حَتَّى دَخَلْنَا عَلَيْهِ فِي دَارِهِ وَهُوَ جَالِسٌ فِي ظِلِّ عُلِّيَّةٍ لَهُ مِنْ قَصَبٍ فَجَلَسْنَا إِلَيْهِ فَأَنْشَأَ أَبِي يَسْتَطْعِمُهُ الْحَدِيثَ فَقَالَ يَا أَبَا بَرْزَةَ أَلَا تَرَى مَا وَقَعَ فِيهِ النَّاسُ فَأَوَّلُ شَيْءٍ سَمِعْتُهُ تَكَلَّمَ بِهِ إِنِّي احْتَسَبْتُ عِنْدَ اللَّهِ أَنِّي أَصْبَحْتُ سَاخِطًا عَلَى أَحْيَاءِ قُرَيْشٍ إِنَّكُمْ يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ كُنْتُمْ عَلَى الْحَالِ الَّذِي عَلِمْتُمْ مِنْ الذِّلَّةِ وَالْقِلَّةِ وَالضَّلَالَةِ وَإِنَّ اللَّهَ أَنْقَذَكُمْ بِالإِسْلَامِ وَبِمُحَمَّدٍ ﷺ حَتَّى بَلَغَ بِكُمْ مَا تَرَوْنَ وَهَذِهِ الدُّنْيَا الَّتِي أَفْسَدَتْ بَيْنَكُمْ إِنَّ ذَاكَ الَّذِي بِالشَّأْمِ وَاللَّهِ إِنْ يُقَاتِلُ إِلاَّ عَلَى الدُّنْيَا وَإِنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ وَاللَّهِ إِنْ يُقَاتِلُونَ إِلاَّ عَلَى الدُّنْيَا وَإِنْ ذَاكَ الَّذِي بِمَكَّةَ وَاللَّهِ إِنْ يُقَاتِلُ إِلاَّ عَلَى الدُّنْيَا"
[الحديث ٧١١٢ - طرفه في: ٧٢٧١]
٧١١٣ - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ وَاصِلٍ الأَحْدَبِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ "عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ قَالَ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ الْيَوْمَ شَرٌّ مِنْهُمْ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ ﷺ كَانُوا يَوْمَئِذٍ يُسِرُّونَ وَالْيَوْمَ يَجْهَرُونَ"
٧١١٤ - حَدَّثَنَا خَلَادٌ حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: إِنَّمَا كَانَ النِّفَاقُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ ﷺ فَأَمَّا الْيَوْمَ فَإِنَّمَا هُوَ الْكُفْرُ بَعْدَ الإِيمَانِ"
قَوْلُهُ: (بَابُ إِذَا قَالَ عِنْدَ قَوْمٍ شَيْئًا ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ بِخِلَافِهِ) ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ: يُنْصَبُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ وَفِيهِ قِصَّةٌ لِابْنِ عُمَرَ فِي بَيْعَةِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَحَدِيثَ أَبِي بَرْزَةَ فِي إِنْكَارِهِ عَلَى الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ عَلَى الْمُلْكِ مِنْ أَجْلِ الدُّنْيَا، وَحَدِيثَ حُذَيْفَةَ فِي الْمُنَافِقِينَ، وَمُطَابَقَةُ الْأَخِيرِ لِلتَّرْجَمَةِ ظَاهِرَةٌ، وَمُطَابِقَةُ الْأَوَّلِ لَهَا مِنْ جِهَةِ أَنَّ فِي الْقَوْلِ فِي الْغَيْبَةِ بِخِلَافِ مَا فِي الْحُضُورِ نَوْعُ غَدْرٍ، وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ تَرْجَمَةُ مَا يُكْرَهُ مِنْ ثَنَاءِ السُّلْطَانِ، فَإِذَا خَرَجَ قَالَ غَيْرَ ذَلِكَ، وَذَكَرَ فِيهِ قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ لِمَنْ سَأَلَهُ عَنِ الْقَوْلِ عِنْدَ الْأُمَرَاءِ بِخِلَافِ مَا يُقَالُ بَعْدَ الْخُرُوجِ عَنْهُمْ: كُنَّا نَعُدُّهُ نِفَاقًا، وَقَدْ وَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ أَنَّ الْأَمِيرَ الْمَسْئُولَ عَنْهُ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْأَحْكَامِ، وَمُطَابَقَةُ الثَّانِي مِنْ جِهَةِ أَنَّ الَّذِينَ عَابُوا أَبُو بَرْزَةَ كَانُوا يُظْهِرُونَ أَنَّهُمْ يُقَاتِلُونَ لِأَجْلِ الْقِيَامِ بِأَمْرِ الدِّينِ وَنَصْرِ الْحَقِّ وَكَانُوا فِي الْبَاطِنِ إِنَّمَا يُقَاتِلُونَ لِأَجْلِ الدُّنْيَا.
وَوَقَعَ لِابْنِ بَطَّالٍ هُنَا شَيْءٌ فِيهِ نَظَرٌ فَقَالَ: وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي بَرْزَةَ فَوَجْهُ مُوَافَقَتِهِ لِلتَّرْجَمَةِ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ لَمْ يَقُلْهُ أَبُو بَرْزَةَ عِنْدَ مَرْوَانَ حِينَ بَايَعَهُ، بَلْ بَايَعَ مَرْوَانَ وَاتَّبَعَهُ ثُمَّ سَخِطَ ذَلِكَ لَمَّا بَعُدَ عَنْهُ، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ مِنْهُ أَنْ يَتْرُكَ مَا نُوزِعَ فِيهِ طَلَبًا لِمَا عِنْدَ اللَّهِ فِي الْآخِرَةِ، وَلَا يُقَاتِلُ عَلَيْهِ كَمَا فَعَلَ عُثْمَانُ يَعْنِي مِنْ عَدَمِ الْمُقَاتَلَةِ لَا مِنْ تَرْكِ الْخِلَافَةِ، فَلَمْ يُقَاتِلْ مَنْ نَازَعَهُ بَلْ تَرَكَ ذَلِكَ، وَكَمَا فَعَلَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ حِينَ تَرَكَ قِتَالَ مُعَاوِيَةَ حِينَ نَازَعَهُ الْخِلَافَةَ، فَسَخِطَ أَبُو بَرْزَةَ عَلَى مَرْوَانَ تَمَسُّكَهُ بِالْخِلَافَةِ وَالْقِتَالَ عَلَيْهَا، فَقَالَ لِأَبِي الْمِنْهَالِ وَابْنِهِ بِخِلَافِ مَا قَالَ لِمَرْوَانَ حِينَ بَايَعَ لَهُ.
قُلْتُ: وَدَعْوَاهُ أَنَّ أَبَا بَرْزَةَ بَايَعَ مَرْوَانَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، فَإِنَّ أَبَا بَرْزَةَ كَانَ مُقِيمًا بِالْبَصْرَةِ، وَمَرْوَانُ إِنَّمَا طَلَبَ الْخِلَافَةَ بِالشَّامِ، وَذَلِكَ أَنَّ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ لَمَّا مَاتَ دَعَا ابْنَ الزُّبَيْرِ إِلَى نَفْسِهِ وَبَايَعُوهُ بِالْخِلَافَةِ، فَأَطَاعَهُ أَهْلُ الْحَرَمَيْنِ وَمِصْرَ وَالْعِرَاقِ وَمَا وَرَاءَهَا، وَبَايَعَ لَهُ الضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ الْفِهْرِيُّ بِالشَّامِ كُلِّهَا إِلَّا الْأُرْدُنَّ وَمَنْ بِهَا مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ وَمَنْ كَانَ عَلَى هَوَاهُمْ، حَتَّى هَمَّ مَرْوَانُ أَنْ يَرْحَلَ إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ وَيُبَايِعَهُ فَمَنَعُوهُ وَبَايَعُوا لَهُ بِالْخِلَافَةِ، وَحَارَبَ الضَّحَّاكَ بْنَ قَيْسٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute