وَوَرَاءَهُمْ ثَلَاثُ أُمَمٍ، وَلَنْ يَمُوتَ مِنْهُمْ رَجُلٌ إِلَّا تَرَكَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ أَلْفًا فَصَاعِدًا، وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ مِثْلَهُ، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: الْجِنُّ وَالْإِنْسُ عَشَرَةُ أَجْزَاءٍ، فَتِسْعَةُ أَجْزَاءٍ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ، وَجُزْءٌ سَائِرُ النَّاسِ، وَمِنْ طَرِيقِ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ كَعْبٍ قَالَ: هُمْ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ، صِنْفٌ أَجْسَادُهُمْ كَالْأَرْزِ، بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ ثُمَّ زَايٍ هُوَ شَجَرٌ كِبَارٌ جِدًّا، وَصِنْفٌ أَرْبَعَةُ أَذْرُعٍ فِي أَرْبَعَةِ أَذْرُعٍ، وَصِنْفٌ يَفْتَرِشُونَ آذَانَهُمْ وَيَلْتَحِفُونَ بِالْأُخْرَى. وَوَقَعَ نَحْوُ هَذَا فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ. وَأَخْرَجَ أَيْضًا هُوَ وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْجَوْزَاءِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ شِبْرًا شِبْرًا وَشِبْرَيْنِ شِبْرَيْنِ، وَأَطْوَلُهُمْ ثَلَاثَةُ أَشْبَارٍ، وَهُمْ مِنْ وَلَدِ آدَمَ، وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ: وُلِدَ لِنُوحٍ سَامٌ، وَحَامٌ، وَيَافِثُ، فَوُلِدَ لِسَامٍ الْعَرَبُ وَفَارِسُ وَالرُّومُ، وَوُلِدَ لِحَامٍ الْقِبْطُ وَالْبَرْبَرُ وَالسُّودَانُ، وَوُلِدَ لِيَافِثَ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَالتُّرْكُ وَالصَّقَالِبَةُ، وَفِي سَنَدِهِ ضَعْفٌ.
وَمِنْ رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ ثِنْتَانِ وَعِشْرُونَ قَبِيلَةً، بَنَى ذُو الْقَرْنَيْنِ السَّدَّ عَلَى إِحْدَى وَعِشْرِينَ، وَكَانَتْ مِنْهُمْ قَبِيلَةٌ غَائِبَةٌ فِي الْغَزْوِ، وَهُمُ الْأَتْرَاكُ، فَبَقُوا دُونَ السَّدِّ، وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ، قَالَ: التُّرْكُ سَرِيَّةٌ مِنْ سَرَايَا يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، خَرَجَتْ تُغِيرُ فَجَاءَ ذُو الْقَرْنَيْنِ فَبَنَى السَّدَّ فَبَقُوا خَارِجًا. وَوَقَعَ فِي فَتَاوَى الشَّيْخِ مُحْيِي الدِّينِ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ مِنْ أَوْلَادِ آدَمَ، لَا مِنْ حَوَّاءَ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ، فَيَكُونُ إِخْوَانُنَا لِأَبٍ كَذَا قَالَ، وَلَمْ نَرَ هَذَا عَنْ أَحَدٍ مِنَ السَّلَفِ إِلَّا عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ، وَيَرُدُّهُ الْحَدِيثُ الْمَرْفُوعُ: أَنَّهُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ نُوحٍ وَنُوحٌ مِنْ ذُرِّيَّةِ حَوَّاءَ قَطْعًا.
قَوْلُهُ: (وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ) هُوَ ابْنُ أُوَيْسٍ عَبْدُ اللَّهِ الْأَصْبَحِيُّ، وَأَخُوهُ هُوَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْحَمِيدِ، وَسُلَيْمَانُ هُوَ ابْنُ بِلَالٍ. وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَتِيقٍ نُسِبَ لِجَدِّهِ وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، وَهَذَا السَّنَدُ كُلُّهُ مَدَنِيُّونَ، وَهُوَ أَنْزَلُ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ بِدَرَجَتَيْنِ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ أَطْوَلُ سَنَدًا فِي الْبُخَارِيِّ، فَإِنَّهُ تُسَاعِيٌّ، وَغَفَلَ الزَّرْكَشِيُّ فَقَالَ: فِيهِ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ صَحَابِيَّاتٍ، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ، بَلْ فِيهِ ثَلَاثَةٌ، كَمَا قَدَّمْتُ إِيضَاحَهُ فِي أَوَائِلِ الْفِتَنِ فِي بَابِ قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: وَيْلٌ لِلْعَرَبِ، وَذَكَرْتُ هُنَاكَ الِاخْتِلَافَ عَلَى سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ فِي زِيَادَةِ حَبِيبَةَ بِنْتِ أُمِّ حَبِيبَةَ فِي الْإِسْنَادِ.
قَوْلُهُ: (إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ دَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمًا فَزِعًا) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَكَسْرِ الزَّايِ، فِي رِوَايَةِ ابْنِ عُيَيْنَةَ: اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ ﷺ مِنَ النَّوْمِ مُحْمَرًّا وَجْهُهُ يَقُولُ: فَيُجْمَعُ عَلَى أَنَّهُ دَخَلَ عَلَيْهَا بَعْدَ أَنِ اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ ﷺ فَزِعًا، وَكَانَتْ حُمْرَةُ وَجْهِهِ مِنْ ذَلِكَ الْفَزَعِ، وَجُمِعَ بَيْنَهُمَا فِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ كَثِيرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عِنْدَ أَبِي عَوَانَةَ فَقَالَ: فَزِعًا مُحْمَرًّا وَجْهُهُ.
قَوْلُهُ: (وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ) خُصَّ الْعَرَبُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا حِينَئِذٍ مُعْظَمَ مَنْ أَسْلَمَ، وَالْمُرَادُ بِالشَّرِّ مَا وَقَعَ بَعْدَهُ مِنْ قَتْلِ عُثْمَانَ، ثُمَّ تَوَالَتِ الْفِتَنُ حَتَّى صَارَتِ الْعَرَبُ بَيْنَ الْأُمَمِ كَالْقَصْعَةِ بَيْنَ الْأَكَلَةِ كَمَا وَقَعَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الْأُمَمُ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا وَأَنَّ الْمُخَاطَبَ بِذَلِكَ الْعَرَبُ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالشَّرِّ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ: مَاذَا أُنْزِلَ اللَّيْلَةَ مِنَ الْفِتَنِ، وَمَاذَا أُنْزِلَ مِنَ الْخَزَائِنِ فَأَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى الْفُتُوحِ الَّتِي فُتِحَتْ بَعْدَهُ، فَكَثُرَتِ الْأَمْوَالُ فِي أَيْدِيهِمْ، فَوَقَعَ التَّنَافُسُ الَّذِي جَرَّ الْفِتَنَ، وَكَذَلِكَ التَّنَافُسُ عَلَى الْإِمْرَةِ، فَإِنَّ مُعْظَمَ مَا أَنْكَرُوهُ عَلَى عُثْمَانَ تَوْلِيَةُ أَقَارِبِهِ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ وَغَيْرِهِمْ، حَتَّى أَفْضَى ذَلِكَ أَنْ قَتَلَهُ، وَتَرَتَّبَ عَلَى قَتْلِهِ مِنَ الْقِتَالِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مَا اشْتُهِرَ وَاسْتَمَرَّ.
قَوْلُهُ: (فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ) الْمُرَادُ بِالرَّدْمِ السَّدُّ الَّذِي بَنَاهُ ذُو الْقَرْنَيْنِ، وَقَدْ قَدَّمْتُ صِفَتَهُ فِي تَرْجَمَتِهِ مِنْ أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ.
قَوْلُهُ: (مِثْلُ هَذِهِ وَحَلَّقَ بِأُصْبُعَيْهِ الْإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا) أَيْ جَعَلَهُمَا مِثْلَ الْحَلَقَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَعَقَدَ سُفْيَانُ تِسْعِينَ أَوْ مِائَةً، وَفِي رِوَايَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute