بْنِ غَنْمٍ - بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ النُّونِ - وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِي صُحْبَتِهِ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ: لَوْ أَنَّكُمَا تَتَّفِقَانِ عَلَى أَمْرٍ وَاحِدٍ مَا عَصَيْتُكُمَا فِي مَشُورَةٍ أَبَدًا وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ فِي نَوْمِهِمْ فِي الْوَادِي: إِنْ تُطِيعُوا أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ تَرْشُدُوا لَكِنْ لَا حُجَّةَ فِيهِ لِلتَّخْصِيصِ، وَوَقَعَ فِي الْأَدَبِ مِنْ رِوَايَةِ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ﴾ قَالَ: فِي بَعْضِ الْأَمْرِ، قِيلَ: وَهَذَا تَفْسِيرٌ لَا تِلَاوَةٌ، وَنَقَلَهُ بَعْضُهُمْ قِرَاءَةً عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَدَّ كَثِيرٌ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ الْمُشَاوَرَةَ فِي الْخَصَائِصِ وَاخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِهَا فَنَقَلَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ الِاسْتِحْبَابَ عَنِ النَّصِّ، وَبِهِ جَزَمَ أَبُو نَصْرٍ الْقُشَيْرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ، وَهُوَ الْمُرَجَّحُ.
قَوْلُهُ: (فَإِذَا عَزَمَ الرَّسُولُ ﷺ لَمْ يَكُنْ لِبَشَرٍ التَّقَدُّمُ عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ) يُرِيدُ أَنَّهُ ﷺ بَعْدَ الْمَشُورَةِ إِذَا عَزَمَ عَلَى فِعْلِ أَمْرٍ مِمَّا وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْمَشُورَةُ، وَشَرَعَ فِيهِ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يُشِيرَ عَلَيْهِ بِخِلَافِهِ؛ لِوُرُودِ النَّهْيِ عَنِ التَّقَدُّمِ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فِي آيَةِ الْحُجُرَاتِ، وَظَهَرَ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ آيَةِ الْمَشُورَةِ وَبَيْنَهَا تَخْصِيصُ عُمُومِهَا بِالْمَشُورَةِ، فَيَجُوزُ التَّقَدُّمُ لَكِنْ بِإِذْنٍ مِنْهُ حَيْثُ يَسْتَشِيرُ، وَفِي غَيْرِ صُورَةِ الْمَشُورَةِ لَا يَجُوزُ لَهُمُ التَّقَدُّمُ، فَأَبَاحَ لَهُمُ الْقَوْلَ جَوَابَ الِاسْتِشَارَةِ، وَزَجَرَهُمْ عَنِ الِابْتِدَاءِ بِالْمَشُورَةِ وَغَيْرَهَا، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الِاعْتِرَاضُ عَلَى مَا يَرَاهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَيُسْتَفَادُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ أَمْرَهُ ﷺ إِذَا ثَبَتَ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يُخَالِفَهُ وَلَا يَتَحَيَّلَ فِي مُخَالَفَتِهِ، بَلْ يَجْعَلُهُ الْأَصْلَ الَّذِي يَرُدُّ إِلَيْهِ مَا خَالَفَهُ لَا بِالْعَكْسِ كَمَا يَفْعَلُ بَعْضُ الْمُقَلِّدِينَ، وَيَغْفُلُ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ﴾ الْآيَةَ. وَالْمَشُورَةُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ، وَبِسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْوَاوِ لُغَتَانِ، وَالْأُولَى أَرْجَحُ.
قَوْلُهُ: (وَشَاوَرَ النَّبِيُّ ﷺ أَصْحَابَهُ يَوْمَ أُحُدٍ فِي الْمُقَامِ وَالْخُرُوجِ إِلَخْ) هَذَا مِثَالٌ لِمَا تَرْجَمَ بِهِ أَنَّهُ شَاوَرَ فَإِذَا عَزَمَ لَمْ يَرْجِعْ، وَالْقَدْرُ الَّذِي ذَكَرَهُ هُنَا مُخْتَصَرٌ مِنْ قِصَّةٍ طَوِيلَةٍ لَمْ تَقَعْ مَوْصُولَةً فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنَ الْجَامِعِ الصَّحِيحِ، وَقَدْ وَصَلَهَا الطَّبَرَانِيُّ وَصَحَّحَهَا الْحَاكِمُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: تَنَفَّلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ سَيْفَهُ ذَا الْفَقَارِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَهُوَ الَّذِي رَأَى فِيهِ الرُّؤْيَا يَوْمَ أُحُدٍ، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَمَّا جَاءَهُ الْمُشْرِكُونَ يَوْمَ أُحُدٍ كَانَ رَأْيُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنْ يُقِيمَ بِالْمَدِينَةِ فَيُقَاتِلَهُمْ فِيهَا، فَقَالَ لَهُ نَاسٌ - لَمْ يَكُونُوا شَهِدُوا بَدْرًا -: اخْرُجْ بِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَيْهِمْ نُقَاتِلَهُمْ بِأُحُدٍ، وَنَرْجُو أَنْ نُصِيبَ مِنَ الْفَضِيلَةِ مَا أَصَابَ أَهْلُ بَدْرٍ، فَمَا زَالُوا بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ حَتَّى لَبِسَ لَأْمَتَهُ، فَلَمَّا لَبِسَهَا نَدِمُوا، وَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقِمْ؛ فَالرَّأْيُ رَأْيُكَ، فَقَالَ: مَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ يَضَعَ أَدَاتَهُ بَعْدَ أَنْ لَبِسَهَا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَدُوِّهُ، وَكَانَ ذَكَرَ لَهُمْ قَبْلُ أَنْ يَلْبَسَ الْأَدَاةَ: أَنِّي رَأَيْتُ أَنِّي فِي دِرْعٍ حَصِينَةٍ فَأَوَّلْتُهَا الْمَدِينَةَ، وَهَذَا سَنَدٌ حَسَنٌ، وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ، وَالدَّارِمِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ نَحْوَهُ، وَتَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ
فِي كِتَابِ التَّعْبِيرِ وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ وَلَفْظُ أَحْمَدَ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: رَأَيْتُ كَأَنِّي فِي دِرْعٍ حَصِينَةٍ، وَرَأَيْتُ بَقَرًا تُنْحَرُ، فَأَوَّلْتُ الدِّرْعَ الْحَصِينَةَ الْمَدِينَةَ الْحَدِيثَ، وَقَدْ سَاقَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ هَذِهِ الْقِصَّةَ فِي الْمَغَازِي مُطَوَّلَةً، وَفِيهَا أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ رَأْسَ الْخَزْرَجِ كَانَ رَأْيُهُ الْإِقَامَةَ، فَلَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ غَضِبَ وَقَالَ: أَطَاعَهُمْ وَعَصَانِي، فَرَجَعَ بِمَنْ أَطَاعَهُ وَكَانُوا ثُلُثَ النَّاسِ.
قَوْلُهُ: (فَلَمَّا لَبِسَ لَأْمَتَهُ) بِسُكُونِ الْهَمْزَةِ هِيَ الدِّرْعُ، وَقِيلَ: الْأَدَاةُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَتَخْفِيفِ الدَّالِ، وَهِيَ الْآلَةُ مِنْ دِرْعٍ وَبَيْضَةٍ وَغَيْرِهِمَا مِنَ السِّلَاحِ، وَالْجَمْعُ: لَأْمٌ بِسُكُونِ الْهَمْزَةِ، مِثْلُ تَمْرَةٍ وَتَمْرٌ، وَقَدْ تُسَهَّلُ وَتُجْمَعُ أَيْضًا عَلَى لُؤَمٍ، بِضَمٍّ ثُمَّ فَتْحٍ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، وَاسْتَلْأَمَ لِلْقِتَالِ إِذَا لَبِسَ سِلَاحَهُ كَامِلًا.
قَوْلُهُ: (وَشَاوَرَ عَلِيًّا، وَأُسَامَةَ فِيمَا رَمَى بِهِ أَهْلُ الْإِفْكِ عَائِشَةَ فَسَمِعَ مِنْهُمَا حَتَّى نَزَلَ الْقُرْآنُ فَجَلَدَ الرَّامِينَ) قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ، عَنِ الْقَابِسِيِّ: الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: مِنْهُمَا: لِعَلِيٍّ، وَأُسَامَةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute