وَكَانَ عِنْدَ مُسَدَّدٍ عَلَى الْوَجْهَيْنِ، فَقَدْ أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ مِنْ رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي إِسْرَائِيلَ بِهَذَا السَّنَدِ إِلَى أَبِي سَلَمَةَ فَقَالَ: عَنْ أَبِي قَتَادَةَ تَارَةً وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أُخْرَى، وَعَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثَ: رُؤْيَا الرَّجُلِ الصَّالِحِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
قَوْلُهُ: (الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنَ اللَّهِ وَالْحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ فَإِذَا حَلَمَ أَحَدُكُمْ) تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ مُسْتَوْفًى، وَقَدِ اعْتَرَضَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فَقَالَ: لَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ هَذَا الْبَابِ فِي شَيْءٍ، وَأَخَذَهُ الزَّرْكَشِيُّ فَقَالَ: إِدْخَالُهُ فِي هَذَا الْبَابِ لَا وَجْهَ لَهُ بَلْ هُوَ مُلْحَقٌ بِالَّذِي قَبْلَهُ، قُلْتُ: وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ كَمَا أَشَرْتُ إِلَيْهِ، وَيُجَابُ عَنْ صَنِيعِ الْأَكْثَرِ بِأَنَّ وَجْهَ دُخُولِهِ فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةَ إِنَّمَا كَانَتْ جُزْءًا مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ لِكَوْنِهَا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ الَّتِي مِنَ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ، وَأَشَارَ الْبُخَارِيُّ مَعَ ذَلِكَ إِلَى مَا وَقَعَ فِي بَعْضِ الطُّرُقِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، فَقَدْ ذَكَرْتُ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ أَنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الزِّيَادَةِ وَرُؤْيَا الْمُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ.
قَوْلُهُ: (عَنْ أَنَسٍ) فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْمَذْكُورِ بِسَنَدِهِ الْمَذْكُورِ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ عَنْ عُبَادَةَ، وَقَدْ خَالَفَ قَتَادَةَ غَيْرُهُ فَلَمْ يَذْكُرُوا عُبَادَةَ فِي السَّنَدِ وَهُوَ الْحَدِيثُ الثَّالِثُ حَدِيثُ أَنَسٍ.
وَرَوَاهُ ثَابِتٌ وَحُمَيْدٌ وَإِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَشُعَيْبٌ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ.
قَوْلُهُ: (وَرَوَاهُ ثَابِتٌ، وَحُمَيْدٌ، وَإِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَشُعَيْبٌ، عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ) أَيْ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ، فَأَمَّا رِوَايَةُ ثَابِتٍ فَتَأْتِي مَوْصُولَةً بَعْدَ خَمْسَةِ أَبْوَابٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الْمُخْتَارِ عَنْهُ تِلْوَ حَدِيثٍ أَوَّلُهُ مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي وَقَالَ فِيهِ: وَرُؤْيَا الْمُؤْمِنِ، وَوَصَلَهَا مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، عَنْ ثَابِتٍ كَذَلِكَ.
وَأَخْرَجَهَا الْبَزَّارُ وَقَالَ: لَا نَعْلَمُ رُوَاةً عَنْ ثَابِتٍ إِلَّا شُعْبَةَ، وَرِوَايَةُ عَبْدِ الْعَزِيزِ تَرُدُّ عَلَيْهِ، وَوَقَعَ فِي أَطْرَافِ الْمِزِّيِّ أَنَّ الْبُخَارِيَّ أَخْرَجَهُ فِي التَّعْبِيرِ مُعَلَّقًا فَقَالَ: رَوَاهُ شُعْبَةُ، عَنْ ثَابِتٍ، وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ فِي الْبُخَارِيِّ، وَأَمَّا رِوَايَةُ حُمَيْدٍ فَوَصَلَهَا أَحْمَدُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَدِيٍّ عَنْهُ، وَلَفْظُ الْمَتْنِ مِثْلُ رِوَايَةِ قَتَادَةَ، وَأَمَّا رِوَايَةُ إِسْحَاقَ وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ فَتَقَدَّمَتْ قَرِيبًا، وَأَمَّا رِوَايَةُ شُعَيْبٍ وَهُوَ ابْنُ الْحَبْحَابِ بِمُهْمَلَتَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ وَمُوَحَّدَتَيْنِ الْأُولَى سَاكِنَةٌ فَرُوِّينَاهَا مَوْصُولَةً فِي كِتَابِ الرُّوحِ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَنْدَهْ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْوَارِثِ بْنِ سَعِيدٍ، وَفِي الْجُزْءِ الرَّابِعِ مِنْ فَوَائِدِ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو الرَّزَّازِ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ كِلَاهُمَا عَنْ شُعَيْبٍ وَلَفْظُهُ مِثْلُ حُمَيْدٍ، وَأَشَارَ الدَّارَقُطْنِيُّ إِلَى أَنَّ الطَّرِيقَيْنِ صَحِيحَانِ.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْهُ وَلَفْظُهُ مِثْلُ قَتَادَةَ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَزَادَ فِي أَوَّلِهِ أَنَّ الَّتِي لِلتَّأْكِيدِ، وَأَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ أَبِي سَعِيدٍ آخِرَ أَحَادِيثِ الْبَابِ، وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي سَلَمَةَ وَمِنْ طَرِيقِ هَمَّامٍ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: رُؤْيَا الرَّجُلِ الصَّالِحِ بَدَلَ لَفْظِ الْمُؤْمِنِ
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي حَازِمٍ، وَالدَّرَاوَرْدِيِّ وَاسْمُ كُلٍّ مِنْهُمَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، وَاسْمُ أَبِي حَازِمٍ سَلَمَةُ بْنُ دِينَارٍ، وَاسْمُ وَالِدِ الدَّرَاوَرْدِيِّ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ وَيَزِيدُ، شَيْخُهُمَا هُوَ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْهَادِ وَالسَّنَدُ كُلُّهُ مَدَنِيُّونَ وَلَفْظُ الْمَتْنِ مِثْلُ التَّرْجَمَةِ كَمَا تَقَدَّمَ.
قَوْلُهُ: (مِنَ النُّبُوَّةِ) قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ كَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا بِلَفْظِ: مِنَ الرِّسَالَةِ بَدَلَ مِنَ النُّبُوَّةِ، قَالَ: وَكَأَنَّ السِّرَّ فِيهِ أَنَّ الرِّسَالَةَ تَزِيدُ عَلَى النُّبُوَّةِ بِتَبْلِيغِ الْأَحْكَامِ لِلْمُكَلَّفِينَ بِخِلَافِ النُّبُوَّةِ الْمُجَرَّدَةِ فَإِنَّهَا اطِّلَاعٌ عَلَى بَعْضِ الْمُغَيَّبَاتِ وَقَدْ يُقَرِّرُ بَعْضُ الْأَنْبِيَاءِ شَرِيعَةَ مَنْ قَبْلَهُ وَلَكِنْ لَا يَأْتِي بِحُكْمٍ جَدِيدٍ مُخَالِفٍ لِمَنْ قَبْلَهُ، فَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ تَرْجِيحُ الْقَوْلِ بِأَنَّ مَنْ رَأَى النَّبِيَّ ﷺ فِي الْمَنَامِ فَأَمَرَهُ بِحُكْمٍ يُخَالِفُ حُكْمَ