الْمَذْكُورِ، وَقَوْلُهُ فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ حَذَفَ مِنْهُ قِطْعَةً كَبِيرَةً بَيْنَ قَوْلِهِ فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَبَيْنَ قَوْلِهِ قَالَ إِلَخْ.
تَقَدَّمَ بَيَانُهَا هُنَاكَ، وَفِيهَا قِصَّةٌ مَعَ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ وَخُرُوجُ عُمَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَخُطْبَتُهُ بِطُولِهَا، وَقَدْ أَدْخَلَ كَثِيرٌ مِمَّنْ يَقُولُ بِحُجِّيَّةِ إِجْمَاعِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي مَسْأَلَةِ إِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، وَذَلِكَ حَيْثُ يَقُولُ: لِأَنَّهُمْ شَاهَدُوا التَّنْزِيلَ، وَحَضَرُوا الْوَحْيَ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَهُمَا مَسْأَلَتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّ إِجْمَاعَ الصَّحَابَةِ حُجَّةٌ أَقْوَى مِنَ الْقَوْلِ بِأَنَّ إِجْمَاعَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ حُجَّةٌ، وَالرَّاجِحُ أَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ مِمَّنْ بَعْدَ الصَّحَابَةِ إِذَا اتَّفَقُوا عَلَى شَيْءٍ كَانَ الْقَوْلُ بِهِ أَقْوَى مِنَ الْقَوْلِ بِغَيْرِهِ، إِلَّا أَنْ يُخَالِفَ نَصًّا مَرْفُوعًا، كَمَا أَنَّهُ يُرَجَّحُ بِرِوَايَتِهِمْ لِشُهْرَتِهِمْ بِالتَّثَبُّتِ فِي النَّقْلِ وَتَرْكِ التَّدْلِيسِ، وَالَّذِي يَخْتَصُّ بِهَذَا الْبَابِ الْقَوْلُ بِحُجِّيَّةِ قَوْلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ إِذَا اتَّفَقُوا، وَأَمَّا ثُبُوتُ فَضْلِ الْمَدِينَةِ وَأَهْلِهَا، وَغَالِبُ مَا ذُكِرَ فِي الْبَابِ فَلَيْسَ بِقَوَيٍّ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى هَذَا الْمَطْلُوبِ.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَوْلُهُ: عَنْ مُحَمَّدٍ) هُوَ ابْنُ سِيرِينَ، وَوَقَعَ مَنْسُوبًا فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ.
قَوْلُهُ (ثَوْبَانِ مُمَشَّقَانِ) بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ الثَّقِيلَةِ بَعْدَهَا قَافٌ، أَيْ مَصْبُوغَانِ بِالْمِشْقِ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ، وَهُوَ الطِّينُ الْأَحْمَرُ، وَقَوْلُهُ بَخٍ بَخٍ بِمُوَحَّدَةٍ ثُمَّ مُعْجَمَةٍ مُكَرَّرٍ كَلِمَةُ تَعَجُّبٍ وَمَدْحٍ وَفِيهَا لُغَاتٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي بَابِ كَيْفَ كَانَ عَيْشُ النَّبِيِّ ﷺ مِنْ كِتَابِ الرِّقَاقِ وَالْغَرَضُ مِنْهُ.
قَوْلُهُ: وَإِنِّي لَأَخِرُّ مَا بَيْنَ الْمِنْبَرِ وَالْحُجْرَةِ هُوَ مَكَانُ الْقَبْرِ الشَّرِيفِ.
وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ، عَنِ الْمُهَلَّبِ: وَجْهُ دُخُولِهِ فِي التَّرْجَمَةِ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّهُ لَمَّا صَبَرَ عَلَى الشِّدَّةِ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا مِنْ أَجْلِ مُلَازَمَةِ النَّبِيِّ ﷺ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ، جُوزِيَ بِمَا انْفَرَدَ بِهِ مِنْ كَثْرَةِ مَحْفُوظِهِ وَمَنْقُولِهِ مِنَ الْأَحْكَامِ وَغَيْرِهَا، وَذَلِكَ بِبَرَكَةِ صَبْرِهِ عَلَى الْمَدِينَةِ.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي شُهُودِهِ الْعِيدَ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي صَلَاةِ الْعِيدِ، وَسِيَاقُهُ هُنَاكَ أَتَمُّ، وَالْغَرَضُ مِنْهُ هُنَا ذِكْرُ الْمُصَلَّى، حَيْثُ قَالَ: فَأَتَى الْعَلَمَ الَّذِي عِنْدَ دَارِ كَثِيرِ بْنِ الصَّلْتِ، وَالدَّارُ الْمَذْكُورَةُ بُنِيَتْ بَعْدَ الْعَهْدِ النَّبَوِيِّ وَإِنَّمَا عُرِفَ بِهَا لِشُهْرَتِهَا. وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ، عَنِ الْمُهَلَّبِ: شَاهِدُ التَّرْجَمَةِ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَلَوْلَا مَكَانِي مِنَ الصِّغَرِ مَا شَهِدْتُهُ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ صَغِيرَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَكَبِيرَهُمْ، وَنِسَاءَهُمْ وَخَدَمَهُمْ ضَبَطُوا الْعِلْمَ مُعَايَنَةً مِنْهُمْ فِي مَوَاطِنِ الْعَمَلِ مِنْ شَارِعِهَا الْمُبَيِّنِ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَيْسَ لِغَيْرِهِمْ هَذِهِ الْمَنْزِلَةُ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنَ الصِّغَرِ مَا شَهِدْتُهُ إِشَارَةٌ مِنْهُ إِلَى أَنَّ الصِّغَرَ مَظِنَّةُ عَدَمِ الْوُصُولِ إِلَى الْمَقَامِ الَّذِي شَاهَدَ فِيهِ النَّبِيَّ ﷺ حَتَّى سَمِعَ كَلَامَهُ وَسَائِرَ مَا قَصَّهُ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ ابْنُ عَمِّهِ وَخَالَتُهُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ وَصَلَ بِذَلِكَ إِلَى الْمَنْزِلَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَصِلْ. وَيُؤْخَذُ مِنْهَا نَفْيُ التَّعْمِيمِ الَّذِي ادَّعَاهُ الْمُهَلَّبُ، وَعَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِهِ فَهُوَ خَاصٌّ بِمَنْ شَاهَدَ ذَلِكَ وَهُمُ الصَّحَابَةُ فَلَا يُشَارِكُهُمْ فِيهِمْ مَنْ بَعْدَهُمْ بِمُجَرَّدِ كَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فِي إِتْيَانِ قُبَاءَ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي أَوَاخِرِ الصَّلَاةِ، وَفِيهِ زِيَادَةٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ، عَنِ الْمُهَلَّبِ: الْمُرَادُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ مُعَايَنَةُ النَّبِيِّ ﷺ مَاشِيًا وَرَاكِبًا فِي قَصْدِهِ مَسْجِدَ قُبَاءَ، وَهُوَ مَشْهَدٌ مِنْ مَشَاهِدِهِ ﷺ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِغَيْرِ الْمَدِينَةِ.
الْحَدِيثُ السَّادِسُ: قَوْلُهُ: عَنْ هِشَامٍ) هُوَ ابْنُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَوَقَعَ مَنْسُوبًا فِي رِوَايَةِ جُوَيْرِيَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ.
قَوْلُهُ: عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ) أَيْ أَنَّهَا قَالَتْ.
قَوْلُهُ: مَعَ صَوَاحِبِي) جَمْعُ صَاحِبَةٍ تُرِيدُ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ ﷺ، زَادَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدَةَ ابْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ هِشَامٍ بِالْبَقِيعِ.
قَوْلُهُ: وَلَا تَدْفِنِّي مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فِي الْبَيْتِ) يُعَارِضُهُ فِي الظَّاهِرِ قَوْلُهَا فِي قِصَّةِ دَفْنِ عُمَرَ.
قَوْلُهُ: فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ أُزَكَّى) بِفَتْحِ الْكَافِ الثَّقِيلَةِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ، أَيْ أَنْ يُثْنِيَ عَلَيَّ أَحَدٌ بِمَا لَيْسَ فِيَّ، بَلْ بِمُجَرَّدِ كَوْنِي مَدْفُونَةً عِنْدَهُ دُونَ سَائِرِ نِسَائِهِ فَيُظَنُّ أَنِّي خُصِصْتُ