للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الْفِتَنِ مِنْ بَعْدِ قَتْلِ عُثْمَانَ وَهَلُمَّ جَرًّا، أَوْ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ عُقُوبَاتِ الْآخِرَةِ.

قَوْلُهُ: (قَالَ: نَعَمْ، وَفِيهِ دَخَنٌ) بِالْمُهْمَلَةِ ثُمَّ الْمُعْجَمَةِ الْمَفْتُوحَتَيْنِ بَعْدَهَا نُونٌ وَهُوَ الْحِقْدُ، وَقِيلَ: الدَّغَلُ، وَقِيلَ: فَسَادٌ فِي الْقَلْبِ؛ وَمَعْنَى الثَّلَاثَةِ مُتَقَارِبٌ. يُشِيرُ إِلَى أَنَّ الْخَيْرَ الَّذِي يَجِيءُ بَعْدَ الشَّرِّ لَا يَكُونُ خَيْرًا خَالِصًا، بَلْ فِيهِ كَدَرٌ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالدَّخَنِ الدُّخَانُ، وَيُشِيرُ بِذَلِكَ إِلَى كَدَرِ الْحَالِ. وَقِيلَ: الدَّخَنُ كُلُّ أَمْرٍ مَكْرُوهٍ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ يُفَسِّرُ الْمُرَادَ بِهَذَا الْحَدِيثِ، الْحَدِيثُ الْآخَرُ لَا تَرْجِعُ قُلُوبُ قَوْمٍ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ وَأَصْلُهُ أَنْ يَكُونَ فِي لَوْنِ الدَّابَّةِ كُدُورَةٌ، فَكَأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ قُلُوبَهُمْ لَا يَصْفُو بَعْضُهَا لِبَعْضٍ.

قَوْلُهُ: (قَوْمٌ يَهْدُونَ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ (بِغَيْرِ هَدْيِي) بِيَاءِ الْإِضَافَةِ بَعْدَ الْيَاءِ لِلْأَكْثَرِ، وَبِيَاءٍ وَاحِدَةٍ مَعَ التَّنْوِينِ لِلْكُشْمِيهَنِيِّ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الْأَسْوَدِ: يَكُونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي.

قَوْلُهُ: (تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ)؛ يَعْنِي مِنْ أَعْمَالِهِمْ، وَفِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ: فَمَنْ أَنْكَرَ بَرِئَ، وَمَنْ كَرِهَ سَلِمَ.

قَوْلُهُ: (دُعَاةٌ) بِضَمِّ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ؛ جَمْعُ دَاعٍ، أَيْ إِلَى غَيْرِ الْحَقِّ.

قَوْلُهُ: (عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ) أَطْلَقَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ مَا يَؤولُ إِلَيْهِ حَالُهُمْ، كَمَا يُقَالُ لِمَنْ أَمَرَ بِفِعْلٍ مُحَرَّمٍ: وَقَفَ عَلَى شَفِيرِ جَهَنَّمَ.

قَوْلُهُ: (هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا)؛ أَيْ مِنْ قَوْمِنَا وَمِنْ أَهْلِ لِسَانِنَا وَمِلَّتِنَا، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُمْ مِنَ الْعَرَبِ. وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ: أَيْ مِنْ بَنِي آدَمَ. وَقَالَ الْقَابِسِيُّ: مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ فِي الظَّاهِرِ عَلَى مِلَّتِنَا وَفِي الْبَاطِنِ مُخَالِفُونَ، وَجِلْدَةُ الشَّيْءِ ظَاهِرُهُ، وَهِيَ فِي الْأَصْلِ غِشَاءُ الْبَدَنِ. قِيلَ: وَيُؤَيِّدُ إِرَادَةَ الْعَرَبِ أَنَّ السُّمْرَةَ غَالِبَةٌ عَلَيْهِمْ وَاللَّوْنُ إِنَّمَا يَظْهَرُ فِي الْجِلْدِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْأَسْوَدِ: فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْسٍ. وَقَوْلُهُ: جُثْمَانُ؛ بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْمُثَلَّثَةِ هُوَ الْجَسَدُ، وَيُطْلَقُ عَلَى الشَّخْصِ. قَالَ عِيَاضٌ: الْمُرَادُ بِالشَّرِّ الْأَوَّلُ الْفِتَنُ الَّتِي وَقَعَتْ بَعْدَ عُثْمَانَ، وَالْمُرَادُ بِالْخَيْرِ الَّذِي بَعْدَهُ مَا وَقَعَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالْمُرَادُ بِالَّذِينَ تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ الْأُمَرَاءُ بَعْدَهُ، فَكَانَ فِيهِمْ مَنْ يَتَمَسَّكُ بِالسُّنَّةِ وَالْعَدْلِ وَفِيهِمْ مَنْ يَدْعُو إِلَى الْبِدْعَةِ وَيَعْمَلُ بِالْجَوْرِ. قُلْتُ: وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّرِّ الْأَوَّلِ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ مِنَ الْفِتَنِ الْأُولَى، وَبِالْخَيْرِ مَا وَقَعَ مِنَ الِاجْتِمَاعِ مَعَ عَلِيٍّ، وَمُعَاوِيَةَ، وَبِالدَّخَنِ مَا كَانَ فِي زَمَنِهِمَا مِنْ بَعْضِ الْأُمَرَاءِ كَزِيَادٍ بِالْعِرَاقِ وَخِلَافِ مَنْ خَالَفَ عَلَيْهِ مِنَ الْخَوَارِجِ، وَبِالدُّعَاةِ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ قَامَ فِي طَلَبِ الْمُلْكِ مِنَ الْخَوَارِجِ وَغَيْرِهِمْ، وَإِلَى ذَلِكَ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: الْزَمْ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ؛ يَعْنِي: وَلَوْ جَارَ. وَيُوَضِّحُ ذَلِكَ رِوَايَةُ أَبِي الْأَسْوَدِ: وَلَوْ ضَرَبَ ظَهْرَكَ وَأَخَذَ مَالَكَ.

وَكَانَ مِثْلُ ذَلِكَ كَثِيرًا فِي إِمَارَةِ الْحَجَّاجِ وَنَحْوِهِ.

قَوْلُهُ: (تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ؛ أَيْ أَمِيرَهُمْ. زَادَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْأَسْوَدِ: تَسْمَعُ وَتُطِيعُ، وَإِنْ ضَرَبَ ظَهْرَكَ وَأَخَذَ مَالَكَ. وَكَذَا فِي رِوَايَةِ خَالِدِ بْنِ سُبَيْعٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ: فَإِنْ رَأَيْتَ خَلِيفَةً فَالْزَمْهُ وَإِنْ ضَرَبَ ظَهْرَكَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ خَلِيفَةً فَالْهَرَبَ.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ؛ أَيْ: وَلَوْ كَانَ الِاعْتِزَالُ بِالْعَضِّ فَلَا تَعْدِلُ عَنْهُ. وَتَعَضُّ بِالنَّصْبِ لِلْجَمِيعِ، وَضَبَطَهُ الْأَشِيرِيُّ بِالرَّفْعِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ جَوَازَهُ مُتَوَقِّفٌ عَلَى أَنْ يَكُونَ أَنْ الَّتِي تَقَدَّمَتْهُ مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ وَهُنَا لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِأَنَّهَا لَا تَلِيَ لَوْ، نَبَّهَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمُغْنِي. وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ قُرْطٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ: فَلَأَنْ تَمُوتَ وَأَنْتَ عَاضٌّ عَلَى جِذْلِ خَيْرٍ لَكَ مِنْ أَنْ تَتَّبِعَ أَحَدًا مِنْهُمْ، وَالْجِذْلُ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا لَامٌ: عُودٌ يُنْصَبُ لِتَحْتَكَّ بِهِ الْإِبِلُ. وَقَوْلُهُ: وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ؛ أَيِ الْعَضُّ، وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ لُزُومِ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَطَاعَةِ سَلَاطِينِهِمْ وَلَوْ عَصَوْا. قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: الْمَعْنَى إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةٌ فَعَلَيْكَ بِالْعُزْلَةِ وَالصَّبْرِ عَلَى تَحَمُّلِ شِدَّةِ الزَّمَانِ، وَعَضُّ أَصْلِ الشَّجَرَةِ كِنَايَةٌ عَنْ مُكَابَدَةِ الْمَشَقَّةِ كَقَوْلِهِمْ: فُلَانٌ يَعَضُّ الْحِجَارَةَ مِنْ شِدَّةِ الْأَلَمِ، أَوِ الْمُرَادُ اللُّزُومُ كَقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: