للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ، وَمَعْنَاهُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - تَقَارُبُ أَحْوَالِ أَهْلِهِ فِي قِلَّةِ الدِّينِ حَتَّى لَا يَكُونَ فِيهِمْ مَنْ يَأْمُرُ بِمَعْرُوفٍ وَلَا يَنْهَى عَنْ مُنْكَرٍ لِغَلَبَةِ الْفِسْقِ وَظُهُورِ أَهْلِهِ، وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا تَفَاضَلُوا، فَإِذَا تَسَاوَوْا هَلَكُوا؛ يَعْنِي: لَا يَزَالُونَ بِخَيْرٍ مَا كَانَ فِيهِمْ أَهْلُ فَضْلٍ وَصَلَاحٍ وَخَوْفٍ مِنَ اللَّهِ يُلْجَأُ إِلَيْهِمْ عِنْدَ الشَّدَائِدِ وَيُسْتَشْفَى بِآرَائِهِمْ وَيُتَبَرَّكُ بِدُعَائِهِمْ وَيُؤْخَذُ بِتَقْوِيمِهِمْ وَآثَارِهِمْ. وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: قَدْ يَكُونُ مَعْنَاهُ فِي تَرْكِ طَلَبِ الْعِلْمِ خَاصَّةً وَالرِّضَا بِالْجَهْلِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّاسَ لَا يَتَسَاوَوْنَ فِي الْعِلْمِ لِأَنَّ دَرَجَ الْعِلْمِ تَتَفَاوَتُ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾ وَإِنَّمَا يَتَسَاوَوْنَ إِذَا كَانُوا جُهَّالًا، وَكَأَنَّهُ يُرِيدُ غَلَبَةَ الْجَهْلِ وَكَثْرَتَهُ بِحَيْثُ يُفْقَدُ الْعِلْمُ بِفَقْدِ الْعُلَمَاءِ، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: وَجَمِيعُ مَا تَضَمَّنَهُ هَذَا الْحَدِيثُ مِنَ الْأَشْرَاطِ قَدْ رَأَيْنَاهَا عِيَانًا، فَقَدْ نَقَصَ الْعِلْمُ وَظَهَرَ الْجَهْلُ وَأُلْقِيَ الشُّحُّ فِي الْقُلُوبِ وَعَمَّتِ الْفِتَنُ وَكَثُرَ الْقَتْلُ.

قُلْتُ: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الَّذِي شَاهَدَهُ كَانَ مِنْهُ الْكَثِيرُ مَعَ وُجُودِ مُقَابِلِهِ، وَالْمُرَادُ مِنَ الْحَدِيثِ اسْتِحْكَامُ ذَلِكَ حَتَّى لَا يَبْقَى مِمَّا يُقَابِلُهُ إِلَّا النَّادِرُ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِالتَّعْبِيرِ بِقَبْضِ الْعِلْمِ فَلَا يَبْقَى إِلَّا الْجَهْلُ الصِّرْفُ، وَلَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وُجُودُ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ لِأَنَّهُمْ يَكُونُونَ حِينَئِذٍ مَغْمُورِينَ فِي أُولَئِكَ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ بِسَنَدٍ قَوِيٍّ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: يَدْرُسُ الْإِسْلَامُ كَمَا يَدْرُسُ وَشْيُ الثَّوْبِ حَتَّى لَا يُدْرَى مَا صِيَامٌ وَلَا صَلَاةٌ وَلَا نُسُكٌ وَلَا صَدَقَةٌ، وَيُسْرَى عَلَى الْكِتَابِ فِي لَيْلَةٍ فَلَا يَبْقَى فِي الْأَرْضِ مِنْهُ آيَةٌ الْحَدِيثَ، وَسَأَذْكُرُ مَزِيدًا لِذَلِكَ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْفِتَنِ، وَعِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: وَلَيُنْزَعَنَّ الْقُرْآنُ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِكُمْ، يُسْرَى عَلَيْهِ لَيْلًا فَيَذْهَبُ مِنْ أَجْوَافِ الرِّجَالِ فَلَا يَبْقَى فِي الْأَرْضِ مِنْهُ شَيْءٌ وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ لَكِنَّهُ مَوْقُوفٌ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ مُعَارِضِهِ ظَاهِرًا فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ وَالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، وَكَذَا الْقَوْلُ فِي بَاقِي الصِّفَاتِ، وَالْوَاقِعُ أَنَّ الصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةَ وُجِدَتْ مَبَادِيهَا مِنْ عَهْدِ الصَّحَابَةِ ثُمَّ صَارَتْ تَكْثُرُ فِي بَعْضِ الْأَمَاكِنِ دُونَ بَعْضٍ، وَالَّذِي يَعْقُبُهُ قِيَامُ السَّاعَةِ اسْتِحْكَامُ ذَلِكَ كَمَا قَرَّرْتُهُ، وَقَدْ مَضَى مِنَ الْوَقْتِ الَّذِي قَالَ فِيهِ ابْنُ بَطَّالٍ مَا قَالَ نَحْوُ ثَلَثِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً وَالصِّفَاتُ الْمَذْكُورَةُ فِي ازْدِيَادٍ فِي جَمِيعِ الْبِلَادِ لَكِنْ يَقِلُّ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ وَيَكْثُرُ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ، وَكُلَّمَا مَضَتْ طَبَقَةٌ ظَهَرَ النَّقْصُ الْكَثِيرُ فِي الَّتِي تَلِيهَا، وَإِلَى ذَلِكَ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ

فِي حَدِيثِ الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ: لَا يَأْتِي زَمَانٌ إِلَّا وَالَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ ثُمَّ نَقَلَ ابْنُ بَطَّالٍ، عَنِ الْخَطَّابِيِّ فِي مَعْنَى تَقَارُبِ الزَّمَانِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ - يَعْنِي الَّذِي أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَأَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَقَارَبَ الزَّمَانُ فَتَكُونَ السَّنَةُ كَالشَّهْرِ وَالشَّهْرُ كَالْجُمْعَةِ وَالْجُمْعَةُ كَالْيَوْمِ، وَيَكُونَ الْيَوْمُ كَالسَّاعَةِ، وَتَكُونَ السَّاعَةُ كَاحْتِرَاقِ السَّعَفَةِ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: هُوَ مِنِ اسْتِلْذَاذِ الْعَيْشِ؛ يُرِيدُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهُ يَقَعُ عِنْدَ خُرُوجِ الْمَهْدِيِّ وَوُقُوعِ الْأَمَنَةِ فِي الْأَرْضِ وَغَلَبَةِ الْعَدْلِ فِيهَا، فَيُسْتَلَذُّ الْعَيْشُ عِنْدَ ذَلِكَ وَتُسْتَقْصَرُ مُدَّتُهُ، وَمَا زَالَ النَّاسُ يَسْتَقْصِرُونَ مُدَّةَ أَيَّامِ الرَّخَاءِ وَإِنْ طَالَتْ وَيَسْتَطِيلُونَ مُدَّةَ الْمَكْرُوهِ وَإِنْ قَصُرَتْ، وَتَعَقَّبَهُ الْكِرْمَانِيُّ بِأَنَّهُ لَا يُنَاسِبُ أَخَوَاتِهِ مِنْ ظُهُورِ الْفِتَنِ وَكَثْرَةِ الْهَرْجِ وَغَيْرِهِمَا. وَأَقُولُ: إِنَّمَا احْتَاجَ الْخَطَّابِيُّ إِلَى تَأْوِيلِهِ بِمَا ذُكِرَ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعِ النَّقْصُ فِي زَمَانِهِ، وَإِلَّا فَالَّذِي تَضَمَّنَهُ الْحَدِيثُ قَدْ وُجِدَ فِي زَمَانِنَا هَذَا، فَإِنَّا نَجِدُ مِنْ سُرْعَةِ مَرِّ الْأَيَّامِ مَا لَمْ نَكُنْ نَجِدُهُ فِي الْعَصْرِ الَّذِي قَبْلَ عَصْرِنَا هَذَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ عَيْشٌ مُسْتَلَذٌّ، وَالْحَقُّ أَنَّ الْمُرَادَ نَزْعُ الْبَرَكَةِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى مِنَ الزَّمَانِ وَذَلِكَ مِنْ عَلَامَاتِ قُرْبِ السَّاعَةِ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى تَقَارُبِ الزَّمَانِ اسْتِوَاءُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، قُلْتُ: وَهَذَا مِمَّا قَالُوهُ فِي قَوْلِهِ: إِذَا اقْتَرَبَ الزَّمَانُ لَمْ تَكَدْ رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ تَكْذِبُ، كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِيمَا مَضَى. وَنَقَلَ ابْنُ التِّينِ، عَنِ الدَّاوُدِيِّ أَنَّ مَعْنَى حَدِيثِ الْبَابِ أَنَّ سَاعَاتِ النَّهَارِ تَقْصُرُ قُرْبَ قِيَامِ السَّاعَةِ وَيَقْرُبُ النَّهَارُ مِنَ