وَالْإِزَارَ لَمَّا كَانَا
مُتَلَازِمَيْنِ لِلْمُخَاطَبِ مِنَ الْعَرَبِ عَبَّرَ عَنِ الْعَظَمَةِ وَالْكِبْرِيَاءِ بِهِمَا، وَمَعْنَى حَدِيثِ الْبَابِ أَنَّ مُقْتَضَى عِزَّةِ اللَّهِ وَاسْتِغْنَائِهِ أَنْ لَا يَرَاهُ أَحَدٌ لَكِنَّ رَحْمَتَهُ لِلْمُؤْمِنِينَ اقْتَضَتْ أَنْ يُرِيَهُمْ وَجْهَهُ كَمَالًا لِلنِّعْمَةِ، فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ فَعَلَ مَعَهُمْ خِلَافَ مُقْتَضَى الْكِبْرِيَاءِ فَكَأَنَّهُ رَفَعَ عَنْهُمْ حِجَابًا كَانَ يَمْنَعُهُمْ، وَنَقَلَ الطَّبَرِيُّ عَنْ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ﴾ قَالَ: هُوَ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ.
قَوْلُهُ: (فِي جَنَّةِ عَدْنٍ). قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: لَا تَعَلُّقَ لِلْمُجَسِّمَةِ فِي إِثْبَاتِ الْمَكَانِ لِمَا ثَبَتَ مِنَ اسْتِحَالَةِ أَنْ يَكُونَ سُبْحَانَهُ جِسْمًا أَوْ حَالًا فِي مَكَانٍ، فَيَكُونُ تَأْوِيلُ الرِّدَاءِ: الْآفَةُ الْمَوْجُودَةُ لِأَبْصَارِهِمُ الْمَانِعَةُ لَهُمْ مِنْ رُؤْيَتِهِ، وَإِزَالَتُهَا فِعْلٌ مِنْ أَفْعَالِهِ يَفْعَلُهُ فِي مَحَلِّ رُؤْيَتِهِمْ فَلَا يَرَوْنَهُ مَا دَامَ ذَلِكَ الْمَانِعُ مَوْجُودًا، فَإِذَا فَعَلَ الرُّؤْيَةَ زَالَ ذَلِكَ الْمَانِعُ وَسَمَّاهُ رِدَاءً لِتَنَزُّلِهِ فِي الْمَنْعِ مَنْزِلَةَ الرِّدَاءِ الَّذِي يَحْجُبُ الْوَجْهَ عَنْ رُؤْيَتِهِ فَأَطْلَقَ عَلَيْهِ الرِّدَاءَ مَجَازًا، وَقَوْلُهُ: فِي جَنَّةِ عَدْنٍ رَاجِعٌ إِلَى الْقَوْمِ، وَقَالَ عِيَاضٌ: مَعْنَاهُ رَاجِعٌ إِلَى النَّظِرِينَ، أَيْ: وَهُمْ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ، لَا إِلَى اللَّهِ فَإِنَّهُ لَا تَحْوِيهِ الْأَمْكِنَةُ سُبْحَانَهُ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ يَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ الْقَوْمِ مِثْلَ: كَائِنِينَ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: قَوْلُهُ: فِي جَنَّةِ عَدْنٍ مُتَعَلِّقٌ بِمَعْنَى الِاسْتِقْرَارِ فِي الظَّرْفِ فَيُقَيَّدُ بِالْمَفْهُومِ انْتِفَاءُ هَذَا الْحَصْرِ فِي غَيْرِ الْجَنَّةِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ التُّورْبَشْتِيُّ بِقَوْلِهِ: يُشِيرُ إِلَى أَنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا تَبَوَّأَ مَقْعَدَهُ وَالْحُجُبُ مُرْتَفِعَةٌ وَالْمَوَانِعُ الَّتِي تَحْجُبُ عَنِ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِ مُضْمَحِلَّةٌ إِلَّا مَا يَصُدُّهُمْ مِنَ الْهَيْبَةِ كَمَا قِيلَ:
أَشْتَاقُهُ فَإِذَا بَدَا … أَطْرَقْتُ مِنْ إِجْلَالِهِ
فَإِذَا حَفَّهُمْ بِرَأْفَتِهِ وَرَحْمَتِهِ رَفَعَ ذَلِكَ عَنْهُمْ تَفَضُّلًا مِنْهُ عَلَيْهِمْ.
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ.
قَوْلُهُ: (قَالَ عَبْدُ اللَّهِ) وَهُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَاوِيهِ، وَهُوَ مَوْصُولٌ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ.
قَوْلُهُ: (مِصْدَاقَهُ)، أَيِ: الْحَدِيثُ، وَمِصْدَاقٌ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ مِفْعَالٌ مِنَ الصِّدْقِ بِمَعْنَى الْمُوَافَقَةِ.
قَوْلُهُ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ﴾ - إِلَى أَنْ قَالَ - ﴿وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ﴾ الْآيَةَ) كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَغَيْرِهِ، وَالْمُرَادُ هُنَا مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ بَعْدَهُ: ﴿وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ﴾ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ تَفْسِيرُ قَوْلِهِ: لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْغَضَبَ سَبَبٌ لِمَنْعِ الْكَلَامِ، وَالرُّؤْيَةُ وَالرِّضَا سَبَبٌ لِوُجُودِهِمَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ هَذَا الْحَدِيثِ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ.
الْحَدِيثُ الْعَاشِرُ: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ.
قَوْلُهُ: (عَنْ عَمْرٍو) هُوَ ابْنُ دِينَارٍ الْمَكِّيُّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ سَنَدًا وَمَتْنًا فِي كِتَابِ الشُّرْبِ وَتَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي أَوَاخِرِ الْأَحْكَامِ.
الْحَدِيثُ الْحَادِي عَشَرَ: حَدِيثُ أَبِي بَكْرَةَ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ فِي سَنَدِهِ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ، وَأَيُّوبُ هُوَ السَّخْتِيَانِيُّ، وَمُحَمَّدٌ هُوَ ابْنُ سِيرِينَ، وَابْنُ أَبِي بَكْرَةَ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ كَمَا وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ، وَالسَّنَدُ كُلُّهُ بَصْرِيُّونَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بِعَيْنِهِ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ وَفِي الْمَغَازِي، وَأَغْفَلَ الْمِزِّيُّ ذِكْرَ هَذَا السَّنَدِ فِي التَّوْحِيدِ، وَفِي الْمَغَازِي وَهُوَ ثَابِتٌ فِيهِمَا، وَزَعَمَ أَنَّهُ أَخْرَجَهُ فِي التَّفْسِيرِ عَنْ أَبِي مُوسَى، وَلَمْ أَرَهُ فِي التَّفْسِيرِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ مِنْهُ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ إِلَّا قِطْعَةً يَسِيرَةً إِلَى قَوْلِهِ: وَشَعْبَانُ، وَسَاقَهُ بِتَمَامِهِ فِي الْمَغَازِي، وَهُنَا إِلَّا أَنَّهُ سَقَطَ مِنْ وَسَطِهِ هُنَا عِنْدَ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ السَّرَخْسِيِّ، قَوْلُهُ: قَالَ: فَأَيُّ يَوْمٍ هَذَا - إِلَى قَوْلِهِ - قَالَ: فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُفَرَّقًا، أَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِأَوَّلِهِ وَهُوَ: أَنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ فَفِي تَفْسِيرِ سُورَةِ بَرَاءَةٌ، وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْبَلَدِ الْحَرَامِ. فَفِي بَابِ الْخُطْبَةِ أَيَّامَ مِنًى مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ، وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالنَّهْيِ عَنْ ضَرْبِ بَعْضِهِمْ رِقَابَ بَعْضٍ فَفِي كِتَابِ الْفِتَنِ، وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْحَثِّ عَلَى التَّبْلِيغِ فَفِي كِتَابِ الْعِلْمِ وَالْمُرَادُ مِنْهُ هُنَا قَوْلُهُ: وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ فَيَسْأَلُكُمْ