جَدِّهِ وَأَبُو الْيَقْظَانِ وَغَيْرُهُمَا قَالُوا: قَدِمَ ابْنُ الزِّيَادِ الشَّامَ وَقَدْ بَايَعُوا ابْنَ الزُّبَيْرِ مَا خَلَا أَهْلَ الْجَابِيَةِ، ثُمَّ سَارُوا إِلَى مَرْجِ رَاهِطٍ فَذَكَرَ نَحْوَهُ، وَهَذَا يَدْفَعُ مَا تَقَدَّمَ عَنِ ابْنِ بَطَّالٍ أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ بَايَعَ مَرْوَانَ ثُمَّ نَكَثَ.
قَوْلُهُ: (وَوَثَبَ الْقُرَّاءُ بِالْبَصْرَةِ) يُرِيدُ الْخَوَارِجَ، وَكَانُوا قَدْ ثَارُوا بِالْبَصْرَةِ بَعْدَ خُرُوجِ ابْنِ زِيَادٍ وَرَئِيسُهُمْ نَافِعُ بْنُ الْأَزْرَقِ، ثُمَّ خَرَجُوا إِلَى الْأَهْوَازِ، وَقَدِ اسْتَوْفَى خَبَرَهُمُ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ، وَيُقَالُ إِنَّهُ أَرَادَ الَّذِينَ بَايَعُوا عَلَى قِتَالِ مَنْ قَتَلَ الْحُسَيْنَ وَسَارُوا مَعَ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ وَغَيْرِهِ مِنَ الْبَصْرَةِ إِلَى جِهَةِ الشَّامِ فَلَقِيَهُمْ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ فِي جَيْشِ الشَّامِ مِنْ قِبَلِ مَرْوَانَ فَقُتِلُوا بِعَيْنِ الْوَرْدَةِ، وَقَدْ قَصَّ قِصَّتَهُمُ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ.
قَوْلُهُ: (فَانْطَلَقْتُ مَعَ أَبِي إِلَى أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ) فِي رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ: فَقَالَ لِي أَبِي وَكَانَ يُثْنِي عَلَيْهِ خَيْرًا: انْطَلِقْ بِنَا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِلَى أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ، فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَيْهِ، وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ عَوْفٍ: فَقَالَ أَبِي: انْطَلِقْ بِنَا لَا أَبَا لَكَ إِلَى هَذَا الرَّجُلِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِلَى أَبِي بَرْزَةَ، وَعِنْدَ يَعْقُوبَ بْنِ سُفْيَانَ، عَنْ سُكَيْنِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ أَبِي عَلَى أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ، وَإِنَّ فِي أُذُنَيَّ يَوْمَئِذٍ لِقُرْطَيْنِ، وَإِنِّي لَغُلَامٌ.
قَوْلُهُ: (فِي ظِلِّ عُلِّيَّةٍ لَهُ مِنْ قَصَبٍ) زَادَ فِي رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ: فِي يَوْمٍ حَارٍّ شَدِيدِ الْحَرِّ، وَالْعُلِّيَّةُ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَبِكَسْرِهَا وَكَسْرِ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتَانِيَّةِ هِيَ الْغُرْفَةُ، وَجَمْعُهَا: عَلَالِيُّ، وَالْأَصْلُ عُلِّيْوَةٌ، فَأُبْدِلَتِ الْوَاوُ يَاءً وَأُدْغِمَتْ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ الْمُبَارَكِ: فِي ظِلِّ عُلُّولَةٍ.
قَوْلُهُ: (يَسْتَطْعِمُهُ الْحَدِيثَ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: بِالْحَدِيثِ أَيْ يَسْتَفْتِحُ الْحَدِيثَ، وَيَطْلُبُ مِنْهُ التَّحْدِيثَ.
قَوْلُهُ: (إِنِّي احْتَسَبْتُ عِنْدَ اللَّهِ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: أَحْتَسِبُ، وَكَذَا فِي رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ، وَمَعْنَاهُ: أَنَّهُ يَطْلُبُ بِسُخْطِهِ عَلَى الطَّوَائِفِ الْمَذْكُورِينَ مِنَ اللَّهِ الْأَجْرَ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحُبَّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضَ فِي اللَّهِ مِنَ الْإِيمَانِ.
قَوْلُهُ: (سَاخِطًا) فِي رِوَايَةِ سُكَيْنٍ لَائِمًا.
قَوْلُهُ: (إِنَّكُمْ يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ) فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْمُبَارَكِ الْعَرِيبِ.
قَوْلُهُ: (كُنْتُمْ عَلَى الْحَالِ الَّذِي عَلِمْتُمْ) فِي رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ: عَلَى الْحَالِ الَّتِي كُنْتُمْ عَلَيْهَا فِي جَاهِلِيَّتِكُمْ، قَوْلُهُ: (وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَنْقَذَكُمْ بِالْإِسْلَامِ، وَبِمُحَمَّدٍ ﵊ فِي رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ: وَإِنَّ اللَّهَ نَعَشَكُمْ، بِفَتْحِ النُّونِ وَالْمُهْمَلَةِ ثُمَّ مُعْجَمَةٍ، وَسَيَأْتِي فِي أَوَائِلِ الِاعْتِصَامِ مِنْ رِوَايَةِ مُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ عَوْفٍ: أَنَّ أَبَا الْمِنْهَالِ حَدَّثَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا بَرْزَةَ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ يُغْنِيكُمْ، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ هُوَ الْبُخَارِيُّ: وَقَعَ هُنَا يُغْنِيكُمْ، يَعْنِي بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا نُونٌ مَكْسُورَةٌ ثُمَّ تَحْتَانِيَّةٌ سَاكِنَةٌ، قَالَ: وَإِنَّمَا هُوَ: نَعَشَكُمْ، يُنْظَرُ فِي أَصْلِ الِاعْتِصَامِ، كَذَا وَقَعَ عِنْدَ الْمُسْتَمْلِي، وَوَقَعَ عِنْدَ ابْنِ السَّكَنِ: نَعَشَكُمْ، عَلَى الصَّوَابِ، وَمَعْنَى نَعَشَكُمْ: رَفَعَكُمْ وَزْنُهُ وَمَعْنَاهُ، وَقِيلَ: عَضَّدَكُمْ وَقَوَّاكُمْ.
قَوْلُهُ: (إِنَّ ذَاكَ الَّذِي بِالشَّامِ) زَادَ يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ: يَعْنِي مَرْوَانَ وَفِي رِوَايَةِ سُكَيْنٍ: عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى.
قَوْلُهُ: (وَإِنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ) فِي رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ، وَابْنِ الْمُبَارَكِ نَحْوُهُ: إِنَّ الَّذِينَ حَوْلَكُمُ الَّذِينَ تَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ قُرَّاؤُكُمْ، وَفِي رِوَايَةِ سُكَيْنٍ، وَذَكَرَ نَافِعُ بْنُ الْأَزْرَقِ وَزَادَ فِي آخِرِهِ فَقَالَ أَبِي: فَمَا تَأْمُرُنِي إِذًا؟ فَإِنِّي لَا أَرَاكَ تَرَكْتَ أَحَدًا، قَالَ: لَا أَرَى خَيْرَ النَّاسِ الْيَوْمَ إِلَّا عِصَابَةً خِمَاصَ الْبُطُونِ مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ خِفَافَ الظُّهُورِ مِنْ دِمَائِهِمْ، وَفِي رِوَايَةِ سُكَيْنٍ: إِنَّ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَيَّ لَهَذِهِ الْعِصَابَةُ الْخَمِصَةُ بُطُونُهُمْ مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ الْخَفِيفَةُ ظُهُورُهُمْ مِنْ دِمَائِهِمْ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَبَا بَرْزَةَ كَانَ يَرَى الِانْعِزَالَ فِي الْفِتْنَةِ وَتَرْكَ الدُّخُولِ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْ قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ ذَلِكَ فِي طَلَبِ الْمُلْكِ. وَفِيهِ اسْتِشَارَةُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ عِنْدَ نُزُولِ الْفِتَنِ، وَبَذْلُ الْعَالِمِ النَّصِيحَةَ لِمَنْ يَسْتَشِيرُهُ، وَفِيهِ الِاكْتِفَاءُ فِي إِنْكَارِ الْمُنْكَرِ بِالْقَوْلِ، وَلَوْ فِي غَيْبَةِ مَنْ يُنْكِرُ عَلَيْهِ؛ لِيَتَّعِظَ مَنْ يَسْمَعُهُ، فَيَحْذَرَ مِنَ