للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مُحَالٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحَلًّا لِلْحَوَادِثِ، وَالثَّانِي فَاسِدٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْغَيْرُ مُرِيدًا لَهَا، وَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ الْبَارِي مُرِيدًا إِذِ الْمُرِيدُ مَنْ صَدَرَتْ مِنْهُ الْإِرَادَةُ وَهُوَ الْغَيْرُ كَمَا بَطَلَ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا إِذَا أَحْدَثَ الْعِلْمَ فِي غَيْرِهِ، وَحَقِيقَةُ الْمُرِيدِ أَنْ يَكُونَ الْإِرَادَةُ مِنْهُ دُونَ غَيْرِهِ، وَالرَّابِعُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ قِيَامَهَا بِنَفْسِهَا، وَإِذَا فَسَدَتْ هَذِهِ الْأَقْسَامُ صَحَّ أَنَّهُ مُرِيدٌ بِإِرَادَةٍ قَدِيمَةٍ هِيَ صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ، وَيَكُونُ تَعَلُّقُهَا بِمَا يَصِحُّ كَوْنُهُ مُرَادًا، فَمَا وَقَعَ بِإِرَادَتِهِ قَالَ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ خَالِقُ أَفْعَالِ الْعِبَادِ وَأَنَّهُمْ لَا يَفْعَلُونَ إِلَّا مَا يَشَاءُ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾ وَغَيْرُهَا مِنَ الْآيَاتِ، وَقَالَ ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا﴾ ثُمَّ أَكَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ﴾ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ فَعَلَ اقْتِتَالَهُمُ الْوَاقِعَ مِنْهُمْ لِكَوْنِهِ مُرِيدًا لَهُ، وَإِذَا كَانَ هُوَ الْفَاعِلَ لِاقْتِتَالِهِمْ فَهُوَ الْمُرِيدُ لِمَشِيئَتِهِمْ وَالْفَاعِلُ، فَثَبَتَ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ كَسْبَ الْعِبَادِ إِنَّمَا هُوَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَإِرَادَتِهِ، وَلَوْ لَمْ يُرِدْ وُقُوعَهُ مَا وَقَعَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْإِرَادَةُ عَلَى قِسْمَيْنِ: إِرَادَةُ أَمْرٍ وَتَشْرِيعٍ، وَإِرَادَةُ قَضَاءٍ وَتَقْدِيرٍ، فَالْأُولَى تَتَعَلَّقُ بِالطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ سَوَاءٌ وَقَعَتْ أَمْ لَا، وَالثَّانِيَةُ شَامِلَةٌ لِجَمِيعِ الْكَائِنَاتِ مُحِيطَةٌ بِجَمِيعِ الْحَادِثَاتِ طَاعَةً وَمَعْصِيَةً، وَإِلَى الْأَوَّلِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ وَإِلَى الثَّانِي الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا﴾ وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الْإِرَادَةِ وَالرِّضَا فَقَالُوا: يُرِيدُ وُقُوعَ الْمَعْصِيَةِ وَلَا يَرْضَاهَا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا﴾ الْآيَةَ، وَقَوْلُهُ ﴿وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ﴾ وَتَمَسَّكُوا أَيْضًا بِقَوْلِهِ ﴿وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ﴾ وَأَجَابَ أَهْلُ السُّنَّةِ بِمَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ بِسَنَدٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ﴾ يَعْنِي بِعِبَادِهِ الْكُفَّارِ الَّذِينَ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ بِقَوْلِهِمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَأَرَادَ عِبَادَهُ الْمُخْلِصِينَ الَّذِينَ قَالَ فِيهِمْ ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ﴾ فَحَبَّبَ إِلَيْهِمُ الْإِيمَانَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى شَهَادَةَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَقَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾ مَعْنَاهُ وَمَا تَشَاءُونَ الطَّاعَةَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ قَسَرَكُمْ عَلَيْهَا، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا قَالَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ فِي مَوْضِعِ مَا شَاءَ؛ لِأَنَّ حَرْفَ الشَّرْطِ لِلِاسْتِقْبَالِ وَصَرْفُ الْمَشِيئَةِ إِلَى الْقَسْرِ تَحْرِيفٌ لَا إِشْعَارَ لِلْآيَةِ بِشَيْءٍ مِنْهُ، وَإِنَّمَا الْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ مَشِيئَةُ الِاسْتِقَامَةِ كَسْبًا وَهُوَ الْمَطْلُوبُ مِنَ الْعِبَادِ، وَقَالُوا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ﴾ أَيْ يُعْطِي مَنِ اقْتَضَتْهُ الْحِكْمَةُ الْمُلْكَ، يُرِيدُونَ أَنَّ الْحِكْمَةَ تَقْتَضِي رِعَايَةَ الْمَصْلَحَةِ وَيَدَّعُونَ وُجُوبَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ قَوْلِهِمْ، وَظَاهِرُ الْآيَةِ أَنْ يُعْطِيَ الْمُلْكَ مَنْ يَشَاءُ سَوَاءٌ كَانَ مُتَّصِفًا بِصِفَاتِ مَنْ يَصْلُحُ لِلْمُلْكِ أَمْ لَا مِنْ غَيْرِ رِعَايَةِ اسْتِحْقَاقٍ وَلَا وُجُوبٍ وَلَا أَصْلَحَ بَلْ يُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ يَكْفُرُ بِهِ وَيَكْفُرُ نِعْمَتَهُ حَتَّى يُهْلِكَهُ كَكَثِيرٍ مِنَ الْكُفَّارِ مِثْلَ نُمْرُودَ وَالْفَرَاعِنَةِ، وَيُؤْتِيهِ إِذَا شَاءَ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَيَدْعُو إِلَى دِينِهِ وَيَرْحَمُ بِهِ الْخَلْقَ مِثْلَ يُوسُفَ، وَدَاوُدَ، وَسُلَيْمَانَ، وَحِكْمَتُهُ فِي كِلَا الْأَمْرَيْنِ عِلْمُهُ وَإِحْكَامُهُ بِإِرَادَتِهِ تَخْصِيصَ مَقْدُورَاتِهِ. قَوْلُهُ ﴿إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾، قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ: نَزَلَتْ فِي أَبِي طَالِبٍ) تَقَدَّمَ مَوْصُولًا بِتَمَامِهِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْقَصَصِ وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى وَبَعْضُهُ فِي الْجَنَائِزِ، وَقَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: مَعْنَى ﴿لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ﴾ لِأَنَّكَ لَا تَعْلَمُ الْمَطْبُوعَ عَلَى قَلْبِهِ فَيُقْرَنُ بِهِ اللُّطْفُ حَتَّى يَدْعُوَهُ إِلَى الْقَبُولِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ الْقَابِلِينَ لِذَلِكَ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ اللُّطْفَ الَّذِي يَسْتَنِدُونَ إِلَيْهِ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَمُرَادُهُمْ بِمَنْ يَقْبَلُ مِمَّنْ لَا يَقْبَلُ مَنْ يَقَعُ ذَلِكَ مِنْهُ لِذَاتِهِ لَا بِحُكْمِ اللَّهِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ أَيِ الَّذِينَ