للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قَالَ الْمُهَلَّبُ: مَنِ امْتَنَعَ مِنْ قَبُولِ الْفَرَائِضِ نُظِرَ فَإِنْ أَقَرَّ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ مَثَلًا أُخِذَتْ مِنْهُ قَهْرًا وَلَا يُقْتَلُ، فَإِنْ أَضَافَ إِلَى امْتِنَاعِهِ نَصْبَ الْقِتَالِ قُوتِلَ إِلَى أَنْ يَرْجِعَ، قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِيمَنْ مَنَعَ فَرِيضَةً مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَمْ يَسْتَطِعِ الْمُسْلِمُونَ أَخْذَهَا مِنْهُ كَانَ حَقًّا عَلَيْهِمْ جِهَادُهُ، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: مُرَادُهُ إِذَا أَقَرَّ بِوُجُوبِهَا لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (وَمَا نُسِبُوا إِلَى الرِّدَّةِ) أَيْ أُطْلِقَ عَلَيْهِمُ اسْمُ الْمُرْتَدِّينَ، قَالَ الْكِرْمَانِيُّ مَا فِي قَوْلِهِ: وَمَا نُسِبُوا نَافِيَةٌ كَذَا قَالَ، وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهَا مَصْدَرِيَّةٌ أَيْ وَنِسْبَتُهُمْ إِلَى الرِّدَّةِ وَأَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ الَّذِي أَوْرَدَهُ كَمَا سَأُبَيِّنُهُ، قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ: كَانَ أَهْلُ الرِّدَّةِ ثَلَاثَةَ أَصْنَافٍ: صِنْفٌ عَادُوا إِلَى عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَصِنْفٌ تَبِعُوا مُسَيْلِمَةَ، وَالْأَسْوَدَ الْعَنْسِيَّ وَكَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا ادَّعَى النُّبُوَّةَ قَبْلَ مَوْتِ النَّبِيِّ فَصَدَّقَ مُسَيْلِمَةَ أَهْلُ الْيَمَامَةِ وَجَمَاعَةٌ غَيْرُهُمْ وَصَدَّقَ الْأَسْوَدَ أَهْلُ صَنْعَاءَ وَجَمَاعَةٌ غَيْرُهُمْ، فَقُتِلَ الْأَسْوَدُ قَبْلَ مَوْتِ النَّبِيِّ بِقَلِيلٍ وَبَقِيَ بَعْضُ مَنْ آمَنَ بِهِ فَقَاتَلَهُمْ عُمَّالُ النَّبِيِّ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَأَمَّا مُسَيْلِمَةُ فَجَهَّزَ إِلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ الْجَيْشَ وَعَلَيْهِمْ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَقَتَلُوهُ.

وَصِنْفٌ ثَالِثٌ اسْتَمَرُّوا عَلَى الْإِسْلَامِ لَكِنَّهُمْ جَحَدُوا الزَّكَاةَ وَتَأَوَّلُوا بِأَنَّهَا خَاصَّةٌ بِزَمَنِ النَّبِيِّ ، وَهُمُ الَّذِينَ نَاظَرَ عُمَرُ، أَبَا بَكْرٍ فِي قِتَالِهِمْ كَمَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ، وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ فِي الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ: انْقَسَمَتِ الْعَرَبُ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: طَائِفَةٌ بَقِيَتْ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ وَهُمُ الْجُمْهُورُ، وَطَائِفَةٌ بَقِيَتْ عَلَى الْإِسْلَامِ أَيْضًا إِلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا نُقِيمُ الشَّرَائِعَ إِلَّا الزَّكَاةَ وَهُمْ كَثِيرٌ لَكِنَّهُمْ قَلِيلٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الطَّائِفَةِ الْأُولَى، وَالثَّالِثَةُ أَعْلَنَتْ بِالْكُفْرِ وَالرِّدَّةِ كَأَصْحَابِ طُلَيْحَةَ وَسَجَاحٍ وَهُمْ قَلِيلٌ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ قَبْلَهُمْ، إِلَّا أَنَّهُ كَانَ فِي كُلِّ قَبِيلَةٍ مَنْ يُقَاوِمُ مَنِ ارْتَدَّ، وَطَائِفَةٌ تَوَقَّفَتْ فَلَمْ تُطِعْ أَحَدًا مِنَ الطَّوَائِفِ الثَّلَاثَةِ وَتَرَبَّصُوا لِمَنْ تَكُونُ الْغَلَبَةُ فَأَخْرَجَ أَبُو بَكْرٍ إِلَيْهِمُ الْبُعُوثَ وَكَانَ فَيْرُوزٌ وَمَنْ مَعَهُ غَلَبُوا عَلَى بِلَادِ الْأَسْوَدِ وَقَتَلُوهُ وَقُتِلَ مُسَيْلِمَةُ بِالْيَمَامَةِ، وَعَادَ طُلَيْحَةُ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَكَذَا سَجَاحٌ، وَرَجَعَ غَالِبُ مَنْ كَانَ ارْتَدَّ إِلَى الْإِسْلَامِ فَلَمْ يَحُلِ الْحَوْلُ إِلَّا وَالْجَمِيعُ قَدْ رَاجَعُوا دِينَ الْإِسْلَامِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

قَوْلُهُ: (أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ) فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَهَكَذَا رَوَاهُ الْأَكْثَرُ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهَذَا السَّنَدِ عَلَى أَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ عُمَرَ وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَقَالَ يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ الْحَدِيثَ، فَسَاقَهُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ مُسْنَدِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ أَبَا بَكْرٍ وَلَا عُمَرَ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ سَمِعَ أَصْلَ الْحَدِيثِ مِنَ النَّبِيِّ وَحَضَرَ مُنَاظَرَةَ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ فَقَصَّهَا كَمَا هِيَ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ جَاءَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ بِلَا وَاسِطَةٍ مِنْ طُرُقٍ، فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِيهِ.

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي صَالِحٍ ذَكْوَانُ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْعَنْبَسِ سَعِيدِ بْنِ كَثِيرِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ، وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، وَرَوَاهُ مَالِكٌ خَارِجَ الْمُوَطَّإِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ مَنْدَهْ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَرَوَاهُ عَنِ النَّبِيِّ أَيْضًا ابْنُ عُمَرَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ الْكِتَابِ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ، وَجَابِرٌ، وَطَارِقٌ الْأَشْجَعِيُّ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَأَصْلُهُ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ الصَّلَاةِ.

وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَنَسٍ، وَهُوَ عِنْدَ ابْنِ خُزَيْمَةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْهُ لَكِنْ قَالَ: عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَرِيرٍ الْبَجَلِيِّ، وَفِي الْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ سَمُرَةَ، وَسَأَذْكُرُ مَا فِي رِوَايَاتِهِمْ مِنْ فَائِدَةٍ زَائِدَةٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

قَوْلُهُ: (وَكَفَرَ مَنْ