للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

اللَّهُ أَحَدٌ فَلَمَّا رَجَعُوا ذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ فَقَالَ سَلُوهُ لِأَيِّ شَيْءٍ يَصْنَعُ ذَلِكَ فَسَأَلُوهُ فَقَالَ لِأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا فَقال النبي : "أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُ"

قَوْلُهُ: (بَابُ مَا جَاءَ فِي دُعَاءِ النَّبِيِّ أُمَّتَهُ إِلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ تَعَالَى) الْمُرَادُ بِتَوْحِيدِ اللَّهِ تَعَالَى الشَّهَادَةُ بِأَنَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَهَذَا الَّذِي يُسَمِّيهِ بَعْضُ غُلَاةِ الصُّوفِيَّةِ تَوْحِيدَ الْعَامَّةِ، وَقَدِ ادَّعَى طَائِفَتَانِ فِي تَفْسِيرِ التَّوْحِيدِ أَمْرَيْنِ اخْتَرَعُوهُمَا، أَحَدُهُمَا: تَفْسِيرُ الْمُعْتَزِلَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، ثَانِيهُمَا: غُلَاةُ الصُّوفِيَّةِ؛ فَإِنَّ أَكَابِرَهُمْ لَمَّا تَكَلَّمُوا فِي مَسْأَلَةِ الْمَحْوِ وَالْفَنَاءِ، وَكَانَ مُرَادُهُمْ بِذَلِكَ الْمُبَالَغَةَ فِي الرِّضَا وَالتَّسْلِيمِ وَتَفْوِيضِ الْأَمْرِ، بَالَغَ بَعْضُهُمْ حَتَّى ضَاهَى الْمُرْجِئَةَ فِي نَفْيِ نِسْبَةِ الْفِعْلِ إِلَى الْعَبْدِ، وَجَرَّ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ إِلَى مَعْذِرَةِ الْعُصَاةِ، ثُمَّ غَلَا بَعْضُهُمْ فَعَذَرَ الْكُفَّارَ، ثُمَّ غَلَا بَعْضُهُمْ فَزَعَمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّوْحِيدِ اعْتِقَادُ وِحْدَةِ الْوُجُودِ، وَعَظُمَ الْخَطْبُ حَتَّى سَاءَ ظَنُّ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِمُتَقَدِّمِيهِمْ وَحَاشَاهُمْ مِنْ ذَلِكَ، وَقَدْ قَدَّمْتُ كَلَامَ شَيْخِ الطَّائِفَةِ الْجُنَيْدِ، وَهُوَ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ وَالْإِيجَازِ، وَقَدْ رَدَّ عَلَيْهِ بَعْضُ مَنْ قَالَ بِالْوَحْدَةِ الْمُطْلَقَةِ، فَقَالَ: وَهَلْ مِنْ غَيْرٍ، وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ كَلَامٌ طَوِيلٌ يَنْبُو عَنْهُ سَمْعُ كُلِّ مَنْ كَانَ عَلَى فِطْرَةِ الْإِسْلَامِ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.

وَذَكَرَ فِي الْبَابِ أَرْبَعَةَ أَحَادِيثَ:

الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: حَدِيثُ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ فِي بَعْثِهِ إِلَى الْيَمَنِ، أَوْرَدَهُ مِنْ طَرِيقَيْنِ الْأُولَى أَعْلَى مِنَ الثَّانِيَةِ، وَقَدْ أَوْرَدَ الطَّرِيقَ الْعَالِيَةَ فِي (كِتَابِ الزَّكَاةِ) وَسَاقَهَا هُنَاكَ عَلَى لَفْظِ أَبِي عَاصِمٍ رَاوِيهَا، وَذَكَرَهُ هُنَاكَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ بِنُزُولٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْأَسْوَدِ شَيْخُهُ فِي هَذَا الْبَابِ هُوَ ابْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْأَسْوَدِ يُنْسَبُ إِلَى جَدِّهِ وَاسْمُهُ حُمَيْدُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَالْفَضْلُ بْنُ الْعَلَاءِ يُكْنَى أَبَا الْعَلَاءِ، وَيُقَالُ: أَبُو الْعَبَّاسِ، وَهُوَ كُوفِيٌّ نَزَلَ الْبَصْرَةَ وَثَّقَهُ عَلِيُّ ابْنُ الْمَدِينِيِّ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: شَيْخٌ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: كَثِيرُ الْوَهْمِ. قُلْتُ: وَمَا لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْمَوْضِعِ، وَقَدْ قَرَنَهُ بِغَيْرِهِ، وَلَكِنَّهُ سَاقَ الْمَتْنَ هُنَا عَلَى لَفْظِهِ.

قَوْلُهُ: (عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ) كَذَا لِلْجَمِيعِ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَهُوَ تَصْحِيفٌ، وَكَأَنَّ الْمِيمَ انْفَتَحَتْ فَصَارَتْ تُشْبِهُ السِّينَ.

قَوْلُهُ: (لَمَّا بَعَثَ النَّبِيُّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ إِلَى نَحْوِ أَهْلِ الْيَمَنِ) أَيْ إِلَى جِهَةِ أَهْلِ الْيَمَنِ، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تُقَيِّدُ الرِّوَايَةَ الْمُطْلَقَةَ بِلَفْظِ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ فَبَيَّنَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ أَنَّ لَفْظَ الْيَمَنِ مِنْ بَابِ حَذْفِ الْمُضَافِ وَإِقَامَةِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ مَقَامَهُ، أَوْ مِنْ إِطْلَاقِ الْعَامِّ وَإِرَادَةِ الْخَاصِّ، أَوْ لِكَوْنِ اسْمِ الْجِنْسِ يُطْلَقُ عَلَى بَعْضِهِ كَمَا يُطْلَقُ عَلَى كُلِّهِ، وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ مِنْ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ، كَمَا صَرَّحَتْ بِهِ هَذِهِ الرِّوَايَةُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ بَعْثِ أَبِي مُوسَى وَمُعَاذٍ إِلَى الْيَمَنِ فِي أَوَاخِرِ الْمَغَازِي مِنْ رِوَايَةِ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى، وَبَعَثَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى مِخْلَافٍ قَالَ: وَالْيَمَنُ مِخْلَافَانِ وَتَقَدَّمَ ضَبْطُ الْمِخْلَافِ وَشَرْحُهُ هُنَاكَ، ثُمَّ قَوْلُهُ: إِلَى أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ إِطْلَاقِ الْكُلَّ وَإِرَادَةِ الْبَعْضَ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا بَعَثَهُ إِلَى بَعْضِهِمْ لَا إِلَى جَمِيعِهِمْ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْخَبَرُ عَلَى عُمُومِهِ فِي الدَّعْوَى إِلَى الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ، وَإِنْ كَانَتْ إِمْرَةُ مُعَاذٍ إِنَّمَا كَانَتْ عَلَى جِهَةٍ مِنَ الْيَمَنِ مَخْصُوصَةٍ.

قَوْلُهُ: (إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ) هُمُ الْيَهُودُ، وَكَانَ ابْتِدَاءُ دُخُولِ الْيَهُودِيَّةِ الْيَمَنَ فِي زَمَنِ أَسْعَدَ ذِي كَرِبَ، وَهُوَ تُبَّعٌ الْأَصْغَرُ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ مُطَوَّلًا فِي السِّيرَةِ، فَقَامَ الْإِسْلَامُ وَبَعْضُ أَهْلِ الْيَمَنِ عَلَى الْيَهُودِيَّةِ، وَدَخَلَ دِينُ النَّصْرَانِيَّةِ إِلَى الْيَمَنِ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَّا غَلَبَتِ الْحَبَشَةُ