الَّذِي انْقَطَعَ فِي يَدِهِ السَّبَبُ وَإِنْ كَانَ وَصَلَ، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ: فَقُطِعَ فَقِيلَ مَعْنَاهُ قُتِلَ، وَأَنْكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ.
فَقَالَ: لَيْسَ مَعْنَى قُطِعَ قُتِلَ؛ إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَشَارَكَهُ عُمَرُ، لَكِنَّ قَتْلَ عُمَرَ لَمْ يَكُنْ بِسَبَبِ الْعُلُوِّ بَلْ بِجِهَةِ عَدَاوَةٍ مَخْصُوصَةٍ، وَقَتْلُ عُثْمَانَ كَانَ مِنَ الْجِهَةِ الَّتِي عَلَا بِهَا وَهِيَ الْوِلَايَةُ فَلِذَلِكَ جَعَلَ قَتْلَهُ قَطْعًا قَالَ: وَقَوْلُهُ ثُمَّ وُصِلَ يَعْنِي بِوِلَايَةِ عَلِيٍّ فَكَانَ الْحَبْلُ مَوْصُولًا وَلَكِنْ لَمْ يَرَ فِيهِ عُلُوًّا، كَذَا قَالَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِي ذَلِكَ وَوَقَعَ فِي تَنْقِيحِ الزَّرْكَشِيِّ مَا نَصُّهُ: وَالَّذِي انْقَطَعَ بِهِ وَوُصِلَ لَهُ هُوَ عُمَرُ، لِأَنَّهُ لَمَّا قُتِلَ وُصِلَ لَهُ بِأَهْلِ الشُّورَى وَبِعُثْمَانَ، كَذَا قَالَ: وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْخَبَرِ مِنَ الرِّجَالِ بَعْدَ النَّبِيِّ ﷺ اثْنَانِ فَقَطْ، وَهُوَ اخْتِصَارٌ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ، وَإِلَّا فَعِنْدَ الْجُمْهُورِ ثَلَاثَةٌ، وَعَلَى ذَلِكَ شَرَحَ مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَقَوْلُهُ: أَخْطَأْتَ بَعْضًا اخْتُلِفَ فِي تَعْيِينِ الْخَطَإِ فَقِيلَ: وَجْهُ الْخَطَإِ تَسَوُّرُهُ عَلَى التَّعْبِيرِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ وَاحْتَمَلَهُ النَّبِيُّ ﷺ لِمَكَانِهِ مِنْهُ.
قُلْت: تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِيهِ قَالَ: وَقِيلَ أَخْطَأَ لِقَسَمِهِ عَلَيْهِ، وَقِيلَ لِجَعْلِهِ السَّمْنَ وَالْعَسَلَ مَعْنًى وَاحِدًا وَهُمَا مَعْنَيَانِ وَأَيَّدُوهُ بِأَنَّهُ قَالَ: أَخْطَأْتَ بَعْضًا وَأَصَبْتَ بَعْضًا وَلَوْ كَانَ الْخَطَأُ فِي التَّقْدِيمِ فِي الْيَسَارِ أَوْ فِي الْيَمِينِ لَمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الرُّؤْيَا. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: الْإِشَارَةُ فِي قَوْلِهِ: أَصَبْتَ وَأَخْطَأْتَ لِتَعْبِيرِهِ الرُّؤْيَا.
وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: بَلْ هَذَا لَا يَلْزَمُ لِأَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَخْطَأْتَ فِي بَعْضِ مَا جَرَى وَأَصَبْتَ فِي الْبَعْضِ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَأَخْبَرَنِي أَبِي أَنَّهُ قِيلَ: وَجْهُ الْخَطَإِ أَنَّ الصَّوَابَ فِي التَّعْبِيرِ أَنَّ الرَّسُولَ هُوَ الظُّلَّةُ وَالسَّمْنَ وَالْعَسَلَ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ، وَقِيلَ: وَجْهُ الْخَطَإِ أَنَّهُ جَعَلَ السَّبَبَ الْحَقَّ وَعُثْمَانُ لَمْ يَنْقَطِعْ بِهِ الْحَقُّ، وَإِنَّمَا الْحَقُّ أَنَّ الْوِلَايَةَ كَانَتْ بِالنُّبُوَّةِ ثُمَّ صَارَتْ بِالْخِلَافَةِ فَاتَّصَلَتْ لِأَبِي بَكْرٍ وَلِعُمَرَ ثُمَّ انْقَطَعَتْ بِعُثْمَانَ لِمَا كَانَ ظَنَّ بِهِ ثُمَّ صَحَّتْ بَرَاءَتُهُ فَأَعْلَاهُ اللَّهُ وَلَحِقَ بِأَصْحَابِهِ.
قَالَ: وَسَأَلْتُ بَعْضَ الشُّيُوخِ الْعَارِفِينَ عَنْ تَعْيِينِ الْوَجْهِ الَّذِي أَخْطَأَ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: مَنِ الَّذِي يَعْرِفُهُ وَلَئِنْ كَانَ تَقَدُّمُ أَبِي بَكْرٍ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ ﷺ لِلتَّعْبِيرِ خَطَأً فَالتَّقَدُّمُ بَيْنَ يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ لِتَعْيِينِ خَطَئِهِ أَعْظَمُ وَأَعْظَمُ، فَالَّذِي يَقْتَضِيهِ الدِّينُ وَالْحَزْمُ الْكَفُّ عَنْ ذَلِكَ.
وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: إِنَّمَا أَقْدَمُوا عَلَى تَبَيُّنِ ذَلِكَ مَعَ كَوْنِ النَّبِيِّ ﷺ لَمْ يُبَيِّنْهُ لِأَنَّهُ كَانَ يَلْزَمُ مِنْ تَبْيِينِهِ مَفْسَدَةٌ إِذْ ذَاكَ فَزَالَتْ بَعْدَهُ، مَعَ أَنَّ جَمِيعَ مَا ذَكَرُوهُ إِنَّمَا هُوَ بِطَرِيقِ الِاحْتِمَالِ وَلَا جَزْمَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. وَفِي الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ أَنَّ الرُّؤْيَا لَيْسَتْ لِأَوَّلِ عَابِرٍ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ، لَكِنْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْكِرْمَانِيُّ: الْمُعَبِّرُ لَا يُغَيِّرُ الرُّؤْيَا عَنْ وَجْهِهَا عِبَارَةُ عَابِرٍ وَلَا غَيْرُهُ، وَكَيْفَ يَسْتَطِيعُ مَخْلُوقٌ أَنْ يُغَيِّرَ مَا كَانَتْ نُسْخَتُهُ مِنْ أُمِّ الْكِتَابِ، غَيْرَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ لَمْ يَتَدَرَّبْ فِي عِلْمِ التَّأْوِيلِ أَنْ لَا يَتَعَرَّضَ لِمَا سَبَقَ إِلَيْهِ مَنْ لَا يُشَكُّ فِي أَمَانَتِهِ وَدِينِهِ.
قُلْتُ: وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى تَسْلِيمِ أَنَّ الْمَرَائِيَ تُنْسَخُ مِنْ أُمِّ الْكِتَابِ عَلَى وَفْقِ مَا يَعْبُرُهَا الْعَارِفُ، وَمَا الْمَانِعُ أَنَّهَا تُنْسَخُ عَلَى وَفْقِ مَا يَعْبُرُهَا أَوَّلُ عَابِرٍ، وَأَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ إِبْرَارُ الْقَسَمِ إِذَا كَانَ فِيهِ مَفْسَدَةٌ.
وَفِيهِ أَنَّ مَنْ قَالَ أُقْسِمُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمْ يَزِدْ عَلَى قَوْلِهِ: أَقْسَمْتُ كَذَا قَالَهُ عِيَاضٌ، وَرَدَّهُ النَّوَوِيُّ بِأَنَّ الَّذِي فِي جَمِيعِ نُسَخِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ قَالَ: فَوَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَتُحَدِّثَنِّي وَهَذَا صَرِيحُ يَمِينٍ.
قُلْتُ: وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِي ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ.
قَالَ ابْنُ التِّينِ: فِيهِ أَنَّ الْأَمْرَ بِإِبْرَارِ الْقَسَمِ خَاصٌّ بِمَا يَجُوزُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ، وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَبَرَّ قَسَمَ أَبِي بَكْرٍ لِكَوْنِهِ سَأَلَ مَا لَا يَجُوزُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ لِكُلِّ أَحَدٍ.
قُلْتُ: فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَنَعَهُ ذَلِكَ لَمَّا سَأَلَهُ جِهَارًا وَأَنْ يَكُونَ أَعْلَمَهُ بِذَلِكَ سِرًّا. وَفِيهِ الْحَثُّ عَلَى تَعْلِيمِ عِلْمِ الرُّؤْيَا وَعَلَى تَعْبِيرِهَا وَتَرْكِ إِغْفَالِ السُّؤَالِ عَنْهُ، وَفَضِيلَتِهَا لِمَا تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ مِنَ الِاطِّلَاعِ عَلَى بَعْضِ الْغَيْبِ وَأَسْرَارِ الْكَائِنَاتِ، قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: وَفِي السُّؤَالِ مِنْ أَبِي بَكْرٍ أَوَّلًا وَآخِرًا وَجَوَابِ النَّبِيِّ ﷺ دَلَالَةٌ عَلَى