للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فِي نَقْلِ الْحَدِيثِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِصَحِيحِهِ لَا غَيْرُ، انْتَهَى.

وَقَدْ أَبْطَلَ هَذَا الْجَوَابَ فِي كِتَابِ التَّفْسِيرِ فَقَالَ لَمَّا نَاقَشَ الْبُخَارِيَّ فِي أَشْيَاءَ ذَكَرَهَا مِنْ تَفْسِيرِ بَعْضِ الْأَلْفَاظِ بِمَا مَعْنَاهُ: لَوْ تَرَكَ الْبُخَارِيُّ هَذَا لَكَانَ أَوْلَى ; لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَوْضُوعِ كِتَابِهِ، وَكَذَلِكَ قَالَ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ، إِذَا لَمْ يَظْهَرْ لَهُ تَوْجِيُهُ مَا يَقُولُهُ الْبُخَارِيُّ، مَعَ أَنَّ الْبُخَارِيَّ فِي جَمِيعِ مَا يُورِدُهُ مِنْ تَفْسِيرِ الْغَرِيبِ إِنَّمَا يَنْقُلُهُ عَنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْفَنِّ كَأَبِي عُبَيْدَةَ، وَالنَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ، وَالْفَرَّاءِ وَغَيْرِهِمْ، وَأَمَّا الْمَبَاحِثُ الْفِقْهِيَّةُ فَغَالِبُهَا مُسْتَمَدَّةٌ لَهُ مِنَ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي عُبَيْدٍ وَأَمْثَالِهِمَا، وَأَمَّا الْمَسَائِلُ الْكَلَامِيَّةُ فَأَكْثَرُهَا مِنَ الْكَرَابِيسِيِّ، وَابْنِ كِلَابٍ وَنَحْوِهِمَا.

وَالْعَجَبُ مِنْ دَعْوَى الْكِرْمَانِيِّ أَنَّهُ لَا يَقْصِدُ تَحْسِينَ التَّرْتِيبِ بَيْنَ الْأَبْوَابِ، مَعَ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ لِأَحَدٍ مِنَ الْمُصَنِّفِينَ عَلَى الْأَبْوَابِ مَنِ اعْتَنَى بِذَلِكَ غَيْرَهُ، حَتَّى قَالَ جَمْعٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ: فِقْهُ الْبُخَارِيِّ فِي تَرَاجِمِهِ.

وَقَدْ أَبْدَيْتُ فِي هَذَا الشَّرْحِ مِنْ مَحَاسِنِهِ وَتَدْقِيقِهِ فِي ذَلِكَ مَا لَا خَفَاءَ بِهِ، وَقَدْ أَمْعَنْتُ النَّظَرَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فَوَجَدْتُهُ فِي بَادِئِ الرَّأْيِ يَظُنُّ النَّاظِرُ فِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَعْتَنِ بِتَرْتِيبِهِ كَمَا قَالَ الْكِرْمَانِيُّ ; لَكِنَّهُ اعْتَنَى بِتَرْتِيبِ كِتَابِ الصَّلَاةِ اعْتِنَاءً تَامًّا كَمَا سَأَذْكُرُهُ هُنَاكَ، وَقَدْ يُتَلَمَّحُ أَنَّهُ ذَكَرَ أَوَّلًا فَرْضَ الْوُضُوءِ كَمَا ذَكَرْتُ، وَأَنَّهُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ، ثَمَّ فَضْلَهُ وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ إِلَّا مَعَ التَّيَقُّنِ، وَأَنَّ الزِّيَادَةَ فِيهِ عَلَى إِيصَالِ الْمَاءِ إِلَى الْعُضْوِ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَأَنَّ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الْإِسْبَاغِ فَضْلٌ، وَمِنْ ذَلِكَ الِاكْتِفَاءُ فِي غَسْلِ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ بِغَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ، وَأَنَّ التَّسْمِيَةَ مَعَ أَوَّلِهِ مَشْرُوعَةٌ كَمَا يُشْرَعُ الذِّكْرُ عِنْدَ دُخُولِ الْخَلَاءِ، فَاسْتَطْرَدَ مِنْ هُنَا لِآدَابِ الِاسْتِنْجَاءِ وَشَرَائِطِهِ، ثُمَّ رَجَعَ لِبَيَانِ أَنَّ وَاجِبَ الْوُضُوءِ الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ وَأَنَّ الثِّنْتَيْنِ وَالثَّلَاثِ سُنَّةٌ، ثُمَّ ذَكَرَ سُنَّةَ الِاسْتِنْثَارِ إِشَارَةً إِلَى الِابْتِدَاءِ بِتَنْظِيفِ الْبَوَاطِنِ قَبْلَ الظَّوَاهِرِ، وَوَرَدَ الْأَمْرُ بِالِاسْتِجْمَارِ وِتْرًا فِي حَدِيثِ الِاسْتِنْثَارِ فَتَرْجَمَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ التَّنَظُّفِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى حُكْمِ التَّخْفِيفِ فَتَرْجَمَ بِغَسْلِ الْقَدَمَيْنِ لَا بِمَسْحِ الْخُفَّيْنِ؛ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ التَّخْفِيفَ لَا يَكْفِي فِيهِ الْمَسْحُ دُونَ مُسَمَّى الْغَسْلِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْمَضْمَضَةِ لِأَنَّهَا أُخْتُ الِاسْتِنْشَاقِ، ثُمَّ اسْتَدْرَكَ بِغَسْلِ الْعَقِبَيْنِ؛ لِئَلَّا يُظَنَّ أَنَّهُمَا لَا يَدْخُلَانِ فِي مُسَمَّى الْقَدَمِ، وَذَكَرَ غَسْلَ الرِّجْلَيْنِ فِي النَّعْلَيْنِ؛ رَدًّا عَلَى مَنْ قَصَّرَ فِي سِيَاقِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فَاقْتَصَرَ عَلَى

النَّعْلَيْنِ عَلَى مَا سَأُبَيِّنُهُ.

ثُمَّ ذَكَرَ فَضْلَ الِابْتِدَاءِ بِالْيَمِينِ، وَمَتَى يَجِبُ طَلَبُ الْمَاءِ لِلْوُضُوءِ، ثُمَّ ذَكَرَ حُكْمَ الْمَاءِ الَّذِي يُسْتَعْمَلُ وَمَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ. ثُمَّ ذَكَرَ الِاسْتِعَانَةَ فِي الْوُضُوءِ، ثُمَّ مَا يَمْتَنِعُ عَلَى مَنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ، وَاسْتَمَرَّ عَلَى ذَلِكَ إِذَا ذَكَرَ شَيْئًا مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ اسْتَطْرَدَ مِنْهُ إِلَى مَا لَهُ بِهِ تَعَلُّقٌ لِمَنْ يُمْعِنُ التَّأَمُّلَ، إِلَى أَنْ أَكْمَلَ كِتَابَ الْوُضُوءِ عَلَى ذَلِكَ. وَسَلَكَ فِي تَرْتِيبِ الصَّلَاةِ أَسْهَلَ مِنْ هَذَا الْمَسْلَكِ، فَأَوْرَدَ أَبْوَابَهَا ظَاهِرَةَ التَّنَاسُبِ فِي التَّرْتِيبِ، فَكَأَنَّهُ تَفَنَّنَ فِي ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: (الْخُبُثِ) بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ كَذَا فِي الرِّوَايَةِ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: إِنَّهُ لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ يَجُوزُ إِسْكَانُ الْمُوَحَّدَةِ كَمَا فِي نَظَائِرِهِ مِمَّا جَاءَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ كَكُتُبٍ وَكُتْبٍ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَقَدْ صَرَّحَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِأَنَّ الْبَاءَ هُنَا سَاكِنَةٌ مِنْهُمْ أَبُو عُبَيْدَةَ، إِلَّا أَنْ يُقَالَ إِنَّ تَرْكَ التَّخْفِيفِ أَوْلَى لِئَلَّا يَشْتَبِهَ بِالْمَصْدَرِ، وَالْخُبْثُ جَمْعُ خَبِيثٍ، وَالْخَبَائِثُ جَمْعُ خَبِيثَةٍ، يُرِيدُ ذُكْرَانَ الشَّيَاطِينِ وَإِنَاثَهُمْ، قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُمَا، وَوَقَعَ فِي نُسْخَةِ ابْنِ عَسَاكِرَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ - يَعْنِي الْبُخَارِيَّ - وَيُقَالُ الْخُبْثُ أَيْ بِإِسْكَانِ الْمُوَحَّدَةِ، فَإِنْ كَانَتْ مُخَفَّفَةً عَنِ الْمُحَرَّكَةِ فَقَدْ تَقَدَّمَ تَوْجِيهُهُ، وَإِنْ كَانَ بِمَعْنَى الْمُفْرَدِ فَمَعْنَاهُ كَمَا قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: الْمَكْرُوهُ، قَالَ: فَإِنْ كَانَ مِنَ الْكَلَامِ فَهُوَ الشَّتْمُ، وَإِنْ كَانَ مِنَ الْمِلَلِ فَهُوَ الْكُفْرُ، وَإِنْ كَانَ مِنَ الطَّعَامِ فَهُوَ الْحَرَامُ، وَإِنْ كَانَ مِنَ الشَّرَابِ فَهُوَ الضَّارُّ، وَعَلَى هَذَا فَالْمُرَادُ بِالْخَبَائِثِ الْمَعَاصِي أَوْ مُطْلَقُ الْأَفْعَالِ الْمَذْمُومَةِ لِيَحْصُلَ التَّنَاسُبُ ; وَلِهَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْخُبْثِ وَالْخَبِيثِ، أَوِ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ؛ هَكَذَا عَلَى الشَّكِّ، الْأَوَّلُ بِالْإِسْكَانِ مَعَ