيْئًا وَهَذَا التَّفْسِيرُ أَخَصُّ مِنْ قَوْلِ أَهْلِ اللُّغَةِ: إِنَّ الْإِمْلَاصَ أَنْ تَزْلِقَهُ الْمَرْأَةُ قَبْلَ الْوِلَادَةِ أَيْ قَبْلَ حِينِ الْوِلَادَةِ، هَكَذَا نَقَلَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي السُّنَنِ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْغَرِيبِ لَهُ، وَقَالَ الْخَلِيلُ: أَمْلَصَتِ الْمَرْأَةُ وَالنَّاقَةُ إِذَا رَمَتْ وَلَدَهَا، وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّاعِ: أَمْلَصَتِ الْحَامِلُ أَلْقَتْ وَلَدَهَا، وَوَقَعَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: مِلَاصٌ بِغَيْرِ أَلِفٍ كَأَنَّهُ اسْمٌ فِعْلِ الْوَلَدِ فَحُذِفَ الْمُضَافُ وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إِلَيْهِ مَقَامَهُ، أَوِ اسْمٌ لِتِلْكَ الْوِلَادَةِ كَالْخِدَاجِ، وَوَقَعَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ هِشَامٍ الْمُشَارِ إِلَيْهَا: قَالَ هِشَامٌ: الْمِلَاصُ لِلْجَنِينِ، وَهَذَا يَتَخَرَّجُ أَيْضًا عَلَى الْحَذْفِ.
وَقَالَ صَاحِبُ الْبَارِعِ: الْإِمْلَاصُ: الْإِسْقَاطُ، وَإِذَا قَبَضْتَ عَلَى شَيْءٍ فَسَقَطَ مِنْ يَدِكَ تَقُولُ: أَمْلَصَ مِنْ يَدِي إِمْلَاصًا وَمَلِصَ مَلَصًا، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى الَّتِي تَلِي حَدِيثَ الْبَابِ: أَنَّ عُمَرَ نَشَدَ النَّاسَ: مَنْ سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ قَضَى فِي السَّقْطِ.
قَوْلُهُ: (فقَالَ الْمُغِيرَةُ) كَذَا فِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عُيَيْنَةَ: فَقَامَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ فَقَالَ: بَلَى أَنَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَفِيهِ تَجْرِيدٌ، وَكَانَ السِّيَاقُ يَقْتَضِي أَنْ يَقُولَ: فَقُلْتُ، وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ الْمَذْكُورَةِ: فَقُلْتُ: أَنَا.
قَوْلُهُ: (قَضَى النَّبِيُّ ﷺ بِالْغُرَّةِ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ) كَذَا فِي رِوَايَةِ عَفَّانَ، عَنْ وُهَيْبٍ بِاللَّامِ، وَهُوَ يُؤَيِّدُ رِوَايَةَ التَّنْوِينِ وَسَائِرَ الرِّوَايَاتِ بِغُرَّةٍ، وَمِنْهَا رِوَايَةُ أَبِي مُعَاوِيَةَ بِلَفْظِ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ فِيهَا: غُرَّةٌ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ.
قَوْلُهُ: (فَشَهِدَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ أَنَّهُ شَهِدَ النَّبِيَّ ﷺ قَضَى بِهِ) كَذَا