وَنُسِبَ إِلَى الْحَاكِمِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، وَأَنَّهُ ادَّعَى أَنَّهُ شَرْطُ الشَّيْخَيْنِ، وَلَكِنَّهُ غَلَطٌ عَلَى الْحَاكِمِ كَمَا أَوْضَحْتُهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى عُلُومِ الْحَدِيثِ، وَقَوْلُهُ: الصَّدُوقُ قَيْدٌ لَا بُدَّ مِنْهُ، وَإِلَّا فَمُقَابِلُهُ، وَهُوَ الْكَذُوبُ لَا يُحْتَجُّ بِهِ اتِّفَاقًا، وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُعْرَفْ حَالُهُ فَثَالِثُهَا يَجُوزُ إِنِ اعْتَضَدَ وَقَوْلُهُ: وَالْفَرَائِضِ بَعْدَ قَوْلِهِ: فِي الْأَذَانِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ، وَأَفْرَدَ الثَّلَاثَةَ بِالذِّكْرِ لِلِاهْتِمَامِ بِهَا، قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: لِيُعْلَمَ إِنَّمَا هُوَ فِي الْعَمَلِيَّاتِ لَا فِي الِاعْتِقَادِيَّاتِ وَالْمُرَادُ بِقَبُولِ خَبَرِهِ فِي الْأَذَانِ: أَنَّهُ إِذَا كَانَ مُؤْتَمَنًا فَأَذَّنَ تَضَمَّنَ دُخُولَ الْوَقْتِ فَجَازَتْ صَلَاةُ ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَفِي الصَّلَاةِ الْإِعْلَامُ بِجِهَةِ الْقِبْلَةِ، وَفِي الصَّوْمِ الْإِعْلَامُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ أَوْ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَقَوْلُهُ: وَالْأَحْكَامِ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَالْفَرَائِضِ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى عَامٍّ أَخَصُّ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْفَرَائِضَ فَرْدٌ مِنَ الْأَحْكَامِ.
قَوْلُهُ: وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ﴾ الْآيَةَ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ سِيَاقُ الْآيَةِ إِلَى قَوْلِهِ: يَحْذَرُونَ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فِي رِوَايَةٍ غَيْرِهَا الْآيَةَ، وَهَذَا مَصِيرٌ مِنْهُ إِلَى أَنَّ لَفْظَ: طَائِفَةٍ يَتَنَاوَلُ الْوَاحِدَ فَمَا فَوْقَهُ وَلَا يَخْتَصُّ بِعَدَدٍ مُعَيَّنٍ، وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ كَالنَّخَعِيِّ، وَمُجَاهِدٍ نَقَلَهُ الثَّعْلَبِيُّ وَغَيْرُهُ، وَعَنْ عَطَاءٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَابْنِ زَيْدٍ أَرْبَعَةٌ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا مِنْ أَرْبَعَةٍ إِلَى أَرْبَعِينَ، وَعَنِ الزُّهْرِيِّ ثَلَاثَةٌ، وَعَنِ الْحَسَنِ عَشَرَةٌ، وَعَنْ مَالِكٍ أَقَلُّ الطَّائِفَةِ أَرْبَعَةٌ كَذَا أَطْلَقَ ابْنُ التِّينِ، وَمَالِكٌ إِنَّمَا قَالَهُ فِيمَنْ يَحْضُرُ رَجْمَ الزَّانِي، وَعَنْ رَبِيعَةَ خَمْسَةٌ وَقَالَ الرَّاغِبُ: لَفْظُ طَائِفَةٍ يُرَادُ بِهَا الْجَمْعُ وَالْوَاحِدُ طَائِفٌ، وَيُرَادُ بِهَا الْوَاحِدُ فَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ كَرَاوِيَةٍ وَعَلَامَةٍ، وَيَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْجَمْعُ، وَأُطْلِقَ عَلَى الْوَاحِدِ، وَقَالَ عَطَاءٌ: الطَّائِفَةُ اثْنَانِ فَصَاعِدًا، وَقَوَّاهُ أَبُو إِسْحَاقَ الزَّجَّاجُ بِأَنَّ لَفْظَ طَائِفَةٍ يُشْعِرُ بِالْجَمَاعَةِ، وَأَقَلُّهَا اثْنَانِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الطَّائِفَةَ فِي اللُّغَةِ الْقِطْعَةُ مِنَ الشَّيْءِ فَلَا يَتَعَيَّنُ فِيهِ الْعَدَدُ، وَقَرَّرَ بَعْضُهُمْ الِاسْتِدْلَالَ بِالْآيَةِ الْأُولَى عَلَى وَجْهٍ آخَرَ فَقَالَ لَمَّا قَالَ: ﴿فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ﴾ وَكَانَ أَقَلُّ الْفِرْقَةِ ثَلَاثَةً. وَقَدْ عَلَّقَ النَّفَرَ بِطَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَأَقَلُّ مَنْ يَنْفِرُ وَاحِدٌ، وَيَبْقَى اثْنَانِ وَبِالْعَكْسِ.
قَوْلُهُ: (وَيُسَمَّى الرَّجُلُ طَائِفَةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا﴾ فَلَوِ اقْتَتَلَ رَجُلَانِ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: الرَّجُلَانِ. (دَخَلَا فِي مَعْنَى الْآيَةِ) وَهَذَا الِاسْتِدْلَالُ سَبَقَهُ إِلَى الْحُجَّةِ بِهِ الشَّافِعِيُّ، وَقَبْلَهُ مُجَاهِدٌ، وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ قَوْلَهُ: ﴿وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ لِكَوْنِ سِيَاقِهِ يُشْعِرُ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّا لَمْ نَقُلْ إِنَّ الطَّائِفَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا وَاحِدًا.
قَوْلُهُ: وَقَوْلُهُ ﴿إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا﴾ وَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهَا يُؤْخَذُ مِنْ مَفْهُومَيِ الشَّرْطِ، وَالصِّفَةِ فَإِنَّهُمَا يَقْتَضِيَانِ قَبُولَ خَبَرِ الْوَاحِدِ، وَهَذَا الدَّلِيلُ يُورَدُ لِلتَّقَوِّي لَا لِلِاسْتِقْلَالِ؛ لِأَنَّ الْمُخَالِفَ قَدْ لَا يَقُولُ بِالْمَفَاهِيمِ وَاحْتَجَّ الْأَئِمَّةُ أَيْضًا بِآيَاتٍ أُخْرَى وَبِالْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْبَابِ، وَاحْتَجَّ مَنْ مَنَعَ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُفِيدُ إِلَّا الظَّنَّ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَجْمُوعَهَا يُفِيدُ الْقَطْعَ كَالتَّوَاتُرِ الْمَعْنَوِيِّ، وَقَدْ شَاعَ فَاشِيًا عَمَلُ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَاقْتَضَى الِاتِّفَاقُ مِنْهُمْ عَلَى الْقَبُولِ، وَلَا يُقَالُ لَعَلَّهُمْ عَمِلُوا بِغَيْرِهَا أَوْ عَمِلُوا بِهَا لَكِنَّهَا أَخْبَارٌ مَخْصُوصَةٌ بِشَيْءٍ مَخْصُوصٍ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْعِلْمُ حَاصِلٌ مِنْ سِيَاقِهَا بِأَنَّهُمْ إِنَّمَا عَمِلُوا بِهَا لِظُهُورِهَا لَا لِخُصُوصِهَا.
قَوْلُهُ: وَكَيْفَ بَعَثَ النَّبِيُّ ﷺ أُمَرَاءَهُ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ فَإِنْ سَهَا أَحَدٌ مِنْهُمْ رُدَّ إِلَى السُّنَّةِ سَيَأْتِي فِي أَوَاخِرِ الْكَلَامِ عَلَى خَبَرِ الْوَاحِدِ: بَابُ مَا كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَبْعَثُ مِنَ الْأُمَرَاءِ وَالرُّسُلِ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ فَزَادَ فِيهِ: بُعِثَ الرُّسُلُ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ تَعَدُّدُ الْجِهَاتِ الْمَبْعُوثِ إِلَيْهَا بِتَعَدُّدِ الْمَبْعُوثِينَ، وَحَمَلَهُ الْكِرْمَانِيُّ عَلَى ظَاهِرِهِ فَقَالَ: فَائِدَةُ بَعْثِ الْآخِرِ بَعْدَ الْأَوَّلِ لِيَرُدَّهُ إِلَى الْحَقِّ عِنْدَ سَهْوِهِ، وَلَا يَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ كَوْنِهِ خَبَرُ وَاحِدٍ وَهُوَ اسْتِدْلَالٌ قَوِيٌّ لِثُبُوتِ خَبَرِ الْوَاحِدِ مِنْ فِعْلِهِ ﷺ؛ لِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ لَوْ لَمْ يَكْفِ قَبُولُهُ مَا كَانَ فِي إِرْسَالِهِ مَعْنًى، وَقَدْ نَبَّهَ عَلَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute