لَا يَجْهَلُ أَنَّ الْجَوَابَ بِالْقُدْرَةِ لَيْسَ مِنَ الْحِكْمَةِ، بَلْ يَحْتَمِلُ أَنْ لَهُمَا عُذْرًا يَمْنَعُهُمَا مِنَ الصَّلَاةِ فَاسْتَحْيَا عَلِيٌّ مِنْ ذِكْرِهِ، فَأَرَادَ دَفْعَ الْخَجَلِ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ أَهْلِهِ فَاحْتَجَّ بِالْقُدْرَةِ، وَيُؤَيِّدُهُ رُجُوعُهُ ﷺ عَنْهُمْ مُسْرِعًا، قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلِيٌّ أَرَادَ بِمَا قَالَ اسْتِدْعَاءَ جَوَابٍ يَزْدَادُ بِهِ فَائِدَةً، وَفِيهِ جَوَازُ مُحَادَثَةِ الشَّخْصِ نَفْسَهُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِغَيْرِهِ، وَجَوَازُ ضَرْبِهِ بَعْضَ أَعْضَائِهِ عِنْدَ التَّعَجُّبِ وَكَذَا الْأَسَفُ، وَيُسْتَفَادُ مِنَ الْقِصَّةِ أَنَّ مِنْ شَأْنِ الْعُبُودِيَّةِ أَنْ لَا يُطْلَبَ لَهَا مَعَ مُقْتَضَى الشَّرْعِ مَعْذِرَةٌ إِلَّا الِاعْتِرَافُ بِالتَّقْصِيرِ وَالْأَخْذُ فِي الِاسْتِغْفَارِ، وَفِيهِ فَضِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ لِعَلِيٍّ مِنْ جِهَةِ عِظَمِ تَوَاضُعِهِ؛ لِكَوْنِهِ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ مَعَ مَا يُشْعِرُ بِهِ عِنْدَ مَنْ لَا يَعْرِفُ مِقْدَارَهُ أَنَّهُ يُوجِبُ غَايَةَ الْعِتَابِ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ لِذَلِكَ بَلْ حَدَّثَ بِهِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْفَوَائِدِ الدِّينِيَّةِ انْتَهَى مُلَخَّصًا.
وَقَوْلُهُ فِي السَّنَدِ الثَّانِي: حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ وَقَعَ عِنْدَ النَّسَفِيِّ غَيْرَ مَنْسُوبٍ، وَوَقَعَ عِنْدَ أَبِي ذَرٍّ وَغَيْرِهِ مَنْسُوبًا: مُحَمَّدُ بْنُ سَلَّامٍ وَعَتَّابٌ بِالْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْمُثَنَّاةِ وَآخِرُهُ مُوَحَّدَةٌ، وَأَبُوهُ بَشِيرٌ بِمُوَحَّدَةٍ وَمُعْجَمَةٍ وَزْنُ عَظِيمٍ، وَإِسْحَاقُ عِنْدَ النَّسَفِيِّ، وَأَبِي ذَرٍّ غَيْرُ مَنْسُوبٍ، وَنُسِبَ عِنْدَ الْبَاقِينَ ابْنَ رَاشِدٍ وَسَاقَ الْمَتْنَ عَلَى لَفْظِهِ، وَمَضَى فِي التَّهَجُّدِ عَلَى لَفْظِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، وَيَأْتِي فِي التَّوْحِيدِ مِنْ طَرِيقِ شُعَيْبٍ، وَابْنِ أَبِي عَتِيقٍ مَجْمُوعًا، وَسَاقَهُ عَلَى لَفْظِ ابْنِ أَبِي عَتِيقٍ.
قَوْلُهُ: (طَرَقَهُ وَفَاطِمَةَ) زَادَ شُعَيْبٌ لَيْلَةً
قَوْلُهُ: (أَلَا تُصَلُّونَ) فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ: أَلَا تُصَلِّيَانِ بِالتَّثْنِيَةِ، وَالْأَوَّلُ مَحْمُولٌ عَلَى ضَمِّ مَنْ يَتْبَعُهُمَا إِلَيْهِمَا، أَوْ لِلتَّعْظِيمِ، أَوْ لِأَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ اثْنَانِ، وَقَوْلُهُ: حِينَ قَالَ لَهُ ذَلِكَ فِيهِ الْتِفَاتٌ، وَمَضَى فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ بِلَفْظِ: حِينَ قُلْتُ لَهُ وَكَذَا قَوْلُهُ: سَمِعَهُ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ: سَمِعْتُهُ وَقَوْلُهُ: وَهُوَ مُدْبِرٌ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ، أَيْ: مُوَلٍّ بِتَشْدِيدِ اللَّامِ، كَمَا فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ، وَوَقَعَ هُنَا عِنْدَ الْكُشْمِيهَنِيِّ: وَهُوَ مُنْصَرِفٌ.
قَوْلُهُ: (قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ) هُوَ الْمُصَنِّفُ (يُقَالُ: مَا أَتَاكَ لَيْلًا فَهُوَ طَارِقٌ) كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ، وَسَقَطَ لِلنَّسَفِيِّ، وَثَبَتَ لِلْبَاقِينَ لَكِنْ بِدُونِ: يُقَالُ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي سُورَةِ الطَّارِقِ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَوْلُهُ: (عَنْ سَعِيدٍ) هُوَ ابْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ.
قَوْلُهُ: (بَيْتَ الْمِدْرَاسِ) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الْإِكْرَاهِ قَرِيبًا، وَقَوْلُهُ فِي آخِرِهِ: ذَلِكَ أُرِيدُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ بِصِيغَةِ الْمُضَارَعَةِ مِنَ الْإِرَادَةِ، أَيْ: أُرِيدُ أَنْ تُقِرُّوا بِأَنِّي بَلَّغْتُ؛ لِأَنَّ التَّبْلِيغَ هُوَ الَّذِي أُمِرَ بِهِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي زَيْدٍ الْمَرْوَزِيِّ فِيمَا ذَكَرَهُ الْقَابِسِيُّ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَبِزَايٍ مُعْجَمَةٍ، وَأَطْبَقُوا عَلَى أَنَّهُ تَصْحِيفٌ، لَكِنْ وَجَّهَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ مَعْنَاهُ أُكَرِّرُ مَقَالَتِي مُبَالَغَةً فِي التَّبْلِيغِ، قَالَ الْمُهَلَّبُ: بَعْدَ أَنْ قَرَّرَ أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالرُّكْنِ الثَّانِي مِنَ التَّرْجَمَةِ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ بَلَّغَ الْيَهُودَ وَدَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَالِاعْتِصَامِ بِهِ، فَقَالُوا: بَلَّغْتَ، وَلَمْ يُذْعِنُوا لِطَاعَتِهِ، فَبَالَغَ فِي تَبْلِيغِهِمْ وَكَرَّرَهُ، وَهَذِهِ مُجَادَلَةٌ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، وَهُوَ فِي ذَلِكَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ مُجَاهِدٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِيمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ مِنْهُمْ وَلَهُ عَهْدٌ، أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ، وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ: الْمُرَادُ: مِمَّنْ ظَلَمَ مِنْهُمْ مَنِ اسْتَمَرَّ عَلَى أَمْرِهِ، وَعَنْ قَتَادَةَ هِيَ مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ، انْتَهَى.
وَالَّذِي أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ: إِنْ قَالُوا شَرًّا فَقُولُوا خَيْرًا، إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَانْتَصِرُوا مِنْهُمْ وَبِسَنَدٍ فِيهِ ضَعْفٌ قَالَ: إِلَّا مَنْ ظَلَمَ مَنْ قَاتَلَ وَلَمْ يُعْطِ الْجِزْيَةَ وَأَخْرَجَ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: هُمْ أَهْلُ الْحَرْبِ، مَنْ لَا عَهْدَ لَهُ جَادِلْهُ بِالسَّيْفِ، وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ الْمُرَادُ: مَنْ آمَنَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ نَهَى عَنْ مُجَادَلَتِهِمْ فِيمَا يُحَدِّثُونَ بِهِ مِنَ الْكِتَابِ، لَعَلَّهُ يَكُونُ حَقًّا لَا تَعْلَمُهُ أَنْتَ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ تُجَادِلَ إِلَّا الْمُقِيمَ مِنْهُمْ عَلَى دِينِهِ، وَبِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ قَتَادَةَ هِيَ مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ بَرَاءَةٌ، أَنْ يُقَاتَلُوا حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ أَوْ يُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ، وَرَجَّحَ الطَّبَرِيُّ قَوْلَ مَنْ قَالَ: الْمُرَادُ مَنِ امْتَنَعَ مِنْ أَدَاءِ الْجِزْيَةِ، قَالَ: وَمَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute