الْمُهْمَلَةِ فِي آخِرِهِ لُغَاتٌ تَبْلُغُ عَلَى هَذَا اثْنَتَيْ عَشْرَةَ؛ اقْتَصَرَ النَّوَوِيُّ مِنْهَا عَلَى سِتٍّ الْأُولَى وَالْأَخِيرَةِ وَبِتَاءٍ بَدَلَ الطَّاءِ الْأُولَى وَبِضَمِّ الْفَاءِ وَبِكَسْرِهَا، وَقَالَ الْجَوَالِيقِيُّ: إِنَّهُ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ.
قَوْلُهُ: (تَحْتَ وِسَادَتِهِ) عِنْدَ النَّسَفِيِّ عِنْدَ بَدَلَ تَحْتَ كَذَا لِلْجَمِيعِ لَيْسَ فِيهِ حَدِيثٌ، وَبَعْدَهُ عِنْدَهُمْ بَابُ الْإِسْتَبْرَقِ وَدُخُولِ الْجَنَّةِ فِي الْمَنَامِ إِلَّا أَنَّهُ سَقَطَ لَفْظُ: بَابٍ عِنْدَ النَّسَفِيِّ، وَالْإِسْمَاعِيلِيِّ، وَفِيهِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ فِي يَدِي سَرَقَةً مِنْ حَرِيرٍ.
وَأَمَّا ابْنُ بَطَّالٍ فَجَمَعَ التَّرْجَمَتَيْنِ فِي بَابٍ وَاحِدٍ فَقَالَ: بَابُ عَمُودِ الْفُسْطَاطِ تَحْتَ وِسَادَتِهِ وَدُخُولُ الْجَنَّةِ فِي الْمَنَامِ فِيهِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ إِلَخْ، وَلَعَلَّ مُسْتَنَدَهُ مَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْجُرْجَانِيِّ بَابُ الْإِسْتَبْرَقِ وَدُخُولِ الْجَنَّةِ فِي الْمَنَامِ وَعَمُودِ الْفُسْطَاطِ تَحْتَ وِسَادَتِهِ فَجَعَلَ التَّرْجَمَتَيْنِ فِي بَابٍ وَاحِدٍ وَقَدَّمَ وَأَخَّرَ.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: قَالَ الْمُهَلَّبُ: السَّرَقَةُ الْكَلَّةُ وَهِيَ كَالْهَوْدَجِ عِنْدَ الْعَرَبِ، وَكَوْنُ عَمُودِهَا فِي يَدِ ابْنِ عُمَرَ دَلِيلٌ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَطُنُبُهَا الدِّينُ وَالْعِلْمُ وَالشَّرْعُ الَّذِي بِهِ يُرْزَقُ التَّمَكُّنَ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَ، وَقَدْ يُعْبَرُ هُنَا بِالْحَرِيرِ عَنْ شَرَفِ الدِّينِ وَالْعِلْمِ لِأَنَّ الْحَرِيرَ أَشْرَفُ مُلَابِسِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ الْعِلْمُ بِالدِّينِ أَشْرَفُ الْعُلُومِ، وَأَمَّا دُخُولُ الْجَنَّةِ فِي الْمَنَامِ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى دُخُولِهَا فِي الْيَقَظَةِ لِأَنَّ فِي بَعْضِ وُجُوهِ الرُّؤْيَا وَجْهًا يَكُونُ فِي الْيَقَظَةِ كَمَا يَرَاهُ نَصًّا، وَيُعْبَرُ دُخُولُ الْجَنَّةِ أَيْضًا بِالدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ الَّذِي هُوَ سَبَبٌ لِدُخُولِ الْجَنَّةِ وَطَيَرَانُ السَّرَقَةِ قُوَّةٌ تَدُلُّ عَلَى التَّمَكُّنِ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَ.
قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: وَسَأَلْتُ الْمُهَلَّبَ عَنْ تَرْجَمَةِ عَمُودِ الْفُسْطَاطِ تَحْتَ وِسَادَتِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْحَدِيثِ عَمُودَ فُسْطَاطٍ وَلَا وِسَادَةً فَقَالَ: الَّذِي يَقَعُ فِي نَفْسِي أَنَّهُ رَأَى فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ السَّرَقَةَ شَيْئًا أَكْمَلَ مِمَّا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِهِ، وَفِيهِ أَنَّ السَّرَقَةَ مَضْرُوبَةٌ فِي الْأَرْضِ عَلَى عَمُودٍ كَالْخِبَاءِ وَأَنَّ ابْنَ عُمَرَ اقْتَلَعَهَا مِنْ عَمُودِهَا فَوَضَعَهَا تَحْتَ وِسَادَتِهِ وَقَامَ هُوَ بِالسَّرَقَةِ فَأَمْسَكَهَا وَهِيَ كَالْهَوْدَجِ مِنْ إِسْتَبْرَقٍ فَلَا يُرِيدُ مَوْضِعًا مِنَ الْجَنَّةِ إِلَّا طَارَتْ بِهِ إِلَيْهِ، وَلَمْ يَرْضَ بِسَنَدِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ فَلَمْ يُدْخِلْهُ فِي كِتَابِهِ، وَقَدْ فَعَلَ مِثْلَ هَذَا فِي كِتَابِهِ كَثِيرًا كَمَا يُتَرْجِمُ بِالشَّيْءِ وَلَا يَذْكُرُهُ وَيُشِيرُ إِلَى أَنَّهُ رُوِيَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ لِلِينٍ فِي سَنَدِهِ، وَأَعْجَلَتْهُ الْمَنِيَّةُ عَنْ تَهْذِيبِ كِتَابِهِ انْتَهَى.
وَقَدْ نَقَلَ كَلَامَ الْمُهَلَّبِ جَمَاعَةٌ مِنَ الشُّرَّاحِ سَاكِتِينَ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ مَآخِذُ أَصْلُهَا إِدْخَالُ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي هَذَا الْبَابِ وَلَيْسَ مِنْهُ بَلْ لَهُ بَابٌ مُسْتَقِلٌّ، وَأَشَدُّهَا تَفْسِيرُهُ السَّرَقَةَ بِالْكَلَّةِ فَإِنِّي لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: السَّرَقَةُ قِطْعَةٌ مِنْ حَرِيرٍ وَكَأَنَّهَا فَارِسِيَّةٌ، وَقَالَ الْفَارَابِيُّ: شُقَّةٌ مِنْ حَرِيرٍ، وَفِي النِّهَايَةِ: قِطْعَةٌ مِنْ جَيِّدِ الْحَرِيرِ، زَادَ بَعْضُهُمْ: بَيْضَاءَ، وَيَكْفِي فِي رَدِّ تَفْسِيرِهَا بِالْكَلَّةِ أَوِ الْهَوْدَجِ قَوْلُهُ فِي نَفْسِ الْخَبَرِ: رَأَيْتُ كَأَنَّ بِيَدِي قِطْعَةَ إِسْتَبْرَقٍ وَتَخَيَّلَهُ أَنَّ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الزِّيَادَةَ الْمَذْكُورَةَ لَا أَصْلَ لَهُ فَجَمِيعُ مَا رَتَّبَهُ عَلَيْهِ كَذَلِكَ.
وَقَلَّدَهُ ابْنُ الْمُنِيرِ فَذَكَرَ التَّرْجَمَةَ كَمَا تَرْجَمَ وَزَادَ عَلَيْهِ أَنْ قَالَ: رَوَى غَيْرُ الْبُخَارِيِّ هَذَا الْحَدِيثَ - أَيْ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ - بِزِيَادَةِ عَمُودِ الْفُسْطَاطِ وَوَضَعَ ابْنُ عُمَرَ لَهُ تَحْتَ وِسَادَتِهِ وَلَكِنْ لَمْ تُوَافِقِ الزِّيَادَةُ شَرْطَهُ فَأَدْرَجَهَا فِي التَّرْجَمَةِ نَفْسِهَا، وَفَسَادُ مَا قَالَ يَظْهَرُ مِمَّا تَقَدَّمَ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْبُخَارِيَّ أَشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ إِلَى حَدِيثٍ جَاءَ مِنْ طَرِيقِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ رَأَى فِي مَنَامِهِ عَمُودَ الْكِتَابِ انْتُزِعَ مِنْ تَحْتِ رَأْسِهِ الْحَدِيثَ.
وَأَشْهَرُ طُرُقِهِ مَا أَخْرَجَهُ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، وَالطَّبَرَانِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ عَمُودَ الْكِتَابِ احْتُمِلَ مِنْ تَحْتِ رَأْسِي فَأَتْبَعْتُهُ بَصَرِي فَإِذَا هُوَ قَدْ عُهِدَ بِهِ إِلَى الشَّامِ، أَلَا وَإِنَّ الْإِيمَانَ حِينَ تَقَعُ الْفِتَنُ بِالشَّامِ، وَفِي رِوَايَةٍ: فَإِذَا وَقَعَتِ الْفِتَنُ فَالْأَمْنُ بِالشَّامِ، وَلَهُ طَرِيقٌ عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ إِلَّا أَنَّ فِيهِ انْقِطَاعًا بَيْنَ أَبِي قِلَابَةَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَلَفْظُهُ عِنْدَهُ: أَخَذُوا عَمُودَ الْكِتَابِ فَعَمَدُوا بِهِ إِلَى الشَّامِ.
وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ، وَيَعْقُوبُ بْنُ