للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قَوْلُهُ (بَابُ مَا جَاءَ فِي اجْتِهَادِ الْقَضَاءِ) كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ، وَالنَّسَفِيِّ، وَابْنِ بَطَّالٍ وَطَائِفَةٍ، الْقَضَاءُ - بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَالْمَدِّ - وَإِضَافَةُ الِاجْتِهَادِ إِلَيْهِ بِمَعْنَى الِاجْتِهَادِ فِيهِ. وَالْمَعْنَى: الِاجْتِهَادُ فِي الْحُكْمِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى، أَوْ فِيهِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ اجْتِهَادُ مُتَوَلِّي الْقَضَاءِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ غَيْرِهِمْ الْقُضَاةُ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ، وَهُوَ وَاضِحٌ لَكِنْ سَيَأْتِي بَعْدَ قَلِيلٍ التَّرْجَمَةُ لِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ فَيَلْزَمُ التَّكْرَارُ، وَالِاجْتِهَادُ: بَذْلُ الْجَهْدِ فِي الطَّلَبِ وَاصْطِلَاحًا: بَذْلُ الْوُسْعِ لِلتَّوَصُّلِ إِلَى مَعْرِفَةِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ.

قَوْلُهُ ﴿بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ وَلِقَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ كَذَا لِلْأَكْثَرِ، وَلِلنَّسَفِيِّ ﴿بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ الْآيَةَ، وَتَرْجَمَ فِي أَوَائِلِ الْأَحْكَامِ لِلْحَدِيثِ الْأَوَّلِ مِنَ الْبَابِ أَجْرُ مَنْ قَضَى بِالْحِكْمَةِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْوَصْفَ بِالصِّفَتَيْنِ لَيْسَ وَاحِدًا خِلَافًا لِمَنْ قَالَ إِحْدَاهُمَا فِي النَّصَارَى، وَالْأُخْرَى فِي الْمُسْلِمِينَ، وَالْأُولَى لِلْيَهُودِ، وَالْأَظْهَرُ الْعُمُومُ، وَاقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى تِلَاوَةِ الْآيَتَيْنِ لِإِمْكَانِ تَنَاوُلِهِمَا الْمُسْلِمِينَ بِخِلَافِ الْأُولَى. فَإِنَّهَا فِي حَقِّ مَنِ اسْتَحَلَّ الْحُكْمَ بِخِلَافِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَمَّا الْآخِرَتَانِ فَهُمَا لِأَعَمَّ مِنْ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: وَمَدْحِ النَّبِيِّ Object صَاحِبَ الْحِكْمَةِ حِينَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا، وَلَا يَتَكَلَّفُ مِنْ قِبَلِهِ) يَجُوزُ فِي مَدْحِ فَتْحُ الدَّالِ عَلَى أَنَّهُ فِعْلٌ مَاضٍ، وَيَجُوزُ تَسْكِينُهَا عَلَى أَنَّهُ اسْمٌ وَالْحَاءُ مَجْرُورَةٌ وَهُوَ مُضَافٌ لِلْفَاعِلِ. وَاخْتُلِفَ فِي ضَبْطِ قِبَلِهِ، فَلِلْأَكْثَرِ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَ الْقَافِ الْمَكْسُورَةِ أَيْ مِنْ جِهَتِهِ، ولِلْكُشْمِيهَنِيِّ بِتَحْتَانِيَّةٍ سَاكِنَةٍ بَدَلَ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ مِنْ كَلَامِهِ، وَعِنْدَ النَّسَفِيِّ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ.

قَوْلُهُ: وَمُشَاوَرَةِ الْخُلَفَاءِ وَسُؤَالِهِمْ أَهْلَ الْعِلْمِ) ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَيْنِ الْأَوَّلُ لِلشِّقِّ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي لِلثَّانِي.

الْأَوَّلُ: حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ وَقَدْ تَقَدَّمَ سَنَدًا وَمَتْنًا فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْأَحْكَامِ وَتَرْجَمَ لَهُ أَجْرَ مَنْ قَضَى بِالْحِكْمَةِ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ ثَمَّةَ.

ثَانِيهُمَا: حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ قَالَ سَأَلَ عُمَرُ عَنْ إِمْلَاصِ الْمَرْأَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي أَوَاخِرِ الدِّيَاتِ، أَخْرَجَهُ عَالِيًا عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، وَمِنْ وَجْهَيْنِ آخَرَيْنِ عَنْ هِشَامٍ، وَقَوْلُهُ هُنَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ هُوَ ابْنُ سَلَّامٍ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ السَّكَنِ، وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي النِّكَاحِ حَدِيثًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَّامٍ مَنْسُوبًا لِأَبِيهِ عِنْدَ الْجَمِيعِ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، فَهَذِهِ قَرِينَةٌ تُؤَيِّدُ قَوْلَ ابْنِ السَّكَنِ وَاحْتِمَالُ كَوْنِهِ مُحَمَّدَ بْنَ الْمُثَنَّى بَعِيدٌ، وَإِنْ كَانَ أَخْرَجَ فِي الطَّهَارَةِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَازِمٍ بِمُعْجَمَتَيْنِ حَدِيثًا وَهُوَ أَبُو مُعَاوِيَةَ، لَكِنَّ الْمُهْمَلَ إِنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى مَنْ يَكُونُ لِمَنْ أَهْمَلَهُ بِهِ اخْتِصَاصٌ، وَاخْتِصَاصُ الْبُخَارِيِّ بِمُحَمَّدِ بْنِ سَلَّامٍ مَشْهُورٌ.

وَقَوْلُهُ فِي آخِرِهِ: تَابَعَهُ ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ يَعْنِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ (عَنْ أَبِيهِ) وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ذَكْوَانَ وَهُوَ بِكُنْيَتِهِ أَشْهَرُ. وَسَقَطَ هَذَا لِلنَّسَفِيِّ.

قَوْلُهُ: عَنْ عُرْوَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَهُوَ الصَّوَابُ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ غَلَطٌ، فَقَدْ رُوِّينَاهُ مَوْصُولًا عَنِ الْبُخَارِيِّ نَفْسِهِ، وَهُوَ فِي الْجُزْءِ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ فَوَائِدِ الْأَصْبَهَانِيِّينَ عَنِ الْمُحَامِلِيِّ، قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأُوَيْسِيُّ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُرْوَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ، وَلَمْ يُنَبِّهِ الْحُمَيْدِيُّ فِي الْجَمْعِ، وَلَا الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ، وَلَا أَحَدٌ مِنَ الشُّرَّاحِ عَلَى هَذَا الْمَوْضِعِ، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي الْحُكْمُ إِلَّا بَعْدَ طَلَبِ حُكْمِ الْحَادِثَةِ مِنَ الْكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ، فَإِنْ عَدِمَهُ رَجَعَ إِلَى الْإِجْمَاعِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ نَظَرَ هَلْ يَصِحُّ الْحَمْلُ عَلَى بَعْضِ الْأَحْكَامِ الْمُقَرَّرَةِ لِعِلَّةٍ تَجْمَعُ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ وَجَدَ ذَلِكَ لَزِمَهُ الْقِيَاسُ عَلَيْهَا، إِلَّا إِنْ عَارَضَتْهَا عِلَّةٌ أُخْرَى فَيَلْزَمُهُ التَّرْجِيحُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ عِلَّةً اسْتَدَلَّ بِشَوَاهِدِ الْأُصُولِ وَغَلَبَةِ الِاشْتِبَاهِ، فَإِنْ لَمْ يَتَوَجَّهْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ رَجَعَ إِلَى حُكْمِ الْعَقْلِ، قَالَ: هَذَا قَوْلُ ابْنِ الطَّيِّبِ، يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيَّ، ثُمَّ أَشَارَ إِلَى إِنْكَارِ