لِقَوْمِهِ: إِنِّي أُطْفي عَنْكُمْ نَارَ الْحِدْثَانِ …
فَذَكَرَ الْقِصَّةَ، وَفِيهَا: فَانْطَلَقَ وَهِيَ تَخْرُجُ مِنْ شَقِّ جَبَلٍ مِنْ حَرَّةٍ. يُقَالُ لَهَا: حَرَّةُ أَشْجَعَ، فَذَكَرَ الْقِصَّةَ فِي دُخُولِهِ الشَّقَّ وَالنَّارُ كَأَنَّهَا جَبَلُ سَقَرَ: فَضَرَبَهَا بِعَصَاهُ حَتَّى أَدْخَلَهَا وَخَرَجَ، وَقَدْ أَوْرَدْتُ لِهَذِهِ الْقِصَّةِ طَرَفًا مِنْ تَرْجَمَتِهِ فِي كِتَابِي فِي الصَّحَابَةِ.
قَوْلُهُ: (تُضِيءُ أَعْنَاقُ الْإِبِلِ بِبُصْرَى) قَالَ ابْنُ التِّينِ: يَعْنِي مِنْ آخِرِهَا يَبْلُغُ ضَوْؤُهَا إِلَى الْإِبِلِ الَّتِي تَكُونُ بِبُصْرَى، وَهِيَ مِنْ أَرْضِ الشَّامِ، وَأَضَاءَ يَجِيءُ لَازِمًا وَمُتَعَدِّيًا، يُقَالُ: أَضَاءَتِ النَّارُ وَأَضَاءَتِ النَّارُ غَيْرَهَا وَبُصْرَى بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ، وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ مَقْصُورٌ: بَلَدٌ بِالشَّامِ، وَهِيَ حَوْرَانُ. وَقَالَ أَبُو الْبَقَاءِ: أَعْنَاقٌ بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّ تُضِيءُ مُتَعَدٍّ وَالْفَاعِلُ النَّارُ، أَيْ: تَجْعَلُ عَلَى أَعْنَاقِ الْإِبِلِ ضَوْءًا، قَالَ: وَلَوْ رَوَى بِالرَّفْعِ لَكَانَ مُتَّجِهًا، أَيْ: تُضِيءُ أَعْنَاقُ الْإِبِلِ بِهِ، كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ أَضَاءَتْ لَهُ قُصُورُ الشَّامِ، وَقَدْ وَرَدَتْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ زِيَادَةٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ التَّنُوخِيِّ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَرْفَعُهُ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَسِيلَ وَادٍ مِنْ أَوْدِيَةِ الْحِجَازِ بِالنَّارِ تُضِيءُ لَهُ أَعْنَاقُ الْإِبِلِ بِبُصْرَى، وَعُمَرُ ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ، وَلَيَّنَهُ ابْنُ عَدِيٍّ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَهَذَا يَنْطَبِقُ عَلَى النَّارِ الْمَذْكُورَةِ الَّتِي ظَهَرَتْ فِي الْمِائَةِ السَّابِعَةِ. وَأَخْرَجَ أَيْضًا الطَّبَرَانِيُّ فِي آخِرِ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ الَّذِي مَضَى التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ وَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَخْرُجَ نَارٌ مِنْ رُومَانَ أَوْ رَكُوبَةٍ تُضِيءُ مِنْهَا أَعْنَاقُ الْإِبِلِ بِبُصْرَى.
قُلْتُ: وَرَكُوبَةٌ ثَنِيَّةٌ صَعْبَةُ الْمُرْتَقَى فِي طَرِيقِ الْمَدِينَةِ إِلَى الشَّامِ، مَرَّ بِهَا النَّبِيُّ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، ذَكَرَهُ الْبَكْرِيُّ، وَرُومَانُ لَمْ يَذْكُرْهُ الْبَكْرِيُّ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ رُومَةُ الْبِئْرِ الْمَعْرُوفَةُ بِالْمَدِينَةِ، فَجَمَعَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيْنَ النَّارَيْنِ، وَأَنَّ إِحْدَاهُمَا تَقَعُ قَبْلَ قِيَامِ السَّاعَةِ مَعَ جُمْلَةِ الْأُمُورِ الَّتِي أَخْبَرَ بِهَا الصَّادِقُ ﷺ ; وَالْأُخْرَى هِيَ الَّتِي يَعْقُبُهَا قِيَامُ السَّاعَةِ بِغَيْرِ تَخَلُّلِ شَيْءٍ آخَرَ، وَتَقَدُّمُ الثَّانِيَةِ عَلَى الْأُولَى فِي الذِّكْرِ لَا يَضُرُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ الْكِنْدِيُّ) هُوَ أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ وَصِفَتِهِ، وَهُوَ مِنَ الطَّبَقَةِ الْوُسْطَى الثَّالِثَةِ مِنْ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ، وَعَاشَ بَعْدَ الْبُخَارِيِّ سَنَةً وَاحِدَةً، وَعُبَيْدُ اللَّهِ هُوَ ابْنُ عُمَرَ بْنُ حَفْصِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الْعُمَرِيُّ.
قَوْلُهُ: (عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بِمُعْجَمَةٍ وَمُوَحَّدَتَيْنِ مُصَغَّرٌ وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خُبَيْبِ بْنِ يَسَافٍ الْأَنْصَارِيُّ.
قَوْلُهُ: (عَنْ جَدِّهِ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ) أَيِ ابْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَالضَّمِيرُ لِعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، لَا لِشَيْخِهِ.
قَوْلُهُ: (يُوشِكُ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ يَقْرُبُ.
قَوْلُهُ: (أَنْ يَحْسِرَ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ ثَانِيهِ وَكَسْرِ ثَالِثِهِ وَالْحَاءُ وَالسِّينُ مُهْمَلَتَانِ: أَيْ يَنْكَشِفُ.
قَوْلُهُ: (الْفُرَاتُ) أَيِ النَّهَرُ الْمَشْهُورُ، وَهُوَ بِالتَّاءِ الْمَجْرُورَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَيُقَالُ: يَجُوزُ أَنَّهُ يُكْتَبُ بِالْهَاءِ كَالتَّابُوتِ وَالتَّابُوهِ وَالْعَنْكَبُوتِ وَالْعَنْكَبُوهِ أَفَادَهُ الْكَمَالُ بْنُ الْعَدِيمِ فِي تَارِيخِهِ نَقْلًا عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ اللَّيْثِ.
قَوْلُهُ: (فَمَنْ حَضَرَهُ فَلَا يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا) هَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّ الْأَخْذَ مِنْهُ مُمْكِنٌ، وَعَلَى هَذَا فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ دَنَانِيرَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قِطَعًا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تِبْرًا.
قَوْلُهُ: (قَالَ عُقْبَةُ) هُوَ ابْنُ خَالِدٍ، وَهُوَ مَوْصُولٌ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ هُوَ وَالَّذِي قَبْلَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ سُفْيَانَ، وَأَبِي الْقَاسِمِ الْبَغَوِيِّ، وَالْفَضْلِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَخْلَدِيِّ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْأَشَجِّ، عَنِ الشَّيْخَيْنِ.
قَوْلُهُ: (وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ) هُوَ ابْنُ عُمَرَ الْمَذْكُورُ.
قَوْلُهُ: (قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ) يَعْنِي أَنَّ لِعُبَيْدِ اللَّهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِسْنَادَيْنِ.
قَوْلُهُ: (يَحْسِرَ جَبَلٌ مِنْ ذَهَبٍ) يَعْنِي أَنَّ الرِّوَايَتَيْنِ اتَّفَقَتَا إِلَّا فِي قَوْلِهِ كَنْزٌ، فَقَالَ الْأَعْرَجُ: جَبَلٌ، وَقَدْ سَاقَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ الْحَدِيثَيْنِ بِسَنَدٍ وَاحِدٍ مِنْ رِوَايَةِ بَكْرِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُقْبِلٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْأَشَجِّ، وَفَرَّقَهُمَا، وَلَفْظُهُمَا وَاحِدٌ إِلَّا لَفْظَ كَنْزٍ وَجَبَلٍ، وَتَسْمِيَتُهُ كَنْزًا بِاعْتِبَارِ حَالِهِ قَبْلَ أَنْ يَنْكَشِفَ، وَتَسْمِيَتُهُ جَبَلًا لِلْإِشَارَةِ إِلَى كَثْرَتِهِ، وَيُؤَيِّدُهُ