للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بِالِاسْتِتَابَةِ هَلْ يُكْتَفَى بِالْمَرَّةِ أَوْ لَابُدَّ مِنْ ثَلَاثٍ؟ وَهَلِ الثَّلَاثُ فِي مَجْلِسٍ أَوْ فِي يَوْمٍ أَوْ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ؟ وَعَنْ عَلِيٍّ: يُسْتَتَابُ شَهْرًا، وَعَنِ النَّخَعِيِّ: يُسْتَتَابُ أَبَدًا كَذَا نُقِلَ عَنْهُ مُطْلَقًا، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ فِي مَنْ تَكَرَّرَتْ مِنْهُ الرِّدَّةُ وَسَيَأْتِي مَزِيدٌ لِذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ عِنْدَ ذِكْرِ الزَّنَادِقَةِ. ثُّمَ ذَكَرَ فِي الْبَابِ حَدِيثَيْنِ:

الأول: قَوْلُهُ: (أَيُّوبُ) هُوَ السَّخْتِيَانِيُّ، وَعِكْرِمَةُ هُوَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ.

قَوْلُهُ: (أُتِيَ عَلِيٌّ) هُوَ ابْنُ أَبِي طَالِبٍ، تَقَدَّمَ فِي بَابِ لَا يُعَذَّبُ بِعَذَابِ اللَّهِ مِنْ كِتَابِ الْجِهَادِ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَيُّوبَ بِهَذَا السَّنَدِ أَنَّ عَلِيًّا حَرَّقَ قَوْمًا، وَذَكَرْتُ هُنَاكَ أَنَّ الْحُمَيْدِيَّ رَوَاهُ عَنْ سُفْيَانَ بِلَفْظِ: حَرَّقَ الْمُرْتَدِّينَ، وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ عِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: كَانَ أُنَاسٌ يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ فِي السِّرِّ.

وَعِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ طَرِيقِ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ: أَنَّ عَلِيًّا بَلَغَهُ أَنَّ قَوْمًا ارْتَدُّوا عَنِ الْإِسْلَامِ فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ فَأَطْعَمَهُمْ ثُمَّ دَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ فَأَبَوْا، فَحَفَرَ حَفِيرَةً ثُمَّ أَتَى بِهِمْ فَضَرَبَ أَعْنَاقَهُمْ وَرَمَاهُمْ فِيهَا ثُمَّ أَلْقَى عَلَيْهِمُ الْحَطَبَ فَأَحْرَقَهُمْ ثُمَّ قَالَ: صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ.

وَزَعَمَ أَبُو الْمُظَفَّرِ الْإِسْفَرَايِنِيُّ فِي الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ أَنَّ الَّذِينَ أَحْرَقَهُمْ عَلِيٌّ طَائِفَةٌ مِنَ الرَّوَافِضِ ادَّعَوْا فِيهِ الْإِلَهِيَّةَ وَهُمُ السَّبَائِيَّةُ، وَكَانَ كَبِيرُهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَبَأٍ يَهُودِيًّا ثُمَّ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ وَابْتَدَعَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ، وَهَذَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أَصْلُهُ مَا رُوِّينَاهُ فِي الْجُزْءِ الثَّالِثِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي طَاهِرٍ الْمُخَلِّصِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَرِيكٍ الْعَامِرِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قِيلَ لِعَلِيٍّ: إِنَّ هُنَا قَوْمًا عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ يَدَّعُونَ أَنَّكَ رَبَّهُمْ، فَدَعَاهُمْ فَقَالَ لَهُمْ: وَيْلَكُمْ مَا تَقُولُونَ؟ قَالُوا: أَنْتَ رَبُّنَا وَخَالِقُنَا وَرَازِقُنَا. فَقَالَ: وَيْلَكُمْ إِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ مِثْلُكُمْ آكُلُ الطَّعَامَ كَمَا تَأْكُلُونَ وَأَشْرَبُ كَمَا تَشْرَبُونَ، إِنْ أَطَعْتُ اللَّهَ أَثَابَنِي إِنْ شَاءَ، وَإِنْ عَصَيْتُهُ خَشِيتُ أَنْ يُعَذِّبَنِي، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَارْجِعُوا، فَأَبَوْا، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ غَدَوْا عَلَيْهِ فَجَاءَ قَنْبَرٌ، فَقَالَ: قَدْ وَاللَّهِ رَجَعُوا يَقُولُونَ ذَلِكَ الْكَلَامَ، فَقَالَ أَدْخِلْهُمْ فَقَالُوا كَذَلِكَ، فَلَمَّا كَانَ الثَّالِثُ قَالَ: لَئِنْ قُلْتُمْ ذَلِكَ لَأَقْتُلَنَّكُمْ بِأَخْبَثِ قِتْلَةٍ، فَأَبَوْا إِلَّا ذَلِكَ، فَقَالَ: يَا قَنْبَرُ، ائْتِنِي بِفَعْلَةٍ مَعَهُمْ مَرِّرُوهُمْ فَخُدَّ لَهُمْ أُخْدُودًا بَيْنَ بَابِ الْمَسْجِدِ وَالْقَصْرِ، وَقَالَ: احْفِرُوا فَأَبْعِدُوا فِي الْأَرْضِ، وَجَاءَ بِالْحَطَبِ فَطَرَحَهُ بِالنَّارِ فِي الْأُخْدُودِ وَقَالَ: إِنِّي طَارِحُكُمْ فِيهَا أَوْ تَرْجِعُوا، فَأَبَوْا أَنْ يَرْجِعُوا فَقَذَفَ بِهِمْ فِيهَا حَتَّى إِذَا احْتَرَقُوا قَالَ:

إِنِّي إِذَا رَأَيْتُ أَمْرًا مُنْكَرًا … أَوْقَدْتُ نَارِي وَدَعَوْتُ قَنْبَرَا

وَهَذَا سَنَدٌ حَسَنٌ، وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ: أَنَّ عَلِيًّا أُتِيَ بِنَاسٍ مِنَ الزُّطِّ يَعْبُدُونَ وَثَنًا فَأَحْرَقَهُمْ فَسَنَدُهُ مُنْقَطِعٌ، فَإِنْ ثَبَتَ حُمِلَ عَلَى قِصَّةٍ أُخْرَى، فَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ بْنِ النُّعْمَانِ: شَهِدْتُ عَلِيًّا فِي الرَّحْبَةِ، فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: إِنَّ هُنَا أَهْلَ بَيْتٍ لَهُمْ وَثَنٌ فِي دَارٍ يَعْبُدُونَهُ فَقَامَ يَمْشِي إِلَى الدَّارِ فَأَخْرَجُوا إِلَيْهِ بِمِثَالِ رَجُلٍ، قَالَ: فَأَلْهَبَ عَلَيْهِمْ عَلِيٌّ الدَّارَ.

قَوْلُهُ: (بِزَنَادِقَةٍ) بِزَايٍ وَنُونٍ وَقَافٍ جَمْعُ زِنْدِيقٍ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ ثَانِيهِ، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ وَغَيْرُهُ: الزِّنْدِيقُ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ أَصْلُهُ: زنده كرداي يَقُولُ بِدَوَامِ الدَّهْرِ لِأَنَّ زنده الْحَيَاةُ وَكرد الْعَمَلُ، وَيُطْلَقُ عَلَى مَنْ يَكُونُ دَقِيقَ النَّظَرِ فِي الْأُمُورِ.

وَقَالَ ثَعْلَبٌ: لَيْسَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ زِنْدِيقٌ وَإِنَّمَا قَالُوا: زَنْدَقِيٌّ لِمَنْ يَكُونُ شَدِيدَ التَّحَيُّلِ، وَإِذَا أَرَادُوا مَا تُرِيدُ الْعَامَّةُ قَالُوا: مُلْحِدٌ وَدَهْرِيٌّ بِفَتْحِ الدَّالِ، أَيْ يَقُولُ بِدَوَامِ الدَّهْرِ، وَإِذَا قَالُوهَا بِالضَّمِّ أَرَادُوا كِبَرَ السِّنِّ.

وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الزِّنْدِيقُ مِنَ الثَّنَوِيَّةِ، كَذَا قَالَ، وَفَسَّرَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ بِأَنَّهُ الَّذِي يَدَّعِي أَنَّ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يُطْلَقَ عَلَى كُلِّ مُشْرِكٍ، وَالتَّحْقِيقُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ صِنْفٍ فِي الْمِلَلِ أَنَّ أَصْلَ الزَّنَادِقَةِ اتِّبَاعُ دَيْصَانَ ثُمَّ مَانِّيَ ثُمَّ مَزْدَكَ الْأَوَّلُ بِفَتْحِ الدَّالِ وَسُكُونِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتَانِيَّةِ بَعْدَهَا صَادٌ مُهْمَلَةٌ، وَالثَّانِي بِتَشْدِيدِ النُّونِ وَقَدْ تُخَفَّفُ وَالْيَاءُ خَفِيفَةٌ، وَالثَّالِثُ بِزَايٍ سَاكِنَةٍ وَدَالٍ