للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مَعْمَرٍ بِإِسْقَاطِ قَوْلِهِ: فِيمَا بَلَغَنَا وَلَفْظُهُ: فَتْرَةً حَزِنَ النَّبِيُّ مِنْهَا حُزْنًا غَدَا مِنْهُ إِلَى آخِرِهِ، فَصَارَ كُلُّهُ مُدْرَجًا عَلَى رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ، قَوْلُهُ فِيهَا: فَإِذَا طَالَتْ عَلَيْهِ فَتْرَةُ الْوَحْيِ قَدْ يَتَمَسَّكُ بِهِ مَنْ يُصَحِّحُ مُرْسَلَ الشَّعْبِيِّ فِي أَنَّ مُدَّةَ الْفَتْرَةِ كَانَتْ سَنَتَيْنِ وَنِصْفًا كَمَا نَقَلْتُهُ فِي أَوَّلِ بَدْءِ الْوَحْيِ، وَلَكِنْ يُعَارِضُهُ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ سَعْدٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِنَحْوِ هَذَا الْبَلَاغِ الَّذِي ذَكَرَهُ الزُّهْرِيُّ، وَقَوْلُهُ: مَكَثَ أَيَّامًا بَعْدَ مَجِيءِ الْوَحْيِ لَا يَرَى جِبْرِيلَ فَحَزِنَ حُزْنًا شَدِيدًا حَتَّى كَادَ يَغْدُو إِلَى ثَبِيرٍ مَرَّةً وَإِلَى حِرَاءٍ أُخْرَى يُرِيدُ أَنْ يُلْقِيَ نَفْسَهُ فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ عَامِدًا لِبَعْضِ تِلْكَ الْجِبَالِ إِذْ سَمِعَ صَوْتًا فَوَقَفَ فَزِعًا ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَإِذَا جِبْرِيلُ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ مُتَرَبِّعًا يَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ حَقًّا وَأَنَا جِبْرِيلُ، فَانْصَرَفَ وَقَدْ أَقَرَّ اللَّهُ عَيْنَهُ وَانْبَسَطَ جَأْشُهُ، ثُمَّ تَتَابَعَ الْوَحْيُ فَيُسْتَفَادُ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ تَسْمِيَةُ بَعْضِ الْجِبَالِ الَّتِي أُبْهِمَتْ فِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ وَتَقْلِيلُ مُدَّةِ الْفَتْرَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ وَالضُّحَى شَيْءٌ يَتَعَلَّقُ بِفَتْرَةِ الْوَحْيِ.

قَوْلُهُ: (فَيَسْكُنُ لِذَلِكَ جَأْشُهُ) بِجِيمٍ وَهَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ وَقَدْ تُسَهَّلُ وَبَعْدَهَا شِينٌ مُعْجَمَةٌ قَالَ الْخَلِيلُ: الْجَأْشُ النَّفْسُ، فَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ: وَتَقَرُّ نَفْسُهُ تَأْكِيدٌ لَفْظِيٌّ.

قَوْلُهُ: (عَدَا) بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ مِنَ الْعَدْوِ وَهُوَ الذَّهَابُ بِسُرْعَةٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَعْجَمَهَا مِنَ الذَّهَابِ غُدْوَةً.

قَوْلُهُ: (بِذِرْوَةِ جَبَلٍ) قَالَ ابْنُ التِّينِ رُوِّينَاهُ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَضَمِّهِ، وَهُوَ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ بِالْكَسْرِ لَا غَيْرَ، قُلْتُ: بَلْ حُكِيَ تَثْلِيثُهُ، وَهُوَ أَعْلَى الْجَبَلِ وَكَذَا الْجَمَلُ.

قَوْلُهُ: (تَبَدَّى لَهُ جِبْرِيلُ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: بَدَا لَهُ وَهُوَ بِمَعْنَى الظُّهُورِ.

قَوْلُهُ: (فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ) زَادَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ حَتَّى كَثُرَ الْوَحْيُ وَتَتَابَعَ، قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ: مَوَّهَ بَعْضُ الطَّاعِنِينَ عَلَى الْمُحَدِّثِينَ فَقَالَ: كَيْفَ يَجُوزُ لِلنَّبِيِّ أَنْ يَرْتَابَ فِي نُبُوَّتِهِ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى وَرَقَةَ وَيَشْكُو لِخَدِيجَةَ مَا يَخْشَاهُ، وَحَتَّى يُوفِيَ بِذِرْوَةِ جَبَلٍ لِيُلْقِيَ مِنْهَا نَفْسَهُ عَلَى مَا جَاءَ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ؟

قَالَ: وَلَئِنْ جَازَ أَنْ يَرْتَابَ مَعَ مُعَايَنَةِ النَّازِلِ عَلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ فَكَيْفَ يُنْكَرُ عَلَى مَنِ ارْتَابَ فِيمَا جَاءَهُ بِهِ مَعَ عَدَمِ الْمُعَايَنَةِ؟ قَالَ: وَالْجَوَابُ أَنَّ عَادَةَ اللَّهِ جَرَتْ بِأَنَّ الْأَمْرَ الْجَلِيلَ إِذَا قُضِيَ بِإِيصَالِهِ إِلَى الْخَلْقِ أَنْ يَقْدَمَهُ تَرْشِيحٌ وَتَأْسِيسٌ، فَكَانَ مَا يَرَاهُ النَّبِيُّ مِنَ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةِ وَمَحَبَّةِ الْخَلْوَةِ وَالتَّعَبُّدِ مِنْ ذَلِكَ، فَلَمَّا فَجِئَهُ الْمَلَكُ فَجِئَهُ بَغْتَةً أَمْرٌ خَالَفَ الْعَادَةَ وَالْمَأْلُوفَ فَنَفَرَ طَبْعُهُ الْبَشَرِيُّ مِنْهُ وَهَالَهُ ذَلِكَ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنَ التَّأَمُّلِ فِي تِلْكَ الْحَالِ، لِأَنَّ النُّبُوَّةَ لَا تُزِيلُ طِبَاعَ الْبَشَرِيَّةِ كُلَّهَا، فَلَا يُتَعَجَّبُ أَنْ يَجْزَعَ مِمَّا لَمْ يَأْلَفْهُ وَيَنْفِرَ طَبْعُهُ مِنْهُ حَتَّى إِذَا تَدَرَّجَ عَلَيْهِ وَأَلِفَهُ اسْتَمَرَّ عَلَيْهِ، فَلِذَلِكَ رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ الَّتِي أَلِفَ تَأْنِيسَهَا لَهُ فَأَعْلَمَهَا بِمَا وَقَعَ لَهُ فَهَوَّنَتْ عَلَيْهِ خَشْيَتَهُ بِمَا عَرَفَتْهُ مِنْ أَخْلَاقِهِ الْكَرِيمَةِ وَطَرِيقَتِهِ الْحَسَنَةِ، فَأَرَادَتِ الِاسْتِظْهَارَ بِمَسِيرِهَا بِهِ إِلَى وَرَقَةَ لِمَعْرِفَتِهَا بِصِدْقِهِ وَمَعْرِفَتِهِ وَقِرَاءَتِهِ الْكُتُبَ الْقَدِيمَةَ، فَلَمَّا سَمِعَ كَلَامَهُ أَيْقَنَ بِالْحَقِّ وَاعْتَرَفَ بِهِ، ثُمَّ كَانَ مِنْ مُقَدِّمَاتِ تَأْسِيسِ النُّبُوَّةِ فَتْرَةُ الْوَحْيِ لِيَتَدَرَّجَ فِيهِ وَيَمْرُنَ عَلَيْهِ، فَشَقَّ عَلَيْهِ فُتُورُهُ؛ إِذْ لَمْ يَكُنْ خُوطِبَ عَنِ اللَّهِ بَعْدُ أَنَّكَ رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ وَمَبْعُوثٌ إِلَى عِبَادِهِ، فَأَشْفَقَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ أَمْرًا بُدِئَ بِهِ ثُمَّ لَمْ يَرِدِ اسْتِفْهَامُهُ فَحَزِنَ لِذَلِكَ، حَتَّى تَدَرَّجَ عَلَى احْتِمَالِ أَعْبَاءِ النُّبُوَّةِ وَالصَّبْرِ عَلَى ثِقَلِ مَا يَرِدُ عَلَيْهِ فَتَحَ اللَّهُ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ بِمَا فَتَحَ.

قَالَ: وَمِثَالُ مَا وَقَعَ لَهُ فِي أَوَّلِ مَا خُوطِبَ وَلَمْ يَتَحَقَّقِ الْحَالُ عَلَى جَلِيَّتِهَا مَثَلُ رَجُلٍ سَمِعَ آخَرَ يَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ أَنَّهُ يَقْرَأُ حَتَّى إِذَا وَصَلَهَا بِمَا بَعْدَهَا مِنَ الْآيَاتِ تَحَقَّقَ أَنَّهُ يَقْرَأُ، وَكَذَا لَوْ سَمِعَ قَائِلًا يَقُولُ خَلَتِ الدِّيَارُ لَمْ يَتَحَقَّقْ أَنَّهُ يُنْشِدُ شِعْرًا حَتَّى يَقُولَ مَحَلُّهَا وَمُقَامُهَا انْتَهَى مُلَخَّصًا.

ثُمَّ أَشَارَ إِلَى أَنَّ الْحِكْمَةَ فِي ذِكْرِهِ مَا اتَّفَقَ لَهُ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا فِي انْتِشَارِ خَبَرِهِ فِي بِطَانَتِهِ وَمَنْ يَسْتَمِعُ لِقَوْلِهِ وَيُصْغِي إِلَيْهِ، وَطَرِيقًا فِي مَعْرِفَتِهِمْ مُبَايَنَةَ مَنْ سِوَاهُ فِي أَحْوَالِهِ لِيُنَبِّهُوا عَلَى مَحَلِّهِ، قَالَ: وَأَمَّا إِرَادَتُهُ إِلْقَاءَ نَفْسِهِ مِنْ رُءُوسِ