للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَهِيَ رِوَايَةُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ بْنِ نَصْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ.

قَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْمُرَادُ بِخَزَائِنِ الْأَرْضِ مَا فُتِحَ عَلَى الْأُمَّةِ مِنَ الْغَنَائِمِ مِنْ ذَخَائِرِ كِسْرَى وَقَيْصَرَ وَغَيْرِهِمَا، وَيَحْتَمِلُ مَعَادِنَ الْأَرْضِ الَّتِي فِيهَا الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ، قَالَ غَيْرُهُ: بَلْ يُحْمَلُ عَلَى أَعَمَّ مِنْ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (فَوَضَعَ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَثَانِيهِ، وَفِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ نَصْرٍ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ ثَانِيهِ.

قَوْلُهُ: (فِي يَدَيَّ) فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ نَصْرٍ فِي كَفِّي.

قَوْلُهُ: (سِوَارَيْنِ) فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ نَصْرٍ سِوَارَانِ وَلَا إِشْكَالَ فِيهَا وَشَرَحَ ابْنُ التِّينِ هُنَا عَلَى لَفْظِ: وُضِعَ بِالضَّمِّ وَسِوَارَيْنِ بِالنَّصْبِ وَتَكَلَّفَ لِتَخْرِيجِ ذَلِكَ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: رَأَيْتُ فِي يَدَيَّ سِوَارَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ وَأَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ رِوَايَةِ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلَهُ وَزَادَ فِي الْمَنَامِ وَالسِّوَارُ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَيَجُوزُ ضَمُّهَا وَفِيهِ لُغَةٌ ثَالِثَةٌ: أُسْوَارٌ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ أَوَّلَهُ.

قَوْلُهُ: (فَكَبُرَ عَلِيَّ) فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ نَصْرٍ فَكَبُرَا بِالتَّثْنِيَةِ وَالْبَاءُ الْمُوَحَّدَةُ مَضْمُومَةٌ بِمَعْنَى الْعِظَمِ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَإِنَّمَا عَظُمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ لِكَوْنِ الذَّهَبِ مِنْ حِلْيَةِ النِّسَاءِ وَمِمَّا حَرُمَ عَلَى الرِّجَالِ.

قَوْلُهُ: (فَأُوحِيَ إِلَيَّ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ، وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ فِي حَدِيثِ إِسْحَاقَ بْنِ نَصْرٍ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيَّ وَهَذَا الْوَحْيُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ وَحْيِ الْإِلْهَامِ أَوْ عَلَى لِسَانِ الْمَلَكِ؛ قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ.

قَوْلُهُ: (فَنَفَخْتُهُمَا) زَادَ إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ فَذَهَبَا، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَاضِيَةِ قَرِيبًا فَطَارَا، وَكَذَا فِي رِوَايَةِ الْمَقْبُرِيِّ وَزَادَ فَوَقَعَ وَاحِدٌ بِالْيَمَامَةِ وَالْآخَرُ بِالْيَمَنِ وَفِي ذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى حَقَارَةِ أَمْرِهِمَا لِأَنَّ شَأْنَ الَّذِي يُنْفَخُ فَيَذْهَبُ بِالنَّفْخِ أَنْ يَكُونَ فِي غَايَةِ الْحَقَارَةِ، وَرَدَّهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ بِأَنَّ أَمْرَهُمَا كَانَ فِي غَايَةِ الشِّدَّةِ وَلَمْ يَنْزِلْ بِالْمُسْلِمِينَ قَبْلَهُ مِثْلُهُ.

قُلْتُ: وَهُوَ كَذَلِكَ، لَكِنَّ الْإِشَارَةَ إِنَّمَا هِيَ لِلْحَقَارَةِ الْمَعْنَوِيَّةِ لَا الْحِسِّيَّةِ، وَفِي طَيَرَانِهِمَا إِشَارَةٌ إِلَى اضْمِحْلَالِ أَمْرِهِمَا كَمَا تَقَدَّمَ.

قَوْلُهُ: (فَأَوَّلْتُهُمَا الْكَذَّابَيْنِ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: لَمَّا كَانَ رُؤْيَا السِّوَارَيْنِ فِي الْيَدَيْنِ جَمِيعًا مِنَ الْجِهَتَيْنِ وَكَانَ النَّبِيُّ حِينَئِذٍ بَيْنَهُمَا فَتَأَوَّلَ السِّوَارَيْنِ عَلَيْهِمَا لَوَضَعَهُمَا فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِمَا لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ حِلْيَةِ الرِّجَالِ، وَكَذَلِكَ الْكَذَّابُ يَضَعُ الْخَبَرَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، وَفِي كَوْنِهِمَا مِنْ ذَهَبٍ إِشْعَارٌ بِذَهَابِ أَمْرِهِمَا.

وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: السِّوَارُ مِنْ حُلِيِّ الْمُلُوكِ الْكُفَّارِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ﴾ وَالْيَدُ لَهَا مَعَانٍ مِنْهَا الْقُوَّةُ وَالسُّلْطَانُ وَالْقَهْرُ، قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ضَرَبَ الْمَثَلَ بِالسِّوَارِ كِنَايَةً عَنِ الْأَسْوَارِ وَهُوَ مِنْ أَسَامِي مُلُوكِ الْفُرْسِ، قَالَ: وَكَثِيرًا مَا يُضْرَبُ الْمَثَلُ بِحَذْفِ بَعْضِ الْحُرُوفِ.

قُلْتُ: وَقَدْ ثَبَتَ بِزِيَادَةِ الْأَلِفِ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ كَمَا بَيَّنْتُهُ.

وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ مَا مُلَخَّصُهُ: مُنَاسَبَةُ هَذَا التَّأْوِيلِ لِهَذِهِ الرُّؤْيَا أَنَّ أَهْلَ صَنْعَاءَ وَأَهْلَ الْيَمَامَةِ كَانُوا أَسْلَمُوا فَكَانُوا كَالسَّاعِدَيْنِ لِلْإِسْلَامِ فَلَمَّا ظَهَرَ فِيهِمَا الْكَذَّابَانِ وَبَهْرَجَا عَلَى أَهْلِهِمَا بِزُخْرُفِ أَقْوَالِهِمَا وَدَعْوَاهُمَا الْبَاطِلَةِ انْخَدَعَ أَكْثَرُهُمْ بِذَلِكَ فَكَانَ الْيَدَانِ بِمَنْزِلَةِ الْبَلَدَيْنِ وَالسِّوَارَانِ بِمَنْزِلَةِ الْكَذَّابَيْنِ، وَكَوْنُهُمَا مِنْ ذَهَبٍ إِشَارَةٌ إِلَى مَا زُخْرُفَاهُ وَالزُّخْرُفُ مِنْ أَسْمَاءِ الذَّهَبِ.

قَوْلُهُ: (اللَّذَيْنِ أَنَا بَيْنَهُمَا) ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُمَا كَانَا حِينَ قَصَّ الرُّؤْيَا مَوْجُودَيْنِ، وَهُوَ كَذَلِكَ، لَكِنْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَخْرُجَانِ بَعْدِي وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُرَادَ بِخُرُوجِهِمَا بَعْدَهُ ظُهُورُ شَوْكَتِهِمَا وَمُحَارَبَتُهُمَا وَدَعْوَاهُمَا النُّبُوَّةَ؛ نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ عَنِ الْعُلَمَاءِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ ظَهَرَ لِلْأَسْوَدِ بِصَنْعَاءَ فِي حَيَاتِهِ فَادَّعَى النُّبُوَّةَ وَعَظُمَتْ شَوْكَتُهُ وَحَارَبَ الْمُسْلِمِينَ وَفَتَكَ فِيهِمْ وَغَلَبَ عَلَى الْبَلَدِ وَآلَ أَمْرُهُ إِلَى أَنْ قُتِلَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ كَمَا قَدَّمْتُ ذَلِكَ وَاضِحًا فِي أَوَاخِرِ الْمَغَازِي، وَأَمَّا مُسَيْلِمَةُ فَكَانَ ادَّعَى النُّبُوَّةَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ ، لَكِنْ لَمْ تَعْظُمْ شَوْكَتُهُ وَلَمْ تَقَعْ مُحَارَبَتُهُ إِلَّا فِي عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ، فَإِمَّا أَنْ يُحْمَلَ ذَلِكَ عَلَى التَّغْلِيبِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: بَعْدِي أَيْ بَعْدَ نُبُوَّتِي.

قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: