للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ بَعْضَهُ؛ ذَكَرَهُ ابْنُ عَدِيٍّ وَهُوَ غَلَطٌ، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ الْحَدِيثَ بِتَمَامِهِ مِنْ رِوَايَةِ الْأَسْوَدِ بْنِ الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ جَمَاعَةٌ غَيْرُ مَنْ ذُكِرَ مِنْهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ كَمَا فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدُ، وَهَمَّامُ بْنُ مُنَبِّهٍ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ.

قَوْلُهُ: (الْعَجْمَاءُ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْجِيمِ وَبِالْمَدِّ تَأْنِيثُ أَعْجَمَ وَهِيَ الْبَهِيمَةُ، وَيُقَالُ أَيْضًا لِكُلِّ حَيَوَانٍ غَيْرِ الْإِنْسَانِ، وَيُقَالُ لِمَنْ لَا يُفْصِحُ، وَالْمُرَادُ هُنَا الْأَوَّلُ.

قَوْلُهُ: (جُبَارٌ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَتَخْفِيفِ الْمُوَحَّدَةِ هُوَ الْهَدَرُ الَّذِي لَا شَيْءَ فِيهِ، كَذَا أَسْنَدَهُ ابْنُ وَهْبٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَعَنْ مَالِكٍ: مَا لَا دِيَةَ فِيهِ، أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَصْلُهُ أَنَّ الْعَرَبَ تُسَمِّي السَّيْلَ جُبَارًا أَيْ لَا شَيْءَ فِيهِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: فَسَّرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالُوا: الْعَجْمَاءُ الدَّابَّةُ الْمُنْفَلِتَةُ مِنْ صَاحِبِهَا فَمَا أَصَابَتْ مِنِ انْفِلَاتِهَا فَلَا غُرْمَ عَلَى صَاحِبِهَا، وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ بَعْدَ تَخْرِيجِهِ: الْعَجْمَاءُ الَّتِي تَكُونُ مُنْفَلِتَةً لَا يَكُونُ مَعَهَا أَحَدٌ، وَقَدْ تَكُونُ بِالنَّهَارِ وَلَا تَكُونُ بِاللَّيْلِ، وَوَقَعَ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ فِي آخِرِ حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ: وَالْعَجْمَاءُ الْبَهِيمَةُ مِنَ الْأَنْعَامِ وَغَيْرِهَا، وَالْجُبَارُ هُوَ الْهَدَرُ الَّذِي لَا يُغْرَمُ، كَذَا وَقَعَ التَّفْسِيرُ مُدْرَجًا وَكَأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ.

وَذَكَرَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ أَنَّ بِنَاءَ ج ب ر لِلرَّفْعِ وَالْإِهْدَارِ مِنْ بَابِ السَّلْبِ، وَهُوَ كَثِيرٌ، يَأْتِي اسْمُ الْفِعْلِ وَالْفَاعِلِ لِسَلْبِ مَعْنَاهُ كَمَا يَأْتِي لِإِثْبَاتِ مَعْنَاهُ، وَتَعَقَّبَهُ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ بِأَنَّهُ لِلرَّفْعِ عَلَى بَابِهِ لِأَنَّ إِتْلَافَاتِ الْآدَمِيِّ مَضْمُونَةٌ مَقْهُورٌ مُتْلِفُهَا عَلَى ضَمَانِهَا، وَهَذَا إِتْلَافٌ قَدِ ارْتَفَعَ عَنْ أَنْ يُؤْخَذَ بِهِ أَحَدٌ، وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَجْمَاءِ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ.

قَوْلُهُ: (وَالْبِئْرُ جُبَارٌ) فِي رِوَايَةِ الْأَسْوَدِ بْنِ الْعَلَاءِ عِنْدَ مُسْلِمٍ: وَالْبِئْرُ جَرْحُهَا جُبَارٌ أَمَّا الْبِئْرُ فَهِيَ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ ثُمَّ يَاءٌ سَاكِنَةٌ مَهْمُوزَةٌ وَيَجُوزُ تَسْهِيلُهَا، وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ، وَقَدْ تُذَكَّرُ عَلَى مَعْنَى الْقَلِيبِ وَالطَّوَى وَالْجَمْعُ أَبْؤُرٌ وَآبَارٌ بِالْمَدِّ وَالتَّخْفِيفِ وَبِهَمْزَتَيْنِ بَيْنَهُمَا مُوَحَّدَةٌ سَاكِنَةٌ.

قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْمُرَادُ بِالْبِئْرِ هُنَا الْعَادِيَةُ الْقَدِيمَةُ الَّتِي لَا يُعْلَمُ لَهَا مَالِكٌ تَكُونُ فِي الْبَادِيَةِ فَيَقَعُ فِيهَا إِنْسَانٌ أَوْ دَابَّةٌ فَلَا شَيْءَ فِي ذَلِكَ عَلَى أَحَدٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ حَفَرَ بِئْرًا فِي مِلْكِهِ أَوْ فِي مَوَاتٍ فَوَقَعَ فِيهَا إِنْسَانٌ أَوْ غَيْرُهُ فَتَلِفَ فَلَا ضَمَانَ إِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْهُ تَسَبُّبٌ إِلَى ذَلِكَ وَلَا تَغْرِيرَ، وَكَذَا لَوِ اسْتَأْجَرَ إِنْسَانًا لِيَحْفِرَ لَهُ الْبِئْرَ فَانْهَارَتْ عَلَيْهِ فَلَا ضَمَانَ، وَأَمَّا مَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ وَكَذَا فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنٍ فَتَلِفَ بِهَا إِنْسَانٌ فَإِنَّهُ يَجِبُ ضَمَانُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْحَافِرِ وَالْكَفَّارَةُ فِي مَالِهِ، وَإِنْ تَلِفَ بِهَا غَيْرُ آدَمِيٍّ وَجَبَ ضَمَانُهُ فِي مَالِ الْحَافِرِ، وَيَلْتَحِقُ بِالْبِئْرِ كُلُّ حُفْرَةٍ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ، وَالْمُرَادُ بِجَرْحِهَا وَهِيَ بِفَتْحِ الْجِيمِ لَا غَيْرَ كَمَا نَقَلَهُ فِي النِّهَايَةِ عَنِ الْأَزْهَرِيِّ مَا يَحْصُلُ بِالْوَاقِعِ فِيهَا مِنَ الْجِرَاحَةِ وَلَيْسَتِ الْجِرَاحَةُ مَخْصُوصَةً بِذَلِكَ بَلْ كُلُّ الْإِتْلَافَاتِ مُلْحَقَةٌ بِهَا.

قَالَ عِيَاضٌ وَجَمَاعَةٌ: إِنَّمَا عَبَّرَ بِالْجَرْحِ لِأَنَّهُ الْأَغْلَبُ أَوْ هُوَ مِثَالٌ نَبَّهَ بِهِ عَلَى مَا عَدَاهُ وَالْحُكْمُ فِي جَمِيعِ الْإِتْلَافَاتِ بِهَا سَوَاءٌ كَانَ عَلَى نَفْسٍ أَوْ مَالٍ، وَرِوَايَةُ الْأَكْثَرِ تَتَنَاوَلُ ذَلِكَ عَلَى بَعْضِ الْآرَاءِ، وَلَكِنَّ الرَّاجِحَ الَّذِي يَحْتَاجُ لِتَقْدِيرٍ لَا عُمُومَ فِيهِ.

قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: وَخَالَفَ الْحَنَفِيَّةُ فِي ذَلِكَ فَضَمَّنُوا حَافِرَ الْبِئْرِ مُطْلَقًا قِيَاسًا عَلَى رَاكِبِ الدَّابَّةِ، وَلَا قِيَاسَ مَعَ النَّصِّ.

قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: اتَّفَقَتِ الرِّوَايَاتُ الْمَشْهُورَةُ عَلَى التَّلَفُّظِ بِالْبِئْرِ، وَجَاءَتْ رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ بِلَفْظِ: النَّارُ جُبَارٌ بِنُونٍ وَأَلِفٍ سَاكِنَةٍ قَبْلَ الرَّاءِ وَمَعْنَاهُ عِنْدَهُمْ أَنَّ مَنِ اسْتَوْقَدَ نَارًا مِمَّا يَجُوزُ لَهُ فَتَعَدَّتْ حَتَّى أَتْلَفَتْ شَيْئًا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، قَالَ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ: صَحَّفَهَا بَعْضُهُمْ لِأَنَّ أَهْلَ الْيَمَنِ يَكْتُبُونَ النَّارَ بِالْيَاءِ لَا بِالْأَلِفِ، فَظَنَّ بَعْضُهُمُ الْبِئْرَ الْمُوَحَّدَةَ النَّارَ بِالنُّونِ فَرَوَاهَا كَذَلِكَ، قُلْتُ: هَذَا التَّأْوِيلُ نَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ، وَجَزَمَ بِأَنَّ مَعْمَرًا صَحَّفَهُ حَيْثُ رَوَاهُ عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَلَمْ يَأْتِ ابْنُ مَعِينٍ عَلَى قَوْلِهِ بِدَلِيلٍ، وَلَيْسَ بِهَذَا تُرَدُّ أَحَادِيثُ الثِّقَاتِ.

قُلْتُ: وَلَا يُعْتَرَضُ عَلَى الْحُفَّاظِ الثِّقَاتِ بِالِاحْتِمَالَاتِ، وَيُؤَيِّدُهُ