عَنْ خَالِدٍ الْوَاسِطِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، قال: قِيلَ لَهُ تَوَضَّأْ لَنَا فَذَكَرَهُ مُبْهَمًا. وَفِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ وَهْبِ بْنِ بَقِيَّةَ، عَنْ خَالِدٍ الْمَذْكُورِ بِلَفْظِ قُلْنَا لَهُ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ الْجَمْعَ الْمُتَقَدِّمَ مِنْ كَوْنِهِمُ اتَّفَقُوا عَلَى سُؤَالِهِ، لَكِنَّ مُتَوَلِّيَ السُّؤَالِ مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ أَبِي حَسَنٍ.
وَيَزِيدُ ذَلِكَ وُضُوحًا رِوَايَةُ الدَّرَاوَرْدِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمِّهِ عَمْرِو بْنِ أَبِي حَسَنٍ، قال: كُنْتُ كَثِيرَ الْوُضُوءِ، فَقُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (أَتَسْتَطِيعُ) فِيهِ مُلَاطَفَةُ الطَّالِبِ لِلشَّيْخِ، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُرِيَهُ بِالْفِعْلِ لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي التَّعْلِيمِ، وَسَبَبُ الِاسْتِفْهَامِ مَا قَامَ عِنْدَهُ مِنِ احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الشَّيْخُ نَسِيَ ذَلِكَ لِبُعْدِ الْعَهْدِ.
قَوْلُهُ: (فَدَعَا بِمَاءٍ) وَفِي رِوَايَةِ وَهْبٍ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ فَدَعَا بِتَوْرٍ مِنْ مَاءٍ. وَالتَّوْرُ بِمُثَنَّاةٍ مَفْتُوحَةٍ، قال الدَّاوُدِيُّ: قَدَحٌ. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: إِنَاءٌ يُشْرَبُ مِنْهُ. وَقِيلَ هُوَ الطَّسْتُ، وَقِيلَ يُشْبِهُ الطَّسْتَ، وَقِيلَ هُوَ مِثْلُ الْقِدْرِ يَكُونُ مِنْ صُفْرٍ أَوْ حِجَارَةٍ. وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الْغُسْلِ فِي الْمِخْضَبِ فِي أَوَّلِ هَذَا الْحَدِيثِ أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَأَخْرَجْنَا لَهُ مَاءً فِي تَوْرٍ مِنْ صُفْرٍ وَالصُّفْرُ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ وَقَدْ تُكْسَرُ صِنْفٌ مِنْ حَدِيدِ النُّحَاسِ، قِيلَ: إِنَّهُ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِكَوْنِهِ يُشْبِهُ الذَّهَبَ، وَيُسَمَّى أَيْضًا الشَّبَهَ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ. وَالتَّوْرُ الْمَذْكُورُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الَّذِي تَوَضَّأَ مِنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ إِذْ سُئِلَ عَنْ صِفَةِ الْوُضُوءِ فَيَكُونُ أَبْلَغَ فِي حِكَايَةِ صُورَةِ الْحَالِ عَلَى وَجْهِهَا.
قَوْلُهُ: (فَأَفْرَغَ) وَفِي رِوَايَةِ مُوسَى، عَنْ وُهَيْبٍ فَأَكْفَأَ بِهَمْزَتَيْنِ، وَفِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ فِي بَابِ مَسْحِ الرَّأْسِ مَرَّةً، عَنْ وُهَيْبٍ فَكَفَأَ بِفَتْحِ الْكَافِ، وَهُمَا لُغَتَانِ بِمَعْنًى يُقَالُ كَفَأَ الْإِنَاءَ وَأَكْفَأَ إِذَا أَمَالَهُ، وَقَالَ الْكِسَائِيُّ كَفَأْتُ الْإِنَاءَ كَبَبْتُهُ وَأَكْفَأْتُهُ أَمَلْتُهُ، وَالْمُرَادُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ إِفْرَاغُ الْمَاءِ مِنَ الْإِنَاءِ عَلَى الْيَدِ كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ.
قَوْلُهُ: (فَغَسَلَ يَدَهُ مَرَّتَيْنِ) كَذَا فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ بِإِفْرَادِ يَدِهِ، وَفِي رِوَايَةِ وُهَيْبٍ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَكَذَا لِلدَّرَاوَرْدِيِّ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ فَغَسَلَ يَدَيْهِ بِالتَّثْنِيَةِ، فَيُحْمَلُ الْإِفْرَادُ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ عَلَى الْجِنْسِ، وَعِنْدَ مَالِكٍ مَرَّتَيْنِ، وَعِنْدَ هَؤُلَاءِ ثَلَاثًا، وَكَذَا لِخَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَهَؤُلَاءِ حُفَّاظٌ وَقَدِ اجْتَمَعُوا فَزِيَادَتُهُمْ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْحَافِظِ الْوَاحِدِ، وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ بَهْزٍ، عَنْ وُهَيْبٍ أَنَّهُ سَمِعَ هَذَا الْحَدِيثَ مَرَّتَيْنِ مِنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى إِمْلَاءً، فَتَأَكَّدَ تَرْجِيحُ رِوَايَتِهِ، وَلَا يُقَالُ يُحْمَلُ عَلَى وَاقِعَتَيْنِ لِأَنَّا نَقُولُ: الْمَخْرَجُ مُتَّحِدٌ وَالْأَصْلُ عَدَمُ التَّعَدُّدِ.
وَفِيهِ مِنَ الْأَحْكَامِ غَسْلُ الْيَدِ قَبْلَ إِدْخَالِهَا الْإِنَاءَ، وَلَوْ كَانَ مِنْ غَيْرِ نَوْمٍ كَمَا تَقَدَّمَ مِثْلُهُ فِي حَدِيثِ عُثْمَانَ، وَالْمُرَادُ بِالْيَدَيْنِ هُنَا الْكَفَّانِ لَا غَيْرُ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ)، وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، وَالِاسْتِنْثَارُ يَسْتَلْزِمُ الِاسْتِنْشَاقَ بِلَا عَكْسٍ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي رِوَايَةِ وُهَيْبٍ الثَّلَاثَةِ وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ ثَلَاثًا بِثَلَاثِ غَرَفَاتٍ، وَاسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ مِنْ كُلِّ غَرْفَةٍ، وَفِي رِوَايَةِ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْآتِيَةِ بَعْدَ قَلِيلٍ مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ مِنْ كَفٍّ وَاحِدٍ فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثًا. وَهُوَ صَرِيحٌ فِي الْجَمْعِ كُلَّ مَرَّةٍ، بِخِلَافِ رِوَايَةِ وُهَيْبٍ فَإِنَّهُ تَطَرَّقَهَا احْتِمَالُ التَّوْزِيعِ بِلَا تَسْوِيَةٍ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ.
وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الْوُضُوءِ مِنَ التَّوْرِ فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ وَاسْتُدِلَّ بِهَا عَلَى الْجَمْعِ بِغَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ مِنِ اتِّحَادِ الْمَخْرَجِ فَتُقَدَّمُ الزِّيَادَةُ، وَلِمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ خَالِدٍ الْمَذْكُورَةِ ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَاسْتَخْرَجَهَا فَمَضْمَضَ، فَاسْتَدَلَّ بِهَا عَلَى تَقْدِيمِ الْمَضْمَضَةِ عَلَى الِاسْتِنْشَاقِ لِكَوْنِهِ عَطْف بِالْفَاءِ التَّعْقِيبِيَّةِ وَفِيهِ بَحْثٌ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا) لَمْ تَخْتَلِفِ الرِّوَايَاتُ فِي ذَلِكَ، وَيَلْزَمُ مَنِ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى وُجُوبِ تَعْمِيمِ الرَّأْسِ بِالْمَسْحِ أَنْ يَسْتَدِلَّ بِهِ عَلَى