للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ الْأَجَانِبِ، وَقَدْ أَجَابَ ابْنُ التِّينِ عَنْهُ بِمَا حَكَاهُ عَنْ سَحْنُونَ أَنَّ مَعْنَاهُ كَانَ الرِّجَالُ يَتَوَضَّؤُونَ وَيَذْهَبُونَ، ثُمَّ تَأْتِي النِّسَاءُ فَيَتَوَضَّأْنَ، وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ مِنْ قَوْلِهِ جَمِيعًا، قال أَهْلُ اللُّغَةِ: الْجَمِيعُ ضِدُّ الْمُفْتَرِقِ، وَقَدْ وَقَعَ مُصَرَّحًا بِوَحْدَةِ الْإِنَاءِ فِي صَحِيحِ ابْنِ خُزَيْمَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ طَرِيقِ مُعْتَمِرٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَبْصَرَ النَّبِيَّ وَأَصْحَابَهُ يَتَطَهَّرُونَ وَالنِّسَاءُ مَعَهُمْ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ كُلُّهُمْ يَتَطَهَّرُ مِنْهُ، وَالْأَوْلَى فِي الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ: لَا مَانِعَ مِنَ الِاجْتِمَاعِ قَبْلَ نُزُولِ الْحِجَابِ، وَأَمَّا بَعْدَهُ فَيَخْتَصُّ بِالزَّوْجَاتِ وَالْمَحَارِمِ.

وَنَقَلَ الطَّحَاوِيُّ ثُمَّ الْقُرْطُبِيُّ، وَالنَّوَوِيُّ الِاتِّفَاقَ عَلَى جَوَازِ اغْتِسَالِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ مِنَ الْإِنَاءِ الْوَاحِدِ. وَفِيهِ نَظَرٌ، لِمَا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَنْهَى عَنْهُ، وَكَذَا حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ قَوْمٍ، وَهَذَا الْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ.

وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ أَيْضًا الِاتِّفَاقَ عَلَى جَوَازِ وُضُوءِ الْمَرْأَةِ بِفَضْلِ الرَّجُلِ دُونَ الْعَكْسِ، وَفِيهِ نَظَرٌ أَيْضًا فَقَدْ أَثْبَتَ الْخِلَافَ فِيهِ الطَّحَاوِيُّ، وَثَبَتَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ الْمَنْعَ لَكِنْ مُقَيَّدًا بِمَا إِذَا كَانَتْ حَائِضًا، وَأَمَّا عَكْسُهُ فَصَحَّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ الصَّحَابِيِّ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُم مَنَعُوا التَّطَهُّرَ بِفَضْلِ الْمَرْأَةِ، وَبِهِ قال أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، لَكِنْ قَيَّدَاهُ بِمَا إِذَا خَلَتْ بِهِ؛ لِأَنَّ أَحَادِيثَ الْبَابِ ظَاهِرَةٌ فِي الْجَوَازِ إِذَا اجْتَمَعَا، وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي مَنْعِ التَّطَهُّرِ بِفَضْلِ الْمَرْأَةِ وَفِي جَوَازِ ذَلِكَ مُضْطَرِبَةٌ، قال: لَكِنْ صَحَّ عَنْ عِدَّةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ الْمَنْعُ فِيمَا إِذَا خَلَتْ بِهِ، وَعُورِضَ بِصِحَّةِ الْجَوَازِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْهُمُ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَأَشْهَرُ الْأَحَادِيثِ فِي ذَلِكَ مِنَ الْجِهَتَيْنِ حَدِيثُ الْحَكَمِ بْنِ عَمْرٍو الْغِفَارِيِّ فِي الْمَنْعِ، وَحَدِيثُ مَيْمُونَةَ فِي الْجَوَازِ.

أَمَّا حَدِيثُ الْحَكَمِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ، وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَأَغْرَبَ النَّوَوِيُّ فَقَالَ: اتَّفَقَ الْحُفَّاظُ عَلَى تَضْعِيفِهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ مَيْمُونَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، لَكِنْ أَعَلَّهُ قَوْمٌ لِتَرَدُّدٍ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ؛ حَيْثُ قال: عِلْمِي وَالَّذِي يَخْطِرُ عَلَى بَالِي أَنَّ أَبَا الشَّعْثَاءِ أَخْبَرَنِي. . . فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَقَدْ وَرَدَ من طَرِيقٍ أُخْرَى بِلَا تَرَدُّدٍ لَكِنَّ رَاوِيَهَا غَيْرُ ضَابِطٍ وَقَدْ خُولِفَ، وَالْمَحْفُوظُ مَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ وَمَيْمُونَةَ كَانَا يَغْتَسِلَانِ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ، وَفِي الْمَنْعِ أَيْضًا مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيِّ، قال: لَقِيتُ رَجُلًا صَحِبَ النَّبِيَّ أَرْبَعَ سِنِينَ، فَقَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ أَنْ تَغْتَسِلَ الْمَرْأَةُ بِفَضْلِ الرَّجُلِ أَوْ يَغْتَسِلَ الرَّجُلُ بِفَضْلِ الْمَرْأَةِ، وَلْيَغْتَرِفَا جَمِيعًا.

رِجَالُهُ ثِقَاتٌ، وَلَمْ أَقِفْ لِمَنْ أَعَلَّهُ عَلَى حُجَّةٍ قَوِيَّةٍ، وَدَعْوَى الْبَيْهَقِيُّ أَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُرْسَلِ مَرْدُودَةٌ؛ لِأَنَّ إِبْهَامَ الصَّحَابِيِّ لَا يَضُرُّ، وَقَدْ صَرَّحَ التَّابِعِيُّ بِأَنَّهُ لَقِيَهُ، وَدَعْوَى ابْنِ حَزْمٍ أَنَّ دَاوُدَ رَاوِيَهُ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ هُوَ ابْنُ يَزِيدُ الْأَوْدِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ مَرْدُودَةٌ، فَإِنَّهُ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَوْدِيُّ وَهُوَ ثِقَةٌ، وَقَدْ صَرَّحَ بِاسْمِ أَبِيهِ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ، وَمِنْ أَحَادِيثِ الْجَوَازِ مَا أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُمَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ قَالَتْ: أَجْنَبْتُ فَاغْتَسَلْتُ مِنْ جَفْنَةٍ، فَفَضَلَتْ فِيهَا فَضْلَةٌ، فَجَاءَ النَّبِيُّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ، فَقُلْتُ لَهُ، فَقَالَ: الْمَاءُ لَيْسَ عَلَيْهِ جَنَابَةٌ. وَاغْتَسَلَ مِنْهُ. لَفْظُ الدَّارَقُطْنِيِّ.

وَقَدْ أَعَلَّهُ قَوْمٌ بِسِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ رَاوِيهِ عَنْ عِكْرِمَةَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَقْبَلُ التَّلْقِينَ، لَكِنْ قَدْ رَوَاهُ عَنْهُ شُعْبَةُ وَهُوَ لَا يَحْمِلُ عَنْ مَشَايِخِهِ إِلَّا صَحِيحَ حَدِيثِهِمْ. وَقَوْلُ أَحْمَدَ: إِنَّ الْأَحَادِيثَ مِنَ الطَّرِيقَيْنِ مُضْطَرِبَةٌ إِنَّمَا يُصَارُ إِلَيْهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْجَمْعِ، وَهُوَ مُمْكِنٌ بِأَنْ تُحْمَلَ أَحَادِيثُ النَّهْيِ عَلَى مَا تَسَاقَطَ مِنَ الْأَعْضَاءِ، وَالْجَوَازِ عَلَى مَا بَقِيَ مِنَ الْمَاءِ، وَبِذَلِكَ جَمَعَ الْخَطَّابِيُّ، أَوْ يُحْمَلُ النَّهْيُ عَلَى التَّنْزِيهِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.