للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أُمَيَّةَ الَّذِي وَلِيَ الْخِلَافَةَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَكَانَ يَلِي لِمُعَاوِيَةَ إِمْرَةَ الْمَدِينَةِ تَارَةً وَسَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ - وَالِدُ عَمْرٍو - يَلِيُهَا لِمُعَاوِيَةَ تَارَةً.

قَوْلُهُ: (سَمِعْتُ الصَّادِقَ الْمَصْدُوقَ) تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الْقَدَرِ، وَالْمُرَادُ بِهِ النَّبِيُّ ، وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الصَّمَدِ الْمَذْكُورِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ أُخْرَى: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ .

قَوْلُهُ: (هَلَكَةُ أُمَّتِي) فِي رِوَايَةِ الْمَكِّيِّ: هَلَاكُ أُمَّتِي وَهُوَ الْمُطَابِقُ لِمَا فِي التَّرْجَمَةِ. وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الصَّمَدِ: هَلَاكُ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَالْمُرَادُ بِالْأُمَّةِ هُنَا أَهْلُ ذَلِكَ الْعَصْرِ وَمَنْ قَارَبَهُمْ لَا جَمِيعُ الْأُمَّة إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.

قَوْلُهُ: (عَلَى يَدَيْ غِلْمَةٍ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِالتَّثْنِيَةِ، وَلِلسَّرَخْسِيِّ، وَالْكُشْمِيهَنِيِّ: أَيْدِي بِصِيغَةِ الْجَمْعِ، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: جَاءَ الْمُرَادُ بِالْهَلَاكِ مُبَيَّنًا فِي حَدِيثٍ آخَرَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ، أَخْرَجَهُ عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ إِمَارَةِ الصِّبْيَانِ. قَالُوا: وَمَا إِمَارَةُ الصِّبْيَانِ؟ قَالَ: إِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ هَلَكْتُمْ - أَيْ فِي دِينِكُمْ - وَإِنْ عَصَيْتُمُوهُمْ أَهْلَكُوكُمْ؛ أَيْ فِي دُنْيَاكُمْ بِإِزْهَاقِ النَّفْسِ أَوْ بِإِذْهَابِ الْمَالِ أَوْ بِهِمَا، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَمْشِي فِي السُّوقِ وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ لَا تُدْرِكْنِي سَنَةُ سِتِّينَ وَلَا إِمَارَةُ الصِّبْيَانِ، وَفِي هَذَا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ أَوَّلَ الْأُغَيْلِمَةِ كَانَ فِي سَنَةِ سِتِّينَ وَهُوَ كَذَلِكَ؛ فَإِنَّ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ اسْتُخْلِفَ فِيهَا وَبَقِيَ إِلَى سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ، فَمَاتَ ثُمَّ وَلِيَ وَلَدُهُ مُعَاوِيَةُ وَمَاتَ بَعْدَ أَشْهُرٍ، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تُخَصِّصُ رِوَايَةَ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَاضِيَةِ فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ بِلَفْظِ: يُهْلِكُ النَّاسَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ قُرَيْشٍ وَإِنَّ الْمُرَادَ بَعْضُ قُرَيْشٍ وَهُمُ الْأَحْدَاثُ مِنْهُمْ لَا كُلُّهُمْ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُمْ يُهْلِكُونَ النَّاسَ بِسَبَبِ طَلَبِهِمُ الْمُلْكَ وَالْقِتَالَ لِأَجْلِهِ فَتَفْسُدُ أَحْوَالُ النَّاسِ وَيَكْثُرُ الْخَبْطُ بِتَوَالِي الْفِتَنِ، وَقَدْ وَقَعَ الْأَمْرُ كَمَا أَخْبَرَ ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: لَوْ أَنَّ النَّاسَ اعْتَزَلُوهُمْ مَحْذُوفُ الْجَوَابِ وَتَقْدِيرُهُ: لَكَانَ أَوْلَى بِهِمْ.

وَالْمُرَادُ بِاعْتِزَالِهِمْ أَنْ لَا يُدَاخِلُوهُمْ وَلَا يُقَاتِلُوا مَعَهُمْ وَيَفِرُّوا بِدِينِهِمْ مِنَ الْفِتَنِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لَوْ لِلتَّمَنِّي فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى تَقْدِيرِ جَوَابٍ. وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ هِجْرَانِ الْبَلْدَةِ الَّتِي يَقَعُ فِيهَا إِظْهَارُ الْمَعْصِيَةِ فَإِنَّهَا سَبَبُ وُقُوعِ الْفِتَنِ الَّتِي يَنْشَأُ عَنْهَا عُمُومُ الْهَلَاكِ، قَالَ ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ مَالِكٍ: تُهْجَرُ الْأَرْضُ الَّتِي يُصْنَعُ فِيهَا الْمُنْكَرُ جِهَارًا، وَقَدْ صَنَعَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ.

قَوْلُهُ: (فَقَالَ مَرْوَانُ: لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ غِلْمَةً) فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الصَّمَدِ: لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ مِنْ أُغَيْلِمَةٍ وَهَذِهِ الرِّوَايَةِ تُفَسِّرُ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ الْمَكِّيِّ: فَقَالَ مَرْوَانُ: غِلْمَةً. كَذَا اقْتَصَرَ عَلَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ فَدَلَّتْ رِوَايَةُ الْبَابِ أَنَّهَا مُخْتَصَرَةٌ مِنْ قَوْلِهِ: لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ غِلْمَةً، فَكَانَ التَّقْدِيرُ: غِلْمَةٌ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ، أَوْ مَلْعُونُونَ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ. وَلَمْ يُرِدِ التَّعَجُّبَ وَلَا الِاسْتِثْبَاتَ.

قَوْلُهُ: (فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لَوْ شِئْتُ أَنْ أَقُولَ بَنِي فُلَانٍ وَبَنِي فُلَانٍ لَفَعَلْتُ) فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ: مِنْ بَنِي فُلَانٍ وَبَنِي فُلَانٍ لَقُلْتُ. وَكَأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَعْرِفُ أَسْمَاءَهُمْ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنَ الْجَوَابِ الَّذِي لَمْ يُحَدِّثْ بِهِ، وَتَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ، وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ قَوْلُهُ: لَوْ حَدَّثْتُ بِهِ لَقَطَعْتُمْ هَذَا الْبُلْعُومَ.

قَوْلُهُ: (فَكُنْتُ أَخْرُجُ مَعَ جَدِّي) قَائِلُ ذَلِكَ عَمْرُو بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ بْنِ عَمْرٍو، وَجَدُّهُ سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو، وَكَانَ مَعَ أَبِيهِ لَمَّا غَلَبَ عَلَى الشَّامِ، ثُمَّ لَمَّا قُتِلَ تَحَوَّلَ سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو إِلَى الْكُوفَةِ فَسَكَنَهَا إِلَى أَنْ مَاتَ.

قَوْلُهُ: (حِينَ مَلَكُوا الشَّامَ)؛ أَيْ وَغَيْرَهَا لَمَّا وُلُّوا الْخِلَافَةَ، وَإِنَّمَا خُصَّتِ الشَّامُ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهَا كَانَتْ مَسَاكِنَهُمْ مِنْ عَهْدِ مُعَاوِيَةَ.

قَوْلُهُ: (فَإِذَا رَآهُمْ غِلْمَانًا أَحْدَاثًا) هَذَا يُقَوِّي الِاحْتِمَالَ الْمَاضِي وَأَنَّ الْمُرَادَ أَوْلَادُ مَنِ اسْتُخْلِفَ مِنْهُمْ، وَأَمَّا تَرَدُّدُهُ فِي أَيِّهِمُ الْمُرَادُ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَمِنْ جِهَةِ كَوْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ لَمْ يُفْصِحْ بِأَسْمَائِهِمْ، وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمَذْكُورِينَ مِنْ جُمْلَتِهِمْ، وَأَنَّ أَوَّلَهُمْ يَزِيدُ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَأْسُ السِّتِّينَ وَإِمَارَةُ الصِّبْيَانِ، فَإِنَّ يَزِيدَ كَانَ غَالِبًا يَنْتَزِعُ الشُّيُوخَ مِنْ إِمَارَةِ الْبُلْدَانِ الْكِبَارِ وَيُوَلِّيهَا الْأَصَاغِرَ مِنْ أَقَارِبِهِ، وَقَوْلُهُ: قُلْنَا: أَنْتَ