قَوْلُهُ: (بَابُ مَنْ لَمْ يَرَ الرُّؤْيَا لِأَوَّلِ عَابِرٍ إِذَا لَمْ يُصِبْ) كَأَنَّهُ يُشِيرُ إِلَى حَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَذَكَرَ حَدِيثًا فِيهِ وَالرُّؤْيَا لِأَوَّلِ عَابِرٍ وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ فِيهِ يَزِيدُ الرَّقَاشِيُّ، وَلَكِنْ لَهُ شَاهِدٌ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ بِسَنَدٍ حَسَنٍ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ الْعَقِيلِيِّ رَفَعَهُ: الرُّؤْيَا عَلَى رَجُلٍ طَائِرٍ مَا لَمْ تُعْبَرْ فَإِذَا عُبِرَتْ وَقَعَتْ لَفْظُ أَبِي دَاوُدَ، وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ سَقَطَتْ وَفِي مُرْسَلِ أَبِي قِلَابَةَ عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ الرُّؤْيَا تَقَعُ عَلَى مَا يُعْبَرُ، مَثَلُ ذَلِكَ مَثَلُ رَجُلٍ رَفَعَ فَهُوَ يَنْتَظِرُ مَتَى يَضَعُهَا، وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ مَوْصُولًا بِذِكْرِ أَنَسٍ، وَعِنْدَ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ عَطَاءٍ: كَانَ يُقَالُ الرُّؤْيَا عَلَى مَا أُوِّلَتْ.
وَعِنْدَ الدَّارِمِيِّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَتِ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَهَا زَوْجٌ تَاجِرٌ يَخْتَلِفُ - يَعْنِي فِي التِّجَارَةِ - فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقَالَتْ: إِنَّ زَوْجِي غَائِبٌ وَتَرَكَنِي حَامِلًا، فَرَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ أَنَّ سَارِيَةَ بَيْتِي انْكَسَرَتْ وَأَنِّي وَلَدْتُ غُلَامًا أَعْوَرَ، فَقَالَ: خَيْرٌ، يَرْجِعُ زَوْجُكِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَالِحًا وَتَلِدِينَ غُلَامًا بَرًّا فَذَكَرَتْ ذَلِكَ ثَلَاثًا، فَجَاءَتْ وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ غَائِبٌ، فَسَأَلْتُهَا فَأَخْبَرَتْنِي بِالْمَنَامِ، فَقُلْتُ: لَئِنْ صَدَقَتْ رُؤْيَاكِ لَيَمُوتَنَّ زَوْجُكِ وَتَلِدِينَ غُلَامًا فَاجِرًا، فَقَعَدَتْ تَبْكِي، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: مَهْ يَا عَائِشَةُ. إِذَا عَبَرْتُمْ لِلْمُسْلِمِ الرُّؤْيَا فَاعْبُرُوهَا عَلَى خَيْرٍ، فَإِنَّ الرُّؤْيَا تَكُونُ عَلَى مَا يَعْبُرُهَا صَاحِبُهَا.
وَعِنْدَ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ مِنْ مُرْسَلِ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَتْ: إِنِّي رَأَيْتُ كَأَنَّ جَائِزَ بَيْتِي انْكَسَرَ - وَكَانَ زَوْجُهَا غَائِبًا - فَقَالَ: رَدَّ اللَّهُ عَلَيْكِ زَوْجَكِ، فَرَجَعَ سَالِمًا الْحَدِيثَ، وَلَكِنْ فِيهِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَوْ عُمَرَ هُوَ الَّذِي عَبَرَ لَهَا الرُّؤْيَا الْأَخِيرَةَ، وَلَيْسَ فِيهِ الْخَبَرُ الْأَخِيرُ الْمَرْفُوعُ، فَأَشَارَ الْبُخَارِيُّ إِلَى تَخْصِيصِ ذَلِكَ بِمَا إِذَا كَانَ الْعَابِرُ مُصِيبًا فِي تَعْبِيرِهِ، وَأَخَذَهُ مِنْ قَوْلِهِ ﷺ لِأَبِي بَكْرٍ فِي حَدِيثِ الْبَابِ: أَصَبْتَ بَعْضًا وَأَخْطَأْتَ بَعْضًا، فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الَّذِي أَخْطَأَ فِيهِ لَوْ بَيَّنَهُ لَهُ لَكَانَ الَّذِي بَيَّنَهُ لَهُ هُوَ التَّعْبِيرَ الصَّحِيحَ وَلَا عِبْرَةَ بِالتَّعْبِيرِ الْأَوَّلِ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُ: مَعْنَى قَوْلِهِ: الرُّؤْيَا لِأَوَّلِ عَابِرٍ إِذَا كَانَ الْعَابِرُ الْأَوَّلُ عَالِمًا فَعَبَرَ فَأَصَابَ وَجْهَ التَّعْبِيرِ، وَإِلَّا فَهِيَ لِمَنْ أَصَابَ بَعْدَهُ؛ إِذْ لَيْسَ الْمَدَارُ إِلَّا عَلَى إِصَابَةِ الصَّوَابِ فِي تَعْبِيرِ الْمَنَامِ، لِيُتَوَصَّلَ بِذَلِكَ إِلَى مُرَادِ اللَّهِ فِيمَا ضَرَبَهُ مِنَ الْمَثَلِ، فَإِذَا أَصَابَ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْأَلَ غَيْرَهُ، وَإِنْ لَمْ يُصِبْ فَلْيَسْأَلِ الثَّانِيَ، وَعَلَيْهِ أَنْ يُخْبِرَ بِمَا عِنْدَهُ وَيُبَيِّنَ مَا جَهِلَ الْأَوَّلُ.
قُلْتُ: وَهَذَا التَّأْوِيلُ لَا يُسَاعِدُهُ حَدِيثُ أَبِي رَزِينٍ: إِنَّ الرُّؤْيَا إِذَا عُبِرَتْ وَقَعَتْ إِلَّا أَنْ يَدَّعِيَ تَخْصِيصَ عُبِرَتْ بِأَنَّ عَابِرَهَا يَكُونُ عَالِمًا مُصِيبًا، فَيُعَكِّرُ عَلَيْهِ قَوْلَهُ فِي الرُّؤْيَا الْمَكْرُوهَةِ وَلَا يُحَدِّثْ بِهَا أَحَدًا فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حِكْمَةِ هَذَا النَّهْيِ أَنَّهُ رُبَّمَا فَسَّرَهَا تَفْسِيرًا مَكْرُوهًا عَلَى ظَاهِرِهَا مَعَ احْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ مَحْبُوبَةً فِي الْبَاطِنِ فَتَقَعَ عَلَى مَا فُسِّرَ، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ ذَلِكَ يَتَعَلَّقُ بِالرَّائِي، فَلَهُ إِذَا قَصَّهَا عَلَى أَحَدٍ فَفَسَّرَهَا لَهُ عَلَى الْمَكْرُوهِ أَنْ يُبَادِرَ فَيَسْأَلَ غَيْرَهُ مِمَّنْ يُصِيبُ فَلَا يَتَحَتَّمُ وُقُوعُ الْأَوَّلِ، بَلْ وَيَقَعُ تَأْوِيلُ مَنْ أَصَابَ، فَإِنْ قَصَّرَ الرَّائِي فَلَمْ يَسْأَلِ الثَّانِيَ وَقَعَتْ عَلَى مَا فَسَّرَ الْأَوَّلُ. وَمِنْ أَدَبِ الْمُعَبِّرِ مَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى أَبِي مُوسَى: فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ رُؤْيَا فَقَصَّهَا عَلَى أَخِيهِ فَلْيَقُلْ: خَيْرٌ لَنَا وَشَرٌّ لِأَعْدَائِنَا وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ. وَلَكِنْ سَنَدُهُ مُنْقَطِعٌ.
وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ زِمْلٍ الْجُهَنِيِّ بِكَسْرِ الزَّايِ وَسُكُونِ الْمِيمِ بَعْدَهَا لَامٌ وَلَمْ يُسَمَّ فِي الرِّوَايَةِ، وَسَمَّاهُ أَبُو عُمَرَ فِي الِاسْتِيعَابِ عَبْدَ اللَّهِ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا صَلَّى الصُّبْحَ قَالَ: هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئًا؟ قَالَ ابْنُ زِمْلٍ: فَقُلْتُ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: خَيْرًا تَلْقَاهُ وَشَرًّا تَتَوَقَّاهُ، وَخَيْرٌ لَنَا وَشَرٌّ عَلَى أَعْدَائِنَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، اقْصُصْ رُؤْيَاكَ الْحَدِيثَ وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ جِدًّا، وَذَكَرَ أَئِمَّةُ التَّعْبِيرِ أَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute