اللَّهُ عَلَيْهِ) كَذَا لِلْكُشْمِيهَنِيِّ، وَلِلسَّرْخَسِيِّ، وَالْمُسْتَمْلِي وَمَنْ يُشَاقِقْ يَشْقُقِ اللَّهُ عَلَيْهِ بِصِيغَةِ الْمُضَارَعَةِ وَبِفَكِّ الْقَافِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَفِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ زُهَيْرٍ التَّسَتُّرِيِّ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ شَاهِينَ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ وَمَنْ يُشَاقِقْ يَشُقُّ اللَّهُ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (فَقَالُوا: أَوْصِنَا، فَقَالَ: إِنَّ أَوَّلَ مَا يُنْتِنُ مِنَ الْإِنْسَانِ بَطْنُهُ) يَعْنِي بَعْدَ الْمَوْتِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي رِوَايَةِ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ، عَنْ جُنْدُبٍ وَلَفْظُهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ أَوَّلَ مَا يُنْتِنُ مِنْ أَحَدِكُمْ إِذَا مَاتَ بَطْنُهُ.
قَوْلُهُ (فَمَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَأْكُلَ إِلَّا طَيِّبًا فَلْيَفْعَلْ) فِي رِوَايَةِ صَفْوَانَ فَلَا يُدْخِلْ بَطْنَهُ إِلَّا طَيِّبًا هَكَذَا وَقَعَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مَوْقُوفًا، وَكَذَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ - هُوَ الْبَصْرِيُّ - عَنْ جُنْدُبٍ مَوْقُوفًا، وَأَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ، وَسِيَاقُهُ يَحْتَمِلُ الرَّفْعَ وَالْوَقْفَ، فَإِنَّهُ صُدِّرَ بِقَوْلِهِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: مَنْ سَمَّعَ. . الْحَدِيثَ وَاعْلَمُوا أَنَّ أَوَّلَ مَا يُنْتِنُ وَيُنْتِنُ بِنُونٍ وَمُثَنَّاةٍ وَضَمِّ أَوَّلِهِ مِنَ الرُّبَاعِيِّ وَمَاضِيهِ: أَنْتَنَ، وَنَتَنَ، وَالنَّتْنُ الرَّائِحَةُ الْكَرِيهَةُ.
قَوْلُهُ (وَمَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يُحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ بِمِلْءِ كَفٍّ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ يَحُولَ وَبِلَفْظِ مِلْءِ بِغَيْرِ مُوَحَّدَةٍ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ وَالْأَصِيلِيِّ: كَفِّهِ.
قَوْلُهُ (مِنْ دَمٍ هَرَاقَهُ) أَيْ صَبَّهُ (فَلْيَفْعَلْ) قَالَ ابْنُ التِّينِ: وَقَعَ فِي رِوَايَتِنَا أَهْرَاقَهُ وَهُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا. قُلْتُ: هِيَ لِمَنْ عَدَا أَبَا ذَرٍّ، كَذَا وَقَعَ هَذَا الْمَتْنُ أَيْضًا مَوْقُوفًا، وَكَذَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ وَمِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ جُنْدُبٍ مَوْقُوفًا، وَزَادَ الْحَسَنُ بَعْدَ قَوْلِهِ يُهْرِيقُهُ: كَأَنَّمَا يَذْبَحُ دَجَاجَةً، كُلَّمَا تَقَدَّمَ لِبَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وَوَقَعَ مَرْفُوعًا عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ جُنْدُبٍ وَلَفْظُهُ: تَعْلَمُونَ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: لَا يَحُولَنَّ بَيْنَ أَحَدِكُمْ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ وَهُوَ يَرَاهَا مِلْءُ كَفِّ دَمٍ مِنْ مُسْلِمٍ أَهْرَاقَهُ بِغَيْرِ حِلِّهِ. وَهَذَا لَوْ لَمْ يَرِدْ مُصَرَّحًا بِرَفْعِهِ لَكَانَ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ، وَهُوَ وَعِيدٌ شَدِيدٌ لِقَتْلِ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ. قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: فِي مَعْنَى قَوْلِهِ مِلْءِ كَفٍّ مِنْ دَمٍ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ مِقْدَارِ دَمِ إِنْسَانٍ وَاحِدٍ، كَذَا قَالَ وَمِنْ أَيْنَ هَذَا الْحَصْرُ؟ وَالْمُتَبَادِرُ أَنَّ ذِكْرَ مِلْءِ الْكَفِّ كَالْمِثَالِ، وَإِلَّا فَلَوْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ لَكَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ. وَعِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي تَمِيمَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا يَحُولَنَّ بَيْنَ أَحَدِكُمْ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ. فَذَكَرَ نَحْوَ رِوَايَةِ الْجُرَيْرِيِّ وَزَادَ فِي آخِرِهِ: قَالَ: فَبَكَى الْقَوْمُ، فَقَالَ جُنْدُبٌ: لَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ قَطُّ قَوْمًا أَحَقَّ بِالنَّجَاةِ مِنْ هَؤُلَاءِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ.
قُلْتُ: وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ السِّرُّ فِي تَصْدِيرِهِ كَلَامِهِ بِحَدِيثِ مَنْ سَمَّعَ وَكَأَنَّهُ تَفَرَّسَ فِيهِمْ ذَلِكَ، وَلِهَذَا قَالَ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ وَلَقَدْ صَدَقَتْ فِرَاسَتُهُ؛ فَإِنَّهُمْ لَمَّا خَرَجُوا بَذَلُوا السَّيْفَ فِي الْمُسْلِمِينَ، وَقَتَلُوا الرِّجَالَ وَالْأَطْفَالَ، وَعَظُمَ الْبَلَاءُ بِهِمْ، كَمَا تَقَدَّمَتْ إِلَيْهِ الْإِشَارَةُ فِي كِتَابِ الْمُحَارِبِينَ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: الْمُشَاقَّةُ فِي اللُّغَةِ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الشِّقَاقِ وَهُوَ الْخِلَافُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى﴾ وَالْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ النَّهْيُ عَنِ الْقَوْلِ الْقَبِيحِ فِي الْمُؤْمِنِينَ وَكَشْفِ مسَاوِيهِمْ وَعُيُوبِهِمْ، وَتَرْكُ مُخَالَفَةِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ، وَالنَّهْيُ عَنْ إِدْخَالِ الْمَشَقَّةِ عَلَيْهِمْ وَالْإِضْرَارِ بِهِمْ، قَالَ صَاحِبُ الْعَيْنِ: شَقَّ الْأَمْرُ عَلَيْكَ مَشَقَّةً أَضَرَّ بِكَ، انْتَهَى. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ جَعَلَ الْمَشَقَّةَ وَالْمُشَاقَّةَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ فَقَدْ جَوَّزَ الْخَطَّابِيُّ فِي هَذَا أَنْ تَكُونَ الْمَشَقَّةُ مِنَ الْإِضْرَارِ فَيَحْمِلُ النَّاسَ عَلَى مَا يَشُقُّ عَلَيْهِمْ، وَأَنْ تَكُونَ مِنَ الشِّقَاقِ وَهُوَ الْخِلَافُ وَمُفَارَقَةُ الْجَمَاعَةِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ فِي شِقٍّ أَيْ نَاحِيَةٍ عَنِ الْجَمَاعَةِ، وَرَجَّحَ الدَّاوُدِيُّ الثَّانِي، وَمِنَ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ ﷺ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ: اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَوَقَعَ لِغَيْرِ أَبِي ذَرٍّ فِي آخِرِ هَذَا الْحَدِيثِ. قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: مَنْ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute