أَسْمَاءٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ ذَكَرَ بَعْضَ مَا وَرَدَ فِي مَعَانِيهَا، وَفِيمَا ذَكَرَهُ نَظَرٌ.
سَلَّمْنَا، لَكِنْ وَظِيفَةُ الشَّارِحِ بَيَانُ وَجْهِ تَخْصِيصِ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ الثَّلَاثَةِ بِالذِّكْرِ دُونَ غَيْرِهَا، وَإِفْرَادُهَا بِتَرْجَمَةٍ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِهَذَا الْقَدْرِ جَمِيعَ الْآيَاتِ الثَّلَاثِ الْمَذْكُورَةِ فِي آخِرِ سُورَةِ الْحَشْرِ؛ فَإِنَّهَا خُتِمَتْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ وَقَدْ قَالَ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ: ﴿وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ فَكَأَنَّهُ بَعْدَ إِثْبَاتِ حَقِيقَةِ الْقُدْرَةِ وَالْقُوَّةِ وَالْعِلْمِ أَشَارَ إِلَى أَنَّ الصِّفَاتِ السَّمْعِيَّةَ لَيْسَتْ مَحْصُورَةً فِي عَدَدٍ مُعَيَّنٍ بِدَلِيلِ الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ أَوْ أَرَادَ الْإِشَارَةَ إِلَى ذِكْرِ الْأَسْمَاءِ الَّتِي تَسَمَّى اللَّهُ تَعَالَى بِهَا، وَأُطْلِقَتْ مَعَ ذَلِكَ عَلَى الْمَخْلُوقِينَ، فَالسَّلَامُ ثَبَتَ فِي الْقُرْآنِ، وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّهُ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ أُطْلِقَ عَلَى التَّحِيَّةِ الْوَاقِعَةِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَالْمُؤْمِنُ يُطْلَقُ عَلَى مَنِ اتَّصَفَ بِالْإِيمَانِ، وَقَدْ وَقَعَا مَعًا مِنْ غَيْر تَخَلُّلٍ بَيْنَهُمَا فِي الْآيَةِ الْمُشَارِ إِلَيْهَا فَنَاسَبَ أَنْ يَذْكُرَهُمَا فِي تَرْجَمَةٍ وَاحِدَةٍ، وَقَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ: مَعْنَى السَّلَامِ فِي حَقِّهِ ﷾ الَّذِي سَلِمَ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ عُقُوبَتِهِ، وَكَذَا فِي تَفْسِيرِ الْمُؤْمِنِ: الَّذِي أَمِنَ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ عُقُوبَتِهِ، وَقِيلَ: السَّلَامُ: مَنْ سَلِمَ مِنْ كُلِّ نَقْصٍ، وَبَرِئَ مِنْ كُلِّ آفَةٍ وَعَيْبٍ، فَهِيَ صِفَةٌ سَلْبِيَّةٌ، وَقِيلَ: الْمُسَلِّمُ عَلَى عِبَادِهِ؛ لِقَوْلِهِ: ﴿سَلامٌ قَوْلا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ﴾ فَهِيَ صِفَةٌ كَلَامِيَّةٌ، وَقِيلَ: الَّذِي سَلِمَ الْخَلْقُ مِنْ ظُلْمِهِ، وَقِيلَ: مِنْهُ السَّلَامَةُ لِعِبَادِهِ، فَهِيَ صِفَةٌ فِعْلِيَّةٌ، وَقِيلَ: الْمُؤْمِنُ الَّذِي صَدَّقَ نَفْسَهُ، وَصَدَّقَ أَوْلِيَاءَهُ،
وَتَصْدِيقُهُ عِلْمُهُ بِأَنَّهُ صَادِقٌ، وَأَنَّهُمْ صَادِقُونَ، وَقِيلَ: الْمُوَحِّدُ لِنَفْسِهِ، وَقِيلَ: خَالِقُ الْأَمْنِ، وَقِيلَ: وَاهِبُ الْأَمْنِ، وَقِيلَ: خَالِقُ الطُّمَأْنِينَةِ فِي الْقُلُوبِ.
وَأَمَّا الْمُهَيْمِنُ فَإِنْ ثَبَتَ فِي الرِّوَايَةِ فَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ فِي التَّفْسِيرِ، وَمِمَّا يُسْتَفَادُ أَنَّ ابْنَ قُتَيْبَةَ وَمَنْ تَبِعَهُ كَالْخَطَّابِيِّ زَعَمُوا أَنَّهُ مُفَيْعِلٌ مِنَ الْأَمْنِ قُلِبَتِ الْهَمْزُ هَاءً، وَقَدْ تَعَقَّبَ ذَلِكَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ، وَنَقَلَ إِجْمَاعُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ لَا تُصَغَّرُ، وَنَقَلَ الْبَيْهَقِيُّ، عَنِ الْحَلِيمِيِّ أَنَّ الْمُهَيْمِنَ مَعْنَاهُ الَّذِي لَا يُنْقِصُ الطَّائِعَ مِنْ ثَوَابِهِ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَ، وَلَا يَزِيدُ الْعَاصِي عِقَابًا عَلَى مَا يَسْتَحِقُّهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْكَذِبُ، وَقَدْ سَمَّى الثَّوَابَ وَالْعِقَابَ جَزَاءً، وَلَهُ أَنْ يَتَفَضَّلَ بِزِيَادَةِ الثَّوَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الْعِقَابِ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَذَا شَرْحُ قَوْلِ أَهْلِ التَّفْسِيرِ فِي الْمُهَيْمِنِ أَنَّهُ الْأَمِينُ، ثُمَّ سَاقَ مِنْ طَرِيقِ التَّيْمِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: مُهَيْمِنًا عَلَيْهِ قَالَ: مُؤْتَمَنًا، وَمِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الْمُهَيْمِنُ: الْأَمِينُ، وَمِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ قَالَ: الْمُهَيْمِنُ: الشَّاهِدُ، وَقِيلَ: الْمُهَيْمِنُ: الرَّقِيبُ عَلَى الشَّيْءِ وَالْحَافِظُ لَهُ، وَقِيلَ: الْهَيْمَنَةُ: الْقِيَامُ عَلَى الشَّيْءِ، قَالَ الشَّاعِرُ:
أَلَا إِنَّ خَيْرَ النَّاسِ بَعْدَ نَبِيِّهِ … مُهَيْمِنُهُ التَّالِيهِ فِي الْعُرْفِ وَالنُّكْرِ
يُرِيدُ الْقَائِمَ عَلَى النَّاسِ بَعْدَهُ بِالرِّعَايَةِ لَهُمْ، انْتَهَى.
وَيَصِحُّ أَنْ يُرِيدَ الْأَمِينَ عَلَيْهِمْ، فَيُوَافِقُ مَا تَقَدَّمَ، ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي التَّشَهُّدِ وَسَنَدُهُ كُلُّهُ كُوفِيُّونَ وَأَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ الْيَرْبُوعِيُّ نُسِبَ لِجَدِّهِ، وَزُهَيْرٌ هُوَ ابْنُ مُعَاوِيَةَ الْجُعْفِيُّ، وَمُغِيرَةُ هُوَ ابْنُ مِقْسَمٍ الضَّبِّيُّ، وَشَقِيقُ بْنُ سَلَمَةَ هُوَ أَبُو وَائِلٍ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ وَبِاسْمِهِ مَعًا، وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى الْحَلْوَانِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ فَقَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ الضَّبِّيُّ وَسَاقَ الْمَتْنَ مِثْلَهُ سَوَاءً، وَضَاقَ عَلَى الْإِسْمَاعِيلِيِّ مَخْرَجُهُ فَاكْتَفَى بِرِوَايَةِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ مُغِيرَةَ وَسَاقَهُ نَحْوَهُ مِنْ رِوَايَةِ زُهَيْرٍ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، عَنْ مُغِيرَةَ بِسَنَدِهِ، وَقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: فَنَقُولُ: السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ هَكَذَا اخْتَصَرَهُ مُغِيرَةُ، وَزَادَ فِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ: مِنْ عِبَادِهِ وَفِي لَفْظٍ مَضَى فِي الِاسْتِئْذَانِ قَبْلَ عِبَادِهِ: السَّلَامُ عَلَى جِبْرِيلَ إِلَخْ. وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ مُفَصَّلًا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ فِي أَوَاخِرِ صِفَةِ الصَّلَاةِ مِنْ قَبْلِ كِتَابِ الْجُمُعَةِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute