مَاتَ يَزِيدُ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ، فَبَايَعَهُ النَّاسُ بِالْخِلَافَةِ بِالْحِجَازِ، وَبَايَعَ أَهْلُ الْآفَاقِ لِمُعَاوِيَةَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ فَلَمْ يَعِشْ إِلَّا نَحْوَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَمَاتَ، فَبَايَعَ مُعْظَمُ الْآفَاقِ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَانْتَظَمَ لَهُ مُلْكُ الْحِجَازِ وَالْيَمَنِ، وَمِصْرَ، وَالْعِرَاقِ، وَالْمَشْرِقِ كُلِّهِ وَجَمِيعِ بِلَادِ الشَّامِ حَتَّى دِمَشْقَ، وَلَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْ بَيْعَتِهِ إِلَّا جَمِيعُ بَنِي أُمَيَّةَ، وَمَنْ يَهْوَى هَوَاهُمْ وَكَانُوا بِفِلَسْطِينَ، فَاجْتَمَعُوا عَلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ فَبَايَعُوهُ بِالْخِلَافَةِ، وَخَرَجَ بِمَنْ أَطَاعَهُ إِلَى جِهَةِ دِمَشْقَ
وَالضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ قَدْ بَايَعَ فِيهَا لِابْنِ الزُّبَيْرِ، فَاقْتَتَلُوا: بِمَرْجِ رَاهِطٍ فَقُتِلَ الضَّحَّاكُ وَذَلِكَ فِي ذِي الْحِجَّةِ مِنْهَا، وَغَلَبَ مَرْوَانُ عَلَى الشَّامِ، ثُمَّ لَمَّا انْتَظَمَ لَهُ مُلْكُ الشَّامِ كُلُّهُ تَوَجَّهَ إِلَى مِصْرَ فَحَاصَرَ بِهَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ جَحْدَرٍ عَامِلَ ابْنِ الزُّبَيْرِ حَتَّى غَلَبَ عَلَيْهَا فِي رَبِيعٍ الْآخِرِ سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّينَ ثُمَّ مَاتَ فِي سَنَتِهِ، فَكَانَتْ مُدَّةُ مُلْكِهِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ ; وَعَهِدَ إِلَى ابْنِهِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ فَقَامَ مَقَامَهُ وَكَمُلَ لَهُ مُلْكُ الشَّامِ وَمِصْرَ وَالْمَغْرِبِ، وَلِابْنِ الزُّبَيْرِ مُلْكُ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ وَالْمَشْرِقِ إِلَّا أَنَّ الْمُخْتَارَ بْنَ أَبِي عُبَيْدٍ، غَلَبَ عَلَى الْكُوفَةِ، وَكَانَ يَدْعُو إِلَى الْمَهْدِيِّ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ فَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ نَحْوَ السَّنَتَيْنِ، ثُمَّ سَارَ إِلَيْهِ مُصْعَبُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَمِيرُ الْبَصْرَةِ لِأَخِيهِ فَحَاصَرَهُ حَتَّى قُتِلَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّينَ، وَانْتَظَمَ أَمْرُ الْعِرَاقِ كُلُّهُ لِابْنِ الزُّبَيْرِ فَدَامَ ذَلِكَ إِلَى سَنَةِ إِحْدَى وَسَبْعِينَ، فَسَارَ عَبْدُ الْمَلِكِ إِلَى مُصْعَبٍ فَقَاتَلَهُ حَتَّى قَتَلَهُ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ مِنْهَا وَمَلَكَ الْعِرَاقَ كُلَّهُ، وَلَمْ يَبْقَ مَعَ ابْنِ الزُّبَيْرِ إِلَّا الْحِجَازُ وَالْيَمَنُ فَقَطْ، فَجَهَّزَ إِلَيْهِ عَبْدُ الْمَلِكِ، الْحَجَّاجَ فَحَاصَرَهُ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ إِلَى أَنْ قُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ فِي جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ امْتَنَعَ أَنْ يُبَايِعَ لِابْنِ الزُّبَيْرِ أَوْ لِعَبْدِ الْمَلِكِ كَمَا كَانَ امْتَنَعَ أَنْ يُبَايِعَ لِعَلِيٍّ أَوْ مُعَاوِيَةَ، ثُمَّ بَايَعَ لِمُعَاوِيَةَ لَمَّا اصْطَلَحَ مَعَ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، وَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ، وَبَايَعَ لِابْنِهِ يَزِيدَ بَعْدَ مَوْتِ مُعَاوِيَةَ لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ عَلَيْهِ، ثُمَّ امْتَنَعَ مِنَ الْمُبَايَعَةِ لِأَحَدٍ حَالَ الِاخْتِلَافِ إِلَى أَنْ قُتِلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَانْتَظَمَ الْمُلْكُ كُلُّهُ لِعَبْدِ الْمَلِكِ فَبَايَعَ لَهُ حِينَئِذٍ، فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: لَمَّا اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ.
وَأَخْرَجَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ فِي تَارِيخِهِ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ حَرْبٍ الْعَبْدِيِّ قَالَ: بَعَثُوا إِلَى ابْنِ عُمَرَ لَمَّا بُويِعَ ابْنُ الزُّبَيْرِ فَمَدَّ يَدَهُ وَهِيَ تَرْعُدُ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا كُنْتُ لِأُعْطِي بَيْعَتِي فِي فُرْقَةٍ، وَلَا أَمْنَعُهَا مِنْ جَمَاعَةٍ ثُمَّ لَمْ يَلْبَثِ ابْنُ عُمَرَ أَنْ تُوُفِّيَ فِي تِلْكَ السَّنَةِ بِمَكَّةَ، وَكَانَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَصَّى الْحَجَّاجَ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ فِي مَنَاسِكِ الْحَجِّ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْحَجِّ فَدَسَّ الْحَجَّاجُ عَلَيْهِ الْحَرْبَةَ الْمَسْمُومَةَ، كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْعِيدَيْنِ فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبَ مَوْتِهِ ﵁.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: حَدِيثُ سَلَمَةَ فِي الْمُبَايَعَةِ عَلَى الْمَوْتِ ذَكَرَهُ مُخْتَصَرًا وَقَدْ تَقَدَّمَ بِتَمَامِهِ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ فِي بَابِ الْبَيْعَةِ عَلَى الْحَرْبِ أَنْ لَا يَفِرُّوا.
فَلَمْ أَرَهُمْ يَعْدِلُونَ بِعُثْمَانَ فَلَا تَجْعَلَنَّ عَلَى نَفْسِكَ سَبِيلًا، فَقَالَ: أُبَايِعُكَ عَلَى سُنَّةِ اللَّهِ وَسنة رَسُولِهِ وَالْخَلِيفَتَيْنِ مِنْ بَعْدِهِ، فَبَايَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَبَايَعَهُ النَّاسُ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ، وَأُمَرَاءُ الْأَجْنَادِ، وَالْمُسْلِمُونَ.
الْحَدِيثُ السَّادِسُ: قَوْلُهُ: حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ بِالْجِيمِ مُصَغَّرُ جَارِيَةٍ هُوَ ابْنُ أَسْمَاءَ الضُّبَعِيُّ، وَهُوَ عَمُّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ الرَّاوِي عَنْهُ.
قَوْلُهُ: (أَنَّ الرَّهْطَ الَّذِينَ وَلَّاهُمْ عُمَرُ) أَيْ عَيَّنَهُمْ فَجَعَلَ الْخِلَافَةَ شُورَى بَيْنَهُمْ أَيْ وَلَّاهُمُ التَّشَاوُرَ فِيمَنْ يُعْقَدُ لَهُ الْخِلَافَةُ مِنْهُمْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ مُفَصَّلًا فِي مَنَاقِبِ عُثْمَانَ فِي الْحَدِيثِ الطَّوِيلِ الَّذِي أَوْرَدَهُ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الْأَوْدِيِّ أَحَدِ كِبَارِ التَّابِعِينَ فِي ذِكْرِ قَتْلِ عُمَرَ، وَقَوْلُهُمْ لِعُمَرَ - لَمَّا طَعَنَهُ أَبُو لُؤْلُؤَةَ - اسْتَخْلِفْ فَقَالَ: مَا أَحَدٌ أَحَقُّ بِهَذَا الْأَمْرِ مِنْ هَؤُلَاءِ الرَّهْطِ فَسَمَّى: عَلِيًّا، وَعُثْمَانَ، وَالزُّبَيْرَ، وَطَلْحَةَ، وَسَعْدًا، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ وَفِيهِ: فَلَمَّا فُرِغَ مِنْ دَفْنِهِ اجْتَمَعَ هَؤُلَاءِ الرَّهْطُ وَأَوْرَدَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ جُوَيْرِيَةَ مُطَوَّلًا وَأَوَّلُهُ عِنْدَهُ: لَمَّا طُعِنَ عُمَرُ قِيلَ لَهُ: اسْتَخْلِفْ قَالَ، وَقَدْ رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِهِمْ مَا رَأَيْتُ - إِلَى أَنْ قَالَ - هَذَا الْأَمْرُ بَيْنَ سِتَّةِ رَهْطٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَذَكَرَهُمْ وَبَدَأَ بِعُثْمَانَ ثُمَّ قَالَ: وَعَلِيٌّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَالزُّبَيْرُ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَانْتَظِرُوا أَخَاكُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute