الْمُسْتَحَبَّ، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: لَا عِصْمَةَ لِأَحَدٍ إِلَّا فِي كِتَابِ اللَّهِ أَوْ فِي سُنَّةِ رَسُولِهِ أَوْ فِي إِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ عَلَى مَعْنًى فِي أَحَدِهِمَا، ثُمَّ تَكَلَّمَ عَلَى السُّنَّةِ بِاعْتِبَارِ مَا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ. وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ بَعْدَ بَابٍ، ثُمَّ ذَكَرَ فِيهِ خَمْسَةَ أَحَادِيثَ.
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ: (سُفْيَانُ، عَنْ مِسْعَرٍ وَغَيْرِهِ) أَمَّا سُفْيَانُ فَهُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، وَمِسْعَرٌ هُوَ ابْنُ كِدَامٍ بِكَسْرِ الْكَافِ وَتَخْفِيفِ الدَّالِ، وَالْغَيْرُ الَّذِي أُبْهِمَ مَعَهُ لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ إِلَّا أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ، فَإِنَّ أَحْمَدَ أَخْرَجَهُ مِنْ رِوَايَتِهِ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ وَهُوَ الْجَدَلِيُّ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالْمُهْمَلَةِ كُوفِيٌّ يُكْنَى أَبَا عَمْرٍو، كَانَ عَابِدًا ثِقَةً ثَبَتًا، وَقَدْ نُسِبَ إِلَى الْإِرْجَاءِ، وَفِي الرُّوَاةِ قَيْسُ بْنُ مُسْلِمٍ آخَرُ لَكِنَّهُ شَامِيٌّ غَيْرُ مَشْهُورٍ، رَوَى عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، وَحَدِيثُهُ عَنْهُ فِي كِتَابِ خَلْقِ الْأَفْعَالِ لِلْبُخَارِيِّ وَطَارِقُ بْنُ شِهَابٍ هُوَ الْأَحْمَسِيُّ مَعْدُودٌ فِي الصَّحَابَةِ؛ لِأَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ ﷺ وَهُوَ كَبِيرٌ، لَكِنْ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ مِنْهُ سَمَاعٌ.
قَوْلُهُ (قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ وَفِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْمَائِدَةِ مَعَ شَرْحِ سَائِرِ الْحَدِيثِ، وَحَاصِلُ جَوَابِ عُمَرَ أَنَّا اتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا عَلَى وَفْقِ مَا ذَكَرْتُ.
قَوْلُهُ: (سَمِعَ سُفْيَانُ، مِسْعَرًا، وَمِسْعَرٌ قَيْسًا، وَقَيْسٌ، طَارِقًا) هُوَ كَلَامُ الْبُخَارِيِّ؛ يُشِيرُ إِلَى أَنَّ الْعَنْعَنَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي هَذَا السَّنَدِ مَحْمُولَةٌ عِنْدَهُ عَلَى السَّمَاعِ لِاطِّلَاعِهِ عَلَى سَمَاعِ كُلٍّ مِنْهُمْ مِنْ شَيْخِهِ، وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ ظَاهِرُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أُمُورَ الدِّينِ كَمُلَتْ عِنْدَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ وَهِيَ قَبْلَ مَوْتِهِ ﷺ بِنَحْوِ ثَمَانِينَ يَوْمًا، فَعَلَى هَذَا لَمْ يَنْزِلْ بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ الْأَحْكَامِ شَيْءٌ. وَفِيهِ نَظَرٌ، وَقَدْ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِكْمَالِ مَا يَتَعَلَّقُ بِأُصُولِ الْأَرْكَانِ لَا مَا يَتَفَرَّعُ عَنْهَا، وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَكُنْ فِيهَا مُتَمَسَّكٌ لِمُنْكِرِي الْقِيَاسِ، وَيُمْكِنُ دَفْعُ حُجَّتِهُمْ عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ اسْتِعْمَالَ الْقِيَاسِ فِي الْحَوَادِثِ مُتَلَقًّى مِنْ أَمْرِ الْكِتَابِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ إِلَّا عُمُومُ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ﴾ وَقَدْ وَرَدَ أَمْرُهُ بِالْقِيَاسِ وَتَقْرِيرُهُ عَلَيْهِ، فَانْدَرَجَ فِي عُمُومِ مَا وُصِفَ بِالْكَمَالِ. وَنَقَلَ ابْنُ التِّينِ، عَنِ الدَّاوُدِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ قَالَ: أَنْزَلَ ﷾ كَثِيرًا مِنَ الْأُمُورِ مُجْمَلًا، فَفَسَّرَ نَبِيُّهُ مَا احْتِيجَ إِلَيْهِ فِي وَقْتِهِ وَمَا لَمْ يَقَعْ فِي وَقْتِهِ، وَكَلَ تَفْسِيرَهُ إِلَى الْعُلَمَاءِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾
الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَوْلُهُ: (أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ﵁ الْغَدَ حِينَ بَايَعَ الْمُسْلِمُونَ أَبَا بَكْرٍ ﵁ حِينَ يَتَعَلَّقُ بِسَمِعَ، وَالَّذِي يَتَعَلَّقُ بِالْغَدِ مَحْذُوفٌ، وَتَقْدِيرُهُ مِنْ وَفَاةِ النَّبِيِّ ﷺ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي بَابِ الِاسْتِخْلَافِ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْأَحْكَامِ وَسِيَاقُهُ هُنَاكَ أَتَمُّ، وَزَادَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَاخْتَارَ اللَّهُ لِرَسُولِهِ الَّذِي عِنْدَهُ عَلَى الَّذِي عِنْدَكُمْ أَيِ الَّذِي عِنْدَهُ مِنَ الثَّوَابِ وَالْكَرَامَةِ عَلَى الَّذِي عِنْدَكُمْ مِنَ النَّصَبِ.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ وَبَيَانُ مَنْ رَوَاهُ بِلَفْظِ التَّأْوِيلِ، وَيَأْتِي مَعْنَى التَّأْوِيلِ فِي بَابِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ﴾ مِنْ كِتَابِ التَّوْحِيدِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: حَدِيثُ أَبِي بَرْزَةَ وَهُوَ مُخْتَصَرٌ مِنَ الْحَدِيثِ الطَّوِيلِ الْمَذْكُورِ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْفِتَنِ فِي بَابِ إِذَا قَالَ عِنْدَ قَوْمٍ شَيْئًا ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ بِخِلَافِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى هُنَاكَ، وَقَوْلُهُ هُنَا: إِنَّ اللَّهَ يُغْنِيكُمْ بِالْإِسْلَامِ. كَذَا وَقَعَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ ثُمَّ غَيْنٍ مُعْجَمَةٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ نُونٍ. وَنَبَّهَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ الْمُصَنِّفُ عَلَى أَنَّ الصَّوَابَ بِنُونٍ ثُمَّ عَيْنٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَتَيْنِ ثُمَّ شِينٍ مُعْجَمَةٍ. قَوْلُهُ (يُنْظَرُ فِي أَصْلِ كِتَابِ الِاعْتِصَامِ) فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ صَنَّفَ كِتَابَ الِاعْتِصَامِ مُفْرَدًا وَكَتَبَ مِنْهُ هُنَا مَا يَلِيقُ بِشَرْطِهِ فِي هَذَا الْكِتَابِ كَمَا صَنَعَ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ فَلَمَّا رَأَى هَذِهِ اللَّفْظَةَ مُغَايِرَةً لِمَا عِنْدَهُ أَنَّهُ الصَّوَابُ أَحَالَ عَلَى مُرَاجَعَةِ ذَلِكَ الْأَصْلِ، وَكَأَنَّهُ كَانَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ غَائِبًا عَنْهُ، فَأَمَرَ بِمُرَاجَعَتِهِ وَأَنْ يُصْلَحَ مِنْهُ وَقَدْ وَقَعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute