للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لِحُرْمَتِي وَمُشْتَاقٍ إِلَى مُشَاهَدَتِي وَصَلَ إِلَى رُؤْيَةِ مَحْبُوبِهِ وَظَفِرَ بِكُلِّ مَطْلُوبِهِ، قَالَ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودُ تِلْكَ الرُّؤْيَا مَعْنَى صُورَتِهِ وَهُوَ دِينُهُ وَشَرِيعَتُهُ، فَيُعَبِّرُ بِحَسَبِ مَا يَرَاهُ الرَّائِي مِنْ زِيَادَةٍ وَنُقْصَانٍ أَوْ إِسَاءَةٍ وَإِحْسَانٍ.

قُلْتُ: وَهَذَا جَوَابٌ سَابِعٌ وَالَّذِي قَبْلَهُ لَمْ يَظْهَرْ لِي فَإِنْ ظَهَرَ فَهُوَ ثَامِنٌ.

قَوْلُهُ: (وَلَا يَتَمَثَّلُ الشَّيْطَانُ بِي) فِي رِوَايَةِ أَنَسٍ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَهُ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ بِي وَمَضَى فِي كِتَابِ الْعِلْمِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلُهُ لَكِنْ قَالَ: لَا يَتَمَثَّلُ فِي صُورَتِي، وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَابْنِ مَاجَهْ إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلشَّيْطَانِ أَنْ يَتَمَثَّلَ بِي.

وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ، وَابْنِ مَاجَهْ: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَمَثَّلَ بِي، وَفِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ الَّذِي يَلِيهِ: وَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَرَاءَى بِالرَّاءِ بِوَزْنِ يَتَعَاطَى، وَمَعْنَاهُ: لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَصِيرَ مَرْئِيًّا بِصُورَتِي، وَفِي رِوَايَةِ غَيْرِ أَبِي ذَرٍّ يَتَزَايَا بِزَايٍ وَبَعْدَ الْأَلِفِ تَحْتَانِيَّةٌ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ فِي آخِرِ الْبَابِ: فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَكَوَّنُنِي.

أَمَّا قَوْلُهُ: لَا يَتَمَثَّلُ بِي فَمَعْنَاهُ لَا يَتَشَبَّهُ بِي، وَأَمَّا قَوْلُهُ: فِي صُورَتِي فَمَعْنَاهُ لَا يَصِيرُ كَائِنًا فِي مِثْلِ صُورَتِي، وَأَمَّا قَوْلُهُ: لَا يَتَرَاءَى بِي فَرَجَّحَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ رِوَايَةَ الزَّايِ عَلَيْهَا أَيْ لَا يَظْهَرُ فِي زِيِّي، وَلَيْسَتِ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى بِبَعِيدَةٍ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى، وَأَمَّا قَوْلُهُ: لَا يَتَكَوَّنُنِي أَيْ لَا يَتَكَوَّنُ كَوْنِي فَحَذَفَ الْمُضَافَ وَوَصَلَ الْمُضَافَ إِلَيْهِ بِالْفِعْلِ، وَالْمَعْنَى لَا يَتَكَوَّنُ فِي صُورَتِي، فَالْجَمِيعُ رَاجِعٌ إِلَى مَعْنًى وَاحِدٍ.

وَقَوْلُهُ: لَا يَسْتَطِيعُ يُشِيرُ إِلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَإِنْ أَمْكَنَهُ مِنَ التَّصَوُّرِ فِي أَيِ صُورَةٍ أَرَادَ فَإِنَّهُ لَمْ يُمَكِّنْهُ مِنَ التَّصَوُّرِ فِي صُورَةِ النَّبِيِّ ، وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا جَمَاعَةٌ فَقَالُوا فِي الْحَدِيثِ: إِنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ إِذَا رَآهُ الرَّائِي عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ ضَيَّقَ الْغَرَضَ فِي ذَلِكَ حَتَّى قَالَ: لَا بُدَّ أَنْ يَرَاهُ عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي قُبِضَ عَلَيْهَا حَتَّى يُعْتَبَرَ عَدَدُ الشَّعَرَاتِ الْبِيضِ الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ عِشْرِينَ شَعْرَةً.

وَالصَّوَابُ التَّعْمِيمُ فِي جَمِيعِ حَالَاتِهِ بِشَرْطِ أَنْ تَكُوَنَ صُورَتَهُ الْحَقِيقِيَّةَ فِي وَقْتٍ مَا سَوَاءٌ كَانَ فِي شَبَابِهِ أَوْ رُجُولِيَّتِهِ أَوْ كُهُولِيَّتِهِ أَوْ آخِرِ عُمْرِهِ، وَقَدْ يَكُونُ لَمَّا خَالَفَ ذَلِكَ تَعْبِيرٌ يَتَعَلَّقُ بِالرَّائِي، قَالَ الْمَازِرِيُّ: اخْتَلَفَ الْمُحَقِّقُونَ فِي تَأْوِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ؛ فَذَهَبَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الطَّيِّبِ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي أَنَّ رُؤْيَاهُ صَحِيحَةٌ لَا تَكُونُ أَضْغَاثًا وَلَا مِنْ تَشْبِيهَاتِ الشَّيْطَانِ، قَالَ: وَيُعَضِّدُهُ قَوْلُهُ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ: فَقَدْ رَأَى الْحَقَّ قَالَ: وَفِي قَوْلِهِ: فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ بِي إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ رُؤْيَاهُ لَا تَكُونُ أَضْغَاثًا.

ثُمَّ قَالَ الْمَازِرِيُّ: وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى ظَاهِرِهِ وَالْمُرَادُ أَنَّ مَنْ رَآهُ فَقَدْ أَدْرَكَهُ وَلَا مَانِعَ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا عَقْلَ يُحِيلُهُ حَتَّى يَحْتَاجَ إِلَى صَرْفِ الْكَلَامِ عَنْ ظَاهِرِهِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ قَدْ يُرَى عَلَى غَيْرِ صِفَتِهِ أَوْ يُرَى فِي مَكَانَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ مَعًا فَإِنَّ ذَلِكَ غَلَطٌ فِي صِفَتِهِ وَتَخَيُّلٌ لَهَا عَلَى غَيْرِ مَا هِيَ عَلَيْهِ، وَقَدْ يُظَنُّ بَعْضُ الْخَيَالَاتِ مَرْئِيَّاتٍ لِكَوْنِ مَا يُتَخَيَّلُ مُرْتَبِطًا بِمَا يُرَى فِي الْعَادَةِ فَتَكُونُ ذَاتُهُ مَرْئِيَّةً وَصِفَاتُهُ مُتَخَيَّلَةً غَيْرَ مَرْئِيَّةٍ، وَالْإِدْرَاكُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ تَحْدِيقُ الْبَصَرِ وَلَا قُرْبُ الْمَسَافَةِ وَلَا كَوْنُ الْمَرْئِيِّ ظَاهِرًا عَلَى الْأَرْضِ أَوْ مَدْفُونًا، وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مَوْجُودًا، وَلَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى فَنَاءِ جِسْمِهِ ، بَلْ جَاءَ فِي الْخَبَرِ الصَّحِيحِ مَا يَدُلُّ عَلَى بَقَائِهِ وَتَكُونُ ثَمَرَةُ اخْتِلَافِ الصِّفَاتِ اخْتِلَافَ الدَّلَالَاتِ كَمَا قَالَ بَعْضُ عُلَمَاءِ التَّعْبِيرِ: إِنَّ مَنْ رَآهُ شَيْخًا فَهُوَ عَامُ سِلْمٍ أَوْ شَابًّا فَهُوَ عَامُ حَرْبٍ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ مَا يَتَعَلَّقُ بِأَقْوَالِهِ كَمَا لَوْ رَآهُ أَحَدٌ يَأْمُرُهُ بِقَتْلِ مَنْ لَا يَحِلُّ قَتْلُهُ فَإِنَّ ذَلِكَ يُحْمَلُ عَلَى الصِّفَةِ الْمُتَخَيَّلَةِ لَا الْمَرْئِيَّةِ.

وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الْحَدِيثِ إِذَا رَآهُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا فِي حَيَاتِهِ لَا عَلَى صِفَةٍ مُضَادَّةٍ لِحَالِهِ، فَإِنْ رُئِيَ عَلَى غَيْرِهَا كَانَتْ رُؤْيَا تَأْوِيلٍ لَا رُؤْيَا حَقِيقَةٍ، فَإِنَّ مِنَ الرُّؤْيَا مَا يُخَرَّجُ عَلَى وَجْهِهِ وَمِنْهَا مَا يَحْتَاجُ إِلَى تَأْوِيلٍ.

وَقَالَ النَّوَوِيُّ: هَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي ضَعِيفٌ، بَلِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَرَاهُ حَقِيقَةً سَوَاءٌ كَانَتْ