مَنْ يَكُونُ رَاضِيًا، وَأَمَّا مَنْ جَهِلَ ذَلِكَ فَيَمْتَنِعُ حَسْمًا لِلْمَادَّةِ. وَأَمَّا الْوَعِيدُ عَلَى ذَلِكَ بِصَبِّ الْآنُكِ فِي أُذُنِهِ فَمِنَ الْجَزَاءِ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ. وَالْآنُكُ بِالْمَدِّ وَضَمِّ النُّونِ بَعْدَهَا كَافٌ الرَّصَاصُ الْمُذَابُ، وَقِيلَ هُوَ الْخَالِصُ الرَّصَاصِ.
وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ: هُوَ الْقَصْدِيرُ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ: إِنَّمَا سَمَّاهُ حُلْمًا وَلَمْ يُسَمِّهِ رُؤْيَا لِأَنَّهُ ادَّعَى أَنَّهُ رَأَى وَلَمْ يَرَ شَيْئًا فَكَانَ كَاذِبًا وَالْكَذِبُ إِنَّمَا هُوَ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَقَدْ قَالَ: إِنَّ الْحُلْمَ مِنَ الشَّيْطَانِ كَمَا مَضَى فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ، وَمَا كَانَ مِنَ الشَّيْطَانِ فَهُوَ غَيْرُ حَقٍّ فَصَدَّقَ بَعْضُ الْحَدِيثِ بَعْضًا.
قَالَ: وَمَعْنَى الْعَقْدِ بَيْنَ الشَّعِيرَتَيْنِ أَنْ يَفْتِلَ إِحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى، وَهُوَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ عَادَةً، قَالَ: وَمُنَاسَبَةُ الْوَعِيدِ الْمَذْكُورِ لِلْكَاذِبِ فِي مَنَامِهِ وللْمُصَوِّرِ أَنَّ الرُّؤْيَا خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ وَهِيَ صُورَةٌ مَعْنَوِيَّةٌ فَأَدْخَلَ بِكَذِبِهِ صُورَةً لَمْ تَقَعْ كَمَا أَدْخَلَ الْمُصَوِّرُ فِي الْوُجُودِ صُورَةً لَيْسَتْ بِحَقِيقِيَّةٍ، لِأَنَّ الصُّورَةَ الْحَقِيقِيَّةَ هِيَ الَّتِي فِيهَا الرُّوحُ، فَكُلِّفَ صَاحِبُ الصُّورَةِ اللَّطِيفَةِ أَمْرًا لَطِيفًا وَهُوَ الِاتِّصَالُ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْعَقْدِ بَيْنَ الشَّعِيرَتَيْنِ وَكُلِّفَ صَاحِبُ الصُّورَةِ الْكَثِيفَةِ أَمْرًا شَدِيدًا وَهُوَ أَنْ يَتِمَّ مَا خَلَقَهُ بِزَعْمِهِ بِنَفْخِ الرُّوحِ، وَوَقَعَ وَعِيدُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِأَنَّهُ يُعَذَّبُ حَتَّى يَفْعَلَ مَا كُلِّفَ بِهِ وَهُوَ لَيْسَ بِفَاعِلٍ، فَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ تَعْذِيبِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الدَّوَامِ.
قَالَ: وَالْحِكْمَةُ فِي هَذَا الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ أَنَّ الْأَوَّلَ كَذِبٌ عَلَى جِنْسِ النُّبُوَّةِ، وَأَنَّ الثَّانِيَ نَازَعَ الْخَالِقَ فِي قُدْرَتِهِ، وَقَالَ فِي مُسْتَمِعِ حَدِيثِ مَنْ يَكْرَهُ اسْتِمَاعَهُ: يَدْخُلُ فِيهِ مَنْ دَخَلَ مَنْزِلَهُ وَأَغْلَقَ بَابَهُ وَتَحَدَّثَ مَعَ غَيْرِهِ فَإِنَّ قَرِينَةَ حَالِهِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُرِيدُ لِلْأَجْنَبِيِّ أَنْ يَسْتَمِعَ حَدِيثَهُ فَمَنْ يَسْتَمِعْ إِلَيْهِ يَدْخُلْ فِي هَذَا الْوَعِيدِ، وَهُوَ كَمَنْ يَنْظُرُ إِلَيْهِ مِنْ خَلَلِ الْبَابِ فَقَدْ وَرَدَ الْوَعِيدُ فِيهِ وَلِأَنَّهُمْ لَوْ فَقَئُوا عَيْنَهُ لَكَانَتْ هَدَرًا قَالَ: وَيُسْتَثْنَى مِنْ عُمُومِ مَنْ يَكْرَهُ اسْتِمَاعَ حَدِيثِهِ مَنْ تَحَدَّثَ مَعَ غَيْرِهِ جَهْرًا وَهُنَاكَ مَنْ يَكْرَهُ أَنْ يَسْمَعَهُ فَلَا يَدْخُلُ الْمُسْتَمِعُ فِي هَذَا الْوَعِيدِ؛ لِأَنَّ قَرِينَةَ الْحَالِ وَهِيَ الْجَهْرُ تَقْتَضِي عَدَمَ الْكَرَاهَةِ فَيَسُوغُ الِاسْتِمَاعُ.
قَالَ: وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ مَنْ خَرَجَ عَنْ وَصْفِ الْعُبُودِيَّةِ اسْتَحَقَّ الْعُقُوبَةَ بِقَدْرِ خُرُوجِهِ، وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ الْجَاهِلَ فِي ذَلِكَ لَا يُعْذَرُ بِجَهْلِهِ وَكَذَا مَنْ تَأَوَّلَ فِيهِ تَأْوِيلًا بَاطِلًا؛ إِذْ لَمْ يُفَرِّقْ فِي الْخَبَرِ بَيْنَ مَنْ يَعْلَمُ تَحْرِيمَ ذَلِكَ وَبَيْنَ مَنْ لَا يَعْلَمُهُ كَذَا قَالَ.
وَمِنَ اللَّطَائِفِ مَا قَالَ غَيْرُهُ: إِنَّ اخْتِصَاصَ الشَّعِيرِ، بِذَلِكَ لِمَا فِي الْمَنَامِ مِنَ الشُّعُورِ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ فَحَصَلَتِ الْمُنَاسَبَةُ بَيْنَهُمَا مِنْ جِهَةِ الِاشْتِقَاقِ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ قُتَيْبَةُ إِلَخْ) وَقَعَ لَنَا فِي نُسْخَةِ قُتَيْبَةَ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ رِوَايَةُ النَّسَائِيِّ عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَكَرِيَّا بْنِ حَيَّوَيْهِ، عَنِ النَّسَائِيِّ وَلَفْظُهُ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: مَنْ كَذَبَ فِي رُؤْيَاهُ كُلِّفَ أَنْ يَعْقِدَ بَيْنَ طَرَفَيْ شَعِيرَةٍ، وَمَنِ اسْتَمَعَ الْحَدِيثَ، وَمَنْ صَوَّرَ الْحَدِيثَ.
وَوَصَلَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ طَرِيقِ خَلَفِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ بِهَذَا السَّنَدِ كَذَلِكَ مَوْقُوفًا. وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ هَمَّامٍ، عَنْ قَتَادَةَ الْحَدِيثَ بِتَمَامِهِ مَرْفُوعًا وَلَكِنِ اقْتَصَرَ مِنْهُ النَّسَائِيُّ عَلَى قَوْلِهِ: مَنْ صَوَّرَ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ شُعَبَةُ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ الرُّمَّانِيِّ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ اسْمُهُ يَحْيَى بْنُ دِينَارٍ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي، وَالسَّرَخْسِيِّ عَنْ أَبِي هِشَامٍ وَهُوَ غَلَطٌ.
قَوْلُهُ: (قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ قَوْلُهُ مَنْ صَوَّرَ صُورَةً، وَمَنْ تَحَلَّمَ، وَمَنِ اسْتَمَعَ) كَذَا فِي الْأَصْلِ مُخْتَصَرًا اقْتَصَرَ عَلَى أَطْرَافِ الْأَحَادِيثِ الثَّلَاثَةِ، وَقَدْ وَقَعَ لَنَا مَوْصُولًا فِي مُسْتَخْرَجِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ