أَكَبُّوا عَلَى الْمَصَاحِفِ، وَأَخْرَجُوا الزَّكَاةَ، وَدَعَا الْوُلَاةُ أَهْلَ السُّجُونِ الْحَدِيثُ مَوْقُوفٌ. قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ، عَنِ الْمُهَلَّبِ: فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ سُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ، بِأَنَّ الْخَلِيفَةَ يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ فِي الْأُمُورِ الْمُهِمَّةِ، لَا يُخَافِتُهَا لِتَصِلَ الْمَوْعِظَةُ إِلَى أَسْمَاعِ النَّاسِ إِذَا أَشْرَفَ عَلَيْهِمِ، انْتَهَى.
وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْمِنْبَرَ النَّبَوِيَّ بَقِيَ إِلَى ذَلِكَ الْعَهْدِ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ بِزِيَادَةٍ وَلَا نَقْصٍ، وَقَدْ جَاءَ فِي غَيْرِهِ أَنَّهُ بَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ زَمَانًا آخَرَ.
الْحَدِيثُ التَّاسِعَ عَشَرَ: حَدِيثُ عَائِشَةَ.
قَوْلُهُ: (عَبْدُ الْأَعْلَى) هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى السَّامِيُّ بِالْمُهْمَلَةِ الْبَصْرِيُّ.
قَوْلُهُ: (هَذَا الْمِرْكَنُ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْكَافِ بَعْدَهَا نُونٌ، قَالَ الْخَلِيلُ: شِبْهُ تَوْرٍ مِنْ أَدَمٍ، وَقَالَ غَيْرُهُ: شِبْهُ حَوْضٍ مِنْ نُحَاسٍ، وَأَبْعَدَ مَنْ فَسَّرَهُ بِالْإِجَّانَةِ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْجِيمِ ثُمَّ نُونٍ ; لِأَنَّهُ فَسَّرَ الْغَرِيبَ بِمِثْلِهِ، وَالْإِجَّانَةُ هِيَ الَّتِي يُقَالُ لَهَا: الْقِصْرِيَّةُ وَهِيَ بِكَسْرِ الْقَافِ، وَقَوْلُهَا: فَنَشْرَعُ فِيهِ جَمِيعًا أَيْ: نَتَنَاوَلُ مِنْهُ بِغَيْرِ إِنَاءٍ، وَأَصْلُهُ الْوُرُودُ لِلشُّرْبِ ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي كُلِّ حَالَةٍ يَتَنَاوَلُ فِيهَا الْمَاءَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ مَعَ شَرْحِ الْحَدِيثِ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: فِيهِ سُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ لِبَيَانِ مِقْدَارِ مَا يَكْفِي الزَّوْجَ وَالْمَرْأَةَ إِذَا اغْتَسَلَا.
الْحَدِيثُ الْعِشْرُونَ: حَدِيثُ أَنَسٍ مِنْ رِوَايَةِ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنْهُ فِي الْمُخَالَفَةِ بَيْنَ قُرَيْشٍ وَالْأَنْصَارِ، وَفِي الْقُنُوتِ شَهْرًا يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، وَقَدِ اخْتَصَرَهُ مِنْ حَدِيثَيْنِ كُلٌّ مِنْهُمَا أَتَمُّ مِمَّا ذَكَرَهُ هُنَا، وَقَدْ مَضَى شَرْحُ الْأَوَّلِ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ وَبَيَانُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْإِخَاءِ وَالْحِلْفِ، وَمَضَى شَرْحُ الثَّانِي فِي كِتَابِ الْوِتْرِ وَفِيهِ بَيَانُ الْوَقْتِ وَالسَّبَبِ الَّذِي قَنَتَ فِيهِ، وَمَضَى فِي الْمَغَازِي فِي غَزْوَةِ بِئْرِ مَعُونَةَ بَيَانُ أَسْمَاءِ الْأَحْيَاءِ الْمَذْكُورِينَ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ.
الْحَدِيثُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ: قَوْلُهُ: (بُرَيْدٌ) بِمُوَحَّدَةٍ وَرَاءٍ مُهْمَلَةٍ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ.
قَوْلُهُ: (قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَلَقِيَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ) وَقَعَ عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بَيَانُ سَبَبِ قُدُومِ أَبِي بُرْدَةَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَبَيَانُ زَمَانِ قُدُومِهِ، فَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ: أَرْسَلَنِي أَبِي إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ لِأَتَعَلَّمَ مِنْهُ، فَسَأَلَنِي: مَنْ أَنْتَ؟ فَأَخْبَرْتُهُ، فَرَحَّبَ بِي.
قَوْلُهُ: (انْطَلِقْ إِلَى الْمَنْزِلِ) زَادَ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ: مَعِيَ وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ بَدَلٌ مِنَ الْإِضَافَةِ، أَيْ: تَعَالَ مَعِيَ إِلَى مَنْزِلِي، وَقَدْ مَضَى فِي مَنَاقِبِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ: أَتَيْتُ الْمَدِينَةَ، فَلَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ، فَقَالَ: أَلَا تَجِيءُ فَأُطْعِمَكَ وَتَدْخُلَ فِي بَيْتِي.
قَوْلُهُ: (فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ، فَأَسْقَانِي سَوِيقًا، وَأَطْعَمَنِي تَمْرًا) قَدْ مَضَى فِي مَنَاقِبِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ بِلَفْظِ: أَلَا تَجِيءُ فَأُطْعِمَكَ سَوِيقًا وَتَمْرًا فَكَأَنَّهُ اسْتَعْمَلَ الْإِطْعَامَ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ قَبِيلِ: عَلَفْتُهَا تِبْنًا وَمَاءً، لِأَنَّهُ إِمَّا مِنَ الِاكْتِفَاءِ وَإِمَّا مِنَ التَّضْمِينِ، وَلَا يَحْتَاجُ لِذَلِكَ هُنَا؛ لِأَنَّ الطَّعَامَ يُسْتَعْمَلُ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَقَدْ بَيَّنَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَنَّهُ أَسْقَاهُ السَّوِيقَ.
قَوْلُهُ: (وَصَلَّيْتُ فِي مَسْجِدِهِ) زَادَ فِي مَنَاقِبِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ ذِكْرَ الرِّبَا، وَأَنَّ مَنِ اقْتَرَضَ قَرْضًا فَتَقَاضَاهُ إِذَا حَلَّ فَأَهْدَى لَهُ الْمَدْيُونُ هَدِيَّةً كَانَتْ مِنْ جُمْلَةِ الرِّبَا، وَتَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِيهِ هُنَاكَ، وَوَقَعَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ فِي رِوَايَةِ أَبِي أُسَامَةَ أَيْضًا، كَمَا أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ لَكِنْ بِاخْتِصَارٍ عَنِ الَّذِي تَقَدَّمَ، وَوَهِمَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي أَحْمَدَ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ السَّكَنْدَرِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَقَدْ جَزَمَ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ بِمَا قُلْتُهُ، فَكَأَنَّ الْبُخَارِيَّ حَذَفَهَا، وَثَبَتَ فِي رِوَايَةِ سَعِيدٍ الَّتِي أَشَرْتُ إِلَيْهَا نَحْوُ ذَلِكَ.
وَقَالَ هَارُونُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: حَدَّثَنَا عَلِيٌّ: عُمْرَةٌ فِي حَجَّةٍ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ: حَدِيثُ عُمَرَ: صَلِّ فِي هَذَا الْوَادِي الْمُبَارَكِ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْحَجِّ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ هَارُونُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ:، حَدَّثَنَا عَلِيٌّ: عُمْرَةٌ فِي حَجَّةٍ) يُرِيدُ أَنَّ هَارُونَ خَالَفَ سَعِيدَ بْنَ الرَّبِيعِ فِي قَوْلِهِ فِي آخِرِهِ: وَقُلْ: عُمْرَةً وَحَجَّةً بِوَاوِ الْعَطْفِ، فَقَالَ: عُمَرَةٌ فِي حَجَّةٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ هُنَاكَ مِنْ رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ