رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ: يَكُونُ عَلَيَّ أَمِيرًا وَفِي رِوَايَةِ يَعْلَى: وَإِنْ كَانَ عَلَيَّ أَمِيرًا.
قَوْلُهُ: (بَعْدَ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: يُجَاءُ بِرَجُلٍ) فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ: بَعْدَ شَيْءٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. قَالُوا: وَمَا سَمِعْتَهُ يَقُولُ؟ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: يُجَاءُ بِالرَّجُلِ وَفِي رِوَايَةِ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ عِنْدَ أَحْمَدَ: يُجَاءُ بِالرَّجُلِ الَّذِي كَانَ يُطَاعُ فِي مَعَاصِي اللَّهِ فَيُقْذَفُ فِي النَّارِ.
قَوْلُهُ: (فَيَطْحَنُ فِيهَا كَطَحْنِ الْحِمَارِ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: كَمَا يَطْحَنُ الْحِمَارُ كَذَا رَأَيْتُ فِي نُسْخَةٍ مُعْتَمَدَةٍ: فَيُطْحَنُ؛ بِضَمِّ أَوَّلِهِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ، وَفِي أُخْرَى بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَهُوَ أَوْجَهُ، فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ وَأَبِي مُعَاوِيَةَ: فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ وَفِي رِوَايَةِ عَاصِمٍ: يَسْتَدِيرُ فِيهَا كَمَا يَسْتَدِيرُ الْحِمَارُ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ. وَالْأَقْتَابُ جَمْعُ قِتْبٍ - بِكَسْرِ الْقَافِ وَسُكُونِ الْمُثَنَّاةِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ - هِيَ الْأَمْعَاءُ، وَانْدِلَاقُهَا خُرُوجُهَا بِسُرْعَةٍ؛ يُقَالُ: انْدَلَقَ السَّيْفُ مِنْ غِمْدِهِ إِذَا خَرَجَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسُلَّهُ أَحَدٌ، وَهَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ كَانَتْ أَيْضًا عِنْدَ الْأَعْمَشِ فَلَمْ يَسْمَعْهَا شُعْبَةُ مِنْهُ وَسَمِعَ مَعْنَاهَا مِنْ مَنْصُورٍ كَمَا تَقَدَّمَ.
قَوْلُهُ: (فَيُطِيفُ بِهِ أَهْلُ النَّارِ)؛ أَيْ يَجْتَمِعُونَ حَوْلَهُ، يُقَالُ: أَطَافَ بِهِ الْقَوْمُ إِذَا حَلَّقُوا حَوْلَهُ حَلْقَةً وَإِنْ لَمْ يَدُورُوا، وَطَافُوا إِذَا دَارُوا حَوْلَهُ، وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَظْهَرُ خَطَأُ مَنْ قَالَ: إِنَّهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وَفِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ، وَأَبِي مُعَاوِيَةَ: فَيَجْتَمِعُ عَلَيْهِ أَهْلُ النَّارِ. وَفِي رِوَايَةِ عَاصِمٍ: فَيَأْتِي عَلَيْهِ أَهْلُ طَاعَتِهِ مِنَ النَّاسِ.
قَوْلُهُ: (فَيَقُولُونَ: أَيْ فُلَانُ) فِي رِوَايَةِ سُفْيَانِ، وَأَبِي مُعَاوِيَةَ: فَيَقُولُونَ: يَا فُلَانُ وَزَادَ: مَا شَأْنُكَ؟ وَفِي رِوَايَةِ عَاصِمٍ: أَيْ فُلُ، أَيْنَ مَا كُنْتَ تَأْمُرُنَا بِهِ؟.
قَوْلُهُ: (أَلَسْتَ كُنْتَ تَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَى) فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ: أَلَيْسَ كُنْتَ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَانَا؟.
قَوْلُهُ: (إِنِّي كُنْتُ آمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا أَفْعَلُهُ، وَأَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ وَأَفْعَلُهُ) فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ: آمُرُكُمْ وَأَنْهَاكُمْ وَلَهُ وَلِأَبِي مُعَاوِيَةَ: وَآتِيهِ وَلَا آتِيهِ. وَفِي رِوَايَةِ يَعْلَى: بَلْ كُنْتُ آمُرُ وَفِي رِوَايَةِ عَاصِمٍ: وَإِنِّي كُنْتُ آمُرُكُمْ بِأَمْرٍ وَأُخَالِفُكُمْ إِلَى غَيْرِهِ. قَالَ الْمُهَلَّبُ: أَرَادُوا مِنْ أُسَامَةَ أَنْ يُكَلِّمَ عُثْمَانَ وَكَانَ مِنْ خَاصَّتِهِ وَمِمَّنْ يَخِفُّ عَلَيْهِ فِي شَأْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ لِأَنَّهُ كَانَ ظَهَرَ عَلَيْهِ رِيحُ نَبِيذٍ وَشُهِرَ أَمْرُهُ وَكَانَ أَخَا عُثْمَانَ لِأُمِّهِ، وَكَانَ يَسْتَعْمِلُهُ، فَقَالَ أُسَامَةُ: قَدْ كَلَّمْتُهُ سِرًّا دُونَ أَنْ أُفْتَحَ بَابًا؛ أَيْ بَابَ الْإِنْكَارِ عَلَى الْأَئِمَّةِ عَلَانِيَةً خَشْيَةَ أَنْ تَفْتَرِقَ الْكَلِمَةُ. ثُمَّ عَرَّفَهُمْ أَنَّهُ لَا يُدَاهِنُ أَحَدًا وَلَوْ كَانَ أَمِيرًا بَلْ يَنْصَحُ لَهُ فِي السِّرِّ جَهْدَهُ، وَذَكَرَ لَهُمْ قِصَّةَ الرَّجُلِ الَّذِي يُطْرَحُ فِي النَّارِ لِكَوْنِهِ كَانَ يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا يَفْعَلُهُ لِيَتَبَرَّأَ مِمَّا ظَنُّوا بِهِ مِنْ سُكُوتِهِ عَنْ عُثْمَانَ فِي أَخِيهِ، انْتَهَى مُلَخَّصًا. وَجَزْمُهُ بِأَنَّ مُرَادَ مَنْ سَأَلَ أُسَامَةَ الْكَلَامَ مَعَ عُثْمَانَ أَنْ يُكَلِّمَهُ فِي شَأْنِ الْوَلِيدِ مَا عَرَفْتُ مُسْتَنَدَهُ فِيهِ، وَسِيَاقُ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ جَرِيرٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ يَدْفَعُهُ، وَلَفْظُهُ عَنْ أَبِي وَائِلٍ: كُنَّا عِنْدَ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَدْخُلَ عَلَى عُثْمَانَ فَتُكَلِّمَهُ فِيمَا يَصْنَعُ.
قَالَ: وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمِثْلِهِ، وَجَزَمَ الْكِرْمَانِيُّ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنْ يُكَلِّمَهُ فِيمَا أَنْكَرَهُ النَّاسُ عَلَى عُثْمَانَ مِنْ تَوْلِيَةِ أَقَارِبِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا اشْتُهِرَ، وَقَوْلُهُ: إِنَّ السَّبَبَ فِي تَحْدِيثِ أُسَامَةَ بِذَلِكَ لِيَتَبَرَّأَ مِمَّا ظَنُّوهُ بِهِ لَيْسَ بِوَاضِحٍ، بَلِ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ أُسَامَةَ كَانَ يَخْشَى عَلَى مَنْ وُلِّيَ وِلَايَةً وَلَوْ صَغُرَتْ أَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْمُرَ الرَّعِيَّةَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ ثُمَّ لَا يَأْمَنُ مِنْ أَنْ يَقَعَ مِنْهُ تَقْصِيرٌ، فَكَانَ أُسَامَةُ يَرَى أَنَّهُ لَا يَتَأَمَّرُ عَلَى أَحَدٍ، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: لَا أَقُولُ لِلْأَمِيرِ إِنَّهُ خَيْرُ النَّاسِ؛ أَيْ: بَلْ غَايَتُهُ أَنْ يَنْجُوَ كَفَافًا. وَقَالَ عِيَاضٌ: مُرَادُ أُسَامَةَ أَنَّهُ لَا يَفْتَحُ بَابَ الْمُجَاهَرَةِ بِالنَّكِيرِ عَلَى الْإِمَامِ لِمَا يَخْشَى مِنْ عَاقِبَةِ ذَلِكَ، بَلْ يَتَلَطَّفُ بِهِ وَيَنْصَحُهُ سِرًّا فَذَلِكَ أَجْدَرُ بِالْقَبُولِ.
وَقَوْلُهُ: لَا أَقُولُ لِأَحَدٍ يَكُونُ عَلَيَّ أَمِيرًا إِنَّهُ خَيْرُ النَّاسِ فِيهِ ذَمُّ مُدَاهَنَةِ الْأُمَرَاءِ فِي الْحَقِّ وَإِظْهَارُ مَا يُبْطِنُ خِلَافَهُ كَالْمُتَمَلِّقِ بِالْبَاطِلِ، فَأَشَارَ أُسَامَةُ إِلَى الْمُدَارَاةِ الْمَحْمُودَةِ وَالْمُدَاهَنَةِ الْمَذْمُومَةِ، وَضَابِطُ الْمُدَارَاةِ أَنْ