للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

السَّاعَةَ.

قُلْتُ: وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَسَّانَ مَا عَرَفْتُهُ وَالْبَاقُونَ ثِقَاتٌ، وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: فَقَدْنَا ابْنَ صَيَّادٍ يَوْمَ الْحَرَّةِ وَبِسَنَدٍ حَسَنٍ مَضَى التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ، فَقِيلَ: إِنَّهُ مَاتَ. قُلْتُ: وَهَذَا يُضَعِّفُ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ مَاتَ بِالْمَدِينَةِ، وَأَنَّهُمْ صَلَّوْا عَلَيْهِ وَكَشَفُوا عَنْ وَجْهِهِ، وَلَا يَلْتَئِمُ خَبَرُ جَابِرٍ هَذَا مَعَ خَبَرِ حَسَّانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ لِأَنَّ فَتْحَ أَصْبَهَانَ كَانَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ، كَمَا أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي تَارِيخِهَا، وَبَيْنَ قَتْلِ عُمَرَ وَوَقْعَةِ الْحَرَّةِ نَحْوُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَيُمْكِنُ الْحَمْلُ عَلَى أَنَّ الْقِصَّةَ إِنَّمَا شَاهَدَهَا وَالِدُ حَسَّانَ بَعْدَ فَتْحِ أَصْبَهَانَ بِهَذِهِ الْمُدَّةِ، وَيَكُونُ جَوَابُ لَمَّا فِي قَوْلِهِ: لَمَّا افْتَتَحْنَا أَصْبَهَانَ مَحْذُوفًا تَقْدِيرُهُ: صِرْتُ أَتَعَاهَدُهَا وَأَتَرَدَّدُ إِلَيْهَا فَجَرَتْ قِصَّةُ ابْنِ صَيَّادٍ، فَلَا يَتَّحِدُ زَمَانُ فَتْحِهَا وَزَمَانُ دُخُولِهَا ابْنِ صَيَّادٍ.

وَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ مَرْفُوعًا: إِنَّ الدَّجَّالَ يَخْرُجُ مِنْ أَصْبَهَانَ، وَمِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ حِينَ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَنَسٍ: لَكِنَّ عِنْدَهُ مِنْ يَهُودِيَّةِ أَصْبَهَانَ، قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي تَارِيخِ أَصْبَهَانَ: كَانَتِ الْيَهُودِيَّةُ مِنْ جُمْلَةِ قُرَى أَصْبَهَانَ، وَإِنَّمَا سُمِّيَتِ الْيَهُودِيَّةَ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ تَخْتَصُّ بِسُكْنَى الْيَهُودِ، قَالَ: وَلَمْ تَزَلْ عَلَى ذَلِكَ إِلَى أَنْ مَصَّرَهَا أَيُّوبَ بْنَ زِيَادٍ أَمِيرِ مِصْرَ فِي زَمَنِ الْمَهْدِيِّ بْنِ الْمَنْصُورِ، فَسَكَنَهَا الْمُسْلِمُونَ وَبَقِيَتْ لِلْيَهُودِ مِنْهَا قِطْعَةٌ مُنْفَرِدَةٌ، وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا قَالَ: يَتْبَعُ الدَّجَّالَ سَبْعُونَ أَلْفًا مِنْ يَهُودِ أَصْبَهَانَ فَلَعَلَّهَا كَانَتْ يَهُودِيَّةَ أَصْبَهَانَ، يُرِيدُ الْبَلَدَ الْمَذْكُورَ لَا أَنَّ الْمُرَادَ جَمِيعُ أَهْلِ أَصْبَهَانَ يَهُودَ، وَأَنَّ الْقَدْرَ الَّذِي يَتْبَعُ الدَّجَّالَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ أَلْفًا، وَذَكَرَ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ الْفِتَنِ أَحَادِيثَ تَتَعَلَّقُ بِالدَّجَّالِ وَخُرُوجِهِ إِذَا ضُمَّتْ إِلَى مَا سَبَقَ ذِكْرُهُ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْفِتَنِ انْتَظَمَتْ مِنْهَا لَهُ تَرْجَمَةٌ تَامَّةٌ، مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، وَشُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ، وَعَمْرِو بْنِ الْأَسْوَدِ، وَكَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ، قَالُوا جَمِيعًا: الدَّجَّالُ لَيْسَ هُوَ إِنْسَانٌ، وَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ مُوثَقٌ بِسَبْعِينَ حَلْقَةٍ فِي بَعْضِ جَزَائِرِ الْيَمَنِ، لَا يَعْلَمُ مَنْ أَوْثَقَهُ سُلَيْمَانُ النَّبِيُّ أَوْ غَيْرُهُ، فَإِذَا آنَ ظُهُورُهُ فَكَّ اللَّهُ عَنْهُ كُلَّ عَامٍ حَلْقَةً.

فَإِذَا بَرَزَ أَتَتْهُ أَتَانُ عَرْضُ مَا بَيْنَ أُذُنَيْهَا أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا فَيَضَعُ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْبَرًا مِنْ نُحَاسٍ وَيَقْعُدُ عَلَيْهِ وَيَتْبَعُهُ قَبَائِلُ الْجِنِّ يُخْرِجُونَ لَهُ خَزَائِنَ الْأَرْضِ.

قُلْتُ: وَهَذَا لَا يُمْكِنُ مَعَهُ كَوْنُ ابْنِ صَيَّادٍ هُوَ الدَّجَّالِ، وَلَعَلَّ هَؤُلَاءِ مَعَ كَوْنِهِمْ ثِقَاتٍ تَلَقَّوْا ذَلِكَ مِنْ بَعْضِ كُتُبِ أَهْلِ الْكِتَابِ. وَأَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ كَعْبِ الْأَحْبَارِ أَنَّ الدَّجَّالَ تَلِدُهُ أُمُّهُ بِقُوصٍ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ، قَالَ: وَبَيْنَ مَوْلِدِهِ وَمَخْرَجِهِ ثَلَاثُونَ سَنَةً، قَالَ: وَلَمْ يَنْزِلْ خَبَرُهُ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي بَعْضِ كُتُبِ الْأَنْبِيَاءِ، انْتَهَى. وَأَخْلِقْ بِهَذَا الْخَبَرِ أَنْ يَكُونَ بَاطِلًا؛ فَإِنَّ الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ أَنَّ كُلَّ نَبِيٍّ قَبْلَ نَبِيِّنَا أَنْذَرَ قَوْمَهُ الدَّجَّالَ. وَكَوْنُهُ يُولَدُ قَبْلَ مَخْرَجِهِ بِالْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ مُخَالِفٌ لِكَوْنِهِ ابْنَ صَيَّادٍ، وَلِكَوْنِهِ مُوَثَّقًا فِي جَزِيرَةٍ مِنْ جَزَائِرِ الْبَحْرِ.

وَذَكَرَ ابْنُ وَصِيفٍ الْمُؤَرِّخُ أَنَّ الدَّجَّالَ مِنْ وَلَدِ شَقِّ الْكَاهِنِ الْمَشْهُورِ، قَالَ: وَقَالَ: بَلْ هُوَ شَقَّ نَفْسَهُ أَنْظَرَهُ اللَّهُ وَكَانَتْ أُمُّهُ جِنِّيَّةً عَشِقَتْ أَبَاهُ فَأَوْلَدَهَا، وَكَانَ الشَّيْطَانُ يَعْمَلُ لَهُ الْعَجَائِبَ، فَأَخَذَهُ سُلَيْمَانُ فَحَبَسَهُ فِي جَزِيرَةٍ مِنْ جَزَائِرِ الْبَحْرِ، وَهَذَا أَيْضًا فِي غَايَةِ الْوَهْيِ، وَأَقْرَبُ مَا يُجْمَعُ بِهِ بَيْنَ مَا تَضَمَنَّهُ حَدِيثُ تَمِيمٍ وَكَوْنِ ابْنِ صَيَّادٍ هُوَ الدَّجَّالُ، أَنَّ الدَّجَّالَ بِعَيْنِهِ هُوَ الَّذِي شَاهَدَهُ تَمِيمٌ مُوَثَّقًا، وَأَنَّ ابْنَ صَيَّادٍ شَيْطَانٌ تَبَدَّى فِي صُورَةِ الدَّجَّالِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ إِلَى أَنْ تَوَجَّهَ إِلَى أَصْبَهَانَ، فَاسْتَتَرَ مَعَ قَرِينِهِ إِلَى أَنْ تَجِيءَ الْمُدَّةُ الَّتِي قَدَّرَ اللَّهُ تَعَالَى خُرُوجَهُ فِيهَا، وَلِشِدَّةِ الْتِبَاسِ الْأَمْرِ فِي ذَلِكَ سَلَكَ الْبُخَارِيُّ مَسْلَكَ التَّرْجِيحِ، فَاقْتَصَرَ عَلَى حَدِيثِ جَابِرٍ، عَنْ عُمَرَ فِي ابْنِ صَيَّادٍ، وَلَمْ يُخْرِجْ حَدِيثَ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فِي قِصَّةِ تَمِيمٍ، وَقَدْ تَوَهَّمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ غَرِيبٌ فَرُدَّ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَقَدْ رَوَاهُ مَعَ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَعَائِشَةُ، وَجَابِرٌ، أَمَّا أَبُو هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ رِوَايَةِ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، عَنِ