للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قَوْلُهُ (بَابُ الْعُرَفَاءِ لِلنَّاسِ) بِالْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ جَمْعُ عَرِيفٍ بِوَزْنِ عَظِيمٍ، وَهُوَ الْقَائِمُ بِأَمْرِ طَائِفَةٍ مِنَ النَّاسِ: مِنْ عَرَفْتُ بِالضَّمِّ وَبِالْفَتْحِ عَلَى الْقَوْمِ أَعْرُفُ بِالضَّمِّ، فَأَنَا عَارِفٌ وَعَرِيفٌ، أَيْ وُلِّيتُ أَمْرَ سِيَاسَتِهِمْ وَحِفْظَ أُمُورِهِمْ، وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِكَوْنِهِ يَتَعَرَّفُ أُمُورَهُمْ حَتَّى يُعَرِّفَ بِهَا مَنْ فَوْقَهُ عِنْدَ الِاحْتِيَاجِ. وَقِيلَ الْعَرِيفُ دُونَ الْمَنْكِبِ وَهُوَ دُونَ الْأَمِيرِ.

قَوْلُهُ: (إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) هُوَ ابْنُ عُقْبَةَ، وَالسَّنَدُ كُلُّهُ مَدَنِيُّونَ.

قَوْلُهُ: (قَالَ ابْنُ شِهَابٍ) فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ فُلَيْحٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ قَالَ لِيَ ابْنُ شِهَابٍ أَخْرَجَهَا أَبُو نُعَيْمٍ.

قَوْلُهُ: (حِينَ أَذِنَ لَهُمُ الْمُسْلِمُونَ فِي عِتْقِ سَبْيِ هَوَازِنَ) فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ فُلَيْحٍ حَتَّى أَذِنَ لَهُ بِالْأَفْرَادِ وَكَذَا لِلْإِسْمَاعِيلِيِّ، وَأَبِي نُعَيْمٍ، وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الضَّمِيرَ لِلنَّبِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ أَوْ مَنْ أَقَامَهُ فِي ذَلِكَ. وَهَذِهِ الْقِطْعَةُ مُقْتَطَعَةٌ مِنْ قِصَّةِ السَّبْيِ الَّذِي غَنِمَهُ الْمُسْلِمُونَ فِي وَقْعَةِ حُنَيْنٍ وَنُسِبُوا إِلَى هَوَازِنَ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا رَأْسَ تِلْكَ الْوَقْعَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَى ذَلِكَ وَتَفْصِيلُ الْأَمْرِ فِيهِ فِي وَقْعَةِ حُنَيْنٍ، وَأَخْرَجَهَا هُنَاكَ مُطَوَّلَةً مِنْ رِوَايَةِ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ وَفِيهِ: وَإِنِّي رَأَي تُ أَنِّي أَرُدُّ إِلَيْهِمْ سَبْيَهُمْ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُطَيِّبَ بِذَلِكَ فَلْيَفْعَلْ. وَفِيهِ: فَقَالَ النَّاسُ: قَدْ طَيَّبَنَا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ، فَقَالَ: إِنَّا لَا نَدْرِي إِلَخْ.

قَوْلُهُ (مَنْ أَذِنَ فِيكُمْ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ مِنْكُمْ وَكَذَا لِلنَّسَائِيِّ، وَالْإِسْمَاعِيلِيِّ.

قَوْلُهُ (فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ النَّاسَ قَدْ طَيَّبُوا وَأَذِنُوا) تَقَدَّمَ فِي غَزْوَةِ حُنَيْنٍ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ نِسْبَةَ الْإِذْنِ وَغَيْرِهِ إِلَيْهِمْ حَقِيقَةً: وَلَكِنَّ سَبَبَ ذَلِكَ مُخْتَلِفٌ، فَالْأَغْلَبُ الْأَكْثَرُ طَابَتْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ يَرُدُّوا السَّبْيَ لِأَهْلِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَبَعْضُهُمْ رَدَّهُ بِشَرْطِ التَّعْوِيضِ، وَمَعْنَى طَيَّبُوا وَهُوَ بِالتَّشْدِيدِ حَمَلُوا أَنْفُسَهُمْ عَلَى تَرْكِ السَّبَايَا حَتَّى طَابَتْ بِذَلِكَ، يُقَالُ: طَيَّبْتُ نَفْسِي بِكَذَا إِذَا حَمَلْتُهَا عَلَى السَّمَاحِ بِهِ مِنْ غَيْرِ إِكْرَاهٍ فَطَابَتْ بِذَلِكَ، وَيُقَالُ طَيَّبْتُ بِنَفْسِ فُلَانٍ إِذَا كَلَّمْتُهُ بِكَلَامٍ يُوَافِقُهُ، وَقِيلَ هُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ طَابَ الشَّيْءُ إِذَا صَارَ حَلَالًا، وَإِنَّمَا عَدَّاهُ بِالتَّضْعِيفِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ: فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُطَيِّبَ ذَلِكَ أَيْ يَجْعَلَهُ حَلَالًا، وَقَوْلُهُمْ طَيَّبْنَا فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ قَوْلُ الْعُرَفَاءِ أَنَّهُمْ طَيَّبُوا. قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: فِي الْحَدِيثِ مَشْرُوعِيَّةُ إِقَامَةِ الْعُرَفَاءِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُبَاشِرَ جَمِيعَ الْأُمُورِ بِنَفْسِهِ فَيَحْتَاجَ إِلَى إِقَامَةِ مَنْ يُعَاوِنُهُ لِيَكْفِيَهُ مَا يُقِيمُهُ فِيهِ، قَالَ: وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ إِذَا تَوَجَّهَ إِلَى الْجَمِيعِ يَقَعُ التَّوَكُّلُ فِيهِ مِنْ بَعْضِهِمْ فَرُبَّمَا وَقَعَ التَّفْرِيطُ، فَإِذَا أَقَامَ عَلَى كُلِّ قَوْمٍ عَرِيفًا لَمْ يَسَعْ كُلَّ أَحَدٍ إِلَّا الْقِيَامُ بِمَا أُمِرَ بِهِ.

وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ فِي الْحَاشِيَةِ: يُسْتَفَادُ مِنْهُ جَوَازُ الْحُكْمِ بِالْإِقْرَارِ بِغَيْرِ إِشْهَادٍ، فَإِنَّ الْعُرَفَاءَ مَا أَشْهَدُوا عَلَى كُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ شَاهِدَيْنِ بِالرِّضَا، وَإِنَّمَا أَقَرَّ النَّاسَ عِنْدَهُمْ وَهُمْ نُوَّابٌ لِلْإِمَامِ، فَاعْتَبِرْ ذَلِكَ، وَفِيهِ أَنَّ الْحَاكِمَ يَرْفَعُ حُكْمَهُ إِلَى حَاكِمٍ آخَرَ مُشَافَهَةً فَيُنْفِذُهُ إِذَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ. قُلْتُ: وَقَعَ فِي سِيَرِ الْوَاقِدِيِّ أَنَّ أَبَا رُهْمٍ الْغِفَارِيَّ كَانَ يَطُوفُ عَلَى الْقَبَائِلِ حَتَّى جَمَعَ الْعُرَفَاءَ وَاجْتَمَعَ الْأُمَنَاءُ عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ. وَفِيهِ أَنَّ الْخَبَرَ الْوَارِدَ فِي ذَمِّ الْعُرَفَاءِ لَا يَمْنَحُ إِقَامَةَ الْعُرَفَاءِ؛ لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ - إِنْ ثَبَتَ - عَلَى أَنَّ الْغَالِبَ عَلَى الْعُرَفَاءِ الِاسْتِطَالَةُ وَمُجَاوَزَةُ الْحَدِّ، وَتَرْكُ الْإِنْصَافِ الْمُفْضِي إِلَى الْوُقُوعِ فِي الْمَعْصِيَةِ، وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِ يكَرِبَ رَفَعَهُ: الْعَرَافَةُ حَقٌّ، وَلَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ عَرِيفٍ، وَالْعُرَفَاءُ فِي النَّارِ وَلِأَحْمَدَ وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ عَبَّادِ بْنِ أَبِي عَلِيٍّ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ: وَيْلٌ لِلْأُمَرَاءِ، وَيْلٌ لِلْعُرَفَاءِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: قَوْلُهُ: وَالْعُرَفَاءُ فِي النَّارِ. ظَاهِرٌ أُقِيمَ مَقَامَ الضَّمِيرِ يُشْعِرُ بِأَنَّ الْعَرَافَةَ عَلَى خَطَرٍ، وَمَنْ بَاشَرَهَا غَيْرُ آمِنٍ مِنَ الْوُقُوعِ فِي الْمَحْذُورِ الْمُفْضِي إِلَى الْعَذَابِ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا﴾ فَيَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَذَرٍ مِنْهَا لِئَلَّا يَتَوَرَّطَ فِيمَا يُؤَدِّيهِ إِلَى النَّارِ.

قُلْتُ: وَيُؤَيِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ الْحَدِيثُ الْآخَرُ، حَيْثُ تَوَعَّدَ الْأُمَرَاءَ بِمَا تَوَعَّدَ بِهِ الْعُرَفَاءَ،