قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا عَبَّادٌ) هُوَ ابْنُ عَبَّادٍ الْمُهَلَّبِيُّ، وَقَدْ نَزَلَ الْبُخَارِيُّ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ لِأَنَّهُ قَدْ سَمِعَ مِنْ شَيْخِ شَيْخِهِ سَعِيدِ بْنِ سُلَيْمَانَ، بَلْ سَمِعَ مِنْ أَبِي عَاصِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ عَوْنٍ فَيَقَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِ عَوْنٍ وَاحِدٌ، وَهُنَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ ثَلَاثة أَنْفُسٍ.
قَوْلُهُ: (لَمَّا حَلَقَ)؛ أَيْ: أَمَرَ الْحَلَّاقَ فَحَلَقَهُ، فَأَضَافَ الْفِعْلَ إِلَيْهِ مَجَازًا، وَكَانَ ذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ.
قَوْلُهُ: (كَانَ أَبُو طَلْحَةَ) يَعْنِي الْأَنْصَارِيَّ زَوْجَ أُمِّ سُلَيْمٍ وَالِدَةِ أَنَسٍ، وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْمَذْكُورِ أَبَيْنَ مِمَّا سَاقَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ وَلَفْظُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَمَرَ الْحَلَّاقَ فَحَلَقَ رَأْسَهُ، وَدَفَعَ إِلَى أَبِي طَلْحَةَ الشِّقَّ الْأَيْمَنَ، ثُمَّ حَلَقَ الشِّقَّ الْآخَرَ فَأَمَرَهُ أَنْ يَقْسِمَهُ بَيْنَ النَّاسِ.
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ بِلَفْظِ لَمَّا رَمَى الْجَمْرَةَ وَنَحَرَ نُسُكَهُ نَاوَلَ الْحَالِقَ شِقَّهُ الْأَيْمَنَ فَحَلَقَهُ، ثُمَّ دَعَا أَبَا طَلْحَةَ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ، ثُمَّ نَاوَلَهُ الشِّقَّ الْأَيْسَرَ فَحَلَقَهُ فَأَعْطَاهُ أَبَا طَلْحَةَ فَقَالَ: اقْسِمْهُ بَيْنَ النَّاسِ، وَلَهُ مِنْ رِوَايَةِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، عَنْ هِشَامٍ أَنَّهُ قَسَمَ الْأَيْمَنَ فِيمَنْ يَلِيهِ، وَفِي لَفْظٍ فَوَزَّعَهُ بَيْنَ النَّاسِ الشَّعْرَةَ وَالشَّعْرَتَيْنِ، وَأَعْطَى الْأَيْسَرَ أُمَّ سُلَيْمٍ، وَفِي لَفْظٍ أَبَا طَلْحَةَ وَلَا تَنَاقُضَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَاتِ، بَلْ طَرِيقُ الْجَمْعِ بَيْنَهُا أَنَّهُ نَاوَلَ أَبَا طَلْحَةَ كُلًّا مِنَ الشِّقَّيْنِ فَأَمَّا الْأَيْمَنُ فَوَزَّعَهُ أَبُو طَلْحَةَ بِأَمْرِهِ وَأَمَّا الْأَيْسَرُ فَأَعْطَاهُ لِأُمِّ سُلَيْمٍ زَوْجَتِهِ بِأَمْرِهِ ﷺ أَيْضًا، زَادَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ لَهُ لِتَجْعَلَهُ فِي طِيبِهَا، وَعَلَى هَذَا فَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ يَقْسِمُهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي عَوَانَةَ يَعُودُ عَلَى الشِّقِّ الْأَيْمَنِ، وَكَذَا قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عُيَيْنَةَ؛ فَقَالَ: اقْسِمْهُ بَيْنَ النَّاسِ، قال: النَّوَوِيُّ: فِيهِ اسْتِحْبَابُ الْبَدَاءَةِ بِالشِّقِّ الْأَيْمَنِ مِنْ رَأْسِ الْمَحْلُوقِ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَفِيهِ طَهَارَةُ شَعْرِ الْآدَمِيِّ وَبِهِ قال: الْجُمْهُورُ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَنَا، وَفِيهِ التَّبَرُّكُ بِشَعْرِهِ ﷺ وَجَوَازُ اقْتِنَائِهِ، وَفِيهِ الْمُوَاسَاةُ بَيْنَ الْأَصْحَابِ فِي الْعَطِيَّةِ وَالْهَدِيَّةِ. أَقُولُ: وَفِيهِ أَنَّ الْمُوَاسَاةَ لَا تَسْتَلْزِمُ الْمُسَاوَاةَ.
وَفِيهِ تَنْفِيلُ مَنْ يَتَوَلَّى التَّفْرِقَةَ عَلَى غَيْرِهِ، قال: وَاخْتَلَفُوا فِي اسْمِ الْحَالِقِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَعْمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ كَمَا ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ، وَقِيلَ: هُوَ خِرَاشُ بْنُ أُمَيَّةَ وَهُوَ بِمُعْجَمَتَيْنِ اهـ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ خِرَاشًا كَانَ الْحَالِقَ بِالْحُدَيْبِيَةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَعَ هُنَا - فِي رِوَايَةِ ابْنِ عَسَاكِرَ - قَبْلَ إِيرَادِ حَدِيثِ مَالِكٍ بَابُ إِذَا شَرِبَ الْكَلْبُ فِي الْإِنَاءِ.
١٧٢ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قال: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، قال: إِذَا شَرِبَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعًا.
قَوْلُهُ (إِذَا شَرِبَ) كَذَا هُوَ فِي الْمُوَطَّأِ، وَالْمَشْهُورُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ رِوَايَةِ جُمْهُورِ أَصْحَابِهِ عَنْهُ إِذَا وَلَغَ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ فِي اللُّغَةِ، يُقَالُ: وَلَغَ يَلَغُ - بِالْفَتْحِ فِيهِمَا - إِذَا شَرِبَ بِطَرَفِ لِسَانِهِ، أَوْ أَدْخَلَ لِسَانَهُ فِيهِ فَحَرَّكَهُ، وَقَالَ ثَعْلَبٌ: هُوَ أَنْ يُدْخِلَ لِسَانَهُ فِي الْمَاءِ وَغَيْرِهِ مِنْ كُلِّ مَائِعٍ فَيُحَرِّكَهُ، زَادَ ابْنُ دُرُسْتَوَيْهِ: شَرِبَ أَوْ لَمْ يَشْرَبْ. وَقَالَ ابْنُ مَكِّيٍّ: فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَائِعٍ يُقَالُ لَعِقَهُ. وَقَالَ الْمُطَرِّزِيُّ: فَإِنْ كَانَ فَارِغًا يُقَالُ لَحِسَهُ.
وَادَّعَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ لَفْظَ شَرِبَ لَمْ يَرْوِهِ إِلَّا مَالِكٌ، وَأَنَّ غَيْرَهُ رَوَاهُ بِلَفْظِ وَلَغَ، وَلَيْسَ كَمَا ادَّعَى فَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ مِنْ طَرِيقَيْنِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ إِذَا شَرِبَ، لَكِنَّ الْمَشْهُورَ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ بِلَفْظِ إِذَا وَلَغَ، كَذَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ مِنْ طُرُقٍ عَنْهُ، وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ شَيْخُ مَالِكٍ بِلَفْظِ