ﷺ: ﴿وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ﴾ أَيْ: بِقِرَاءَتِكَ، فَيَسْمَعَ الْمُشْرِكُونَ فَيَسُبُّوا الْقُرْآنَ، ﴿وَلا تُخَافِتْ بِهَا﴾ عَنْ أَصْحَابِكَ فَلَا تُسْمِعُهُمْ، ﴿وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلا﴾.
٧٥٢٦ - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ ﵂ قَالَتْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا فِي الدُّعَاءِ.
٧٥٢٧ - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قال رسول الله ﷺ: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ وَزَادَ غَيْرُهُ يَجْهَرُ بِهِ.
قَوْلُهُ: بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ أَشَارَ بِهَذِهِ الْآيَةِ إِلَى أَنَّ الْقَوْلَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِالْقُرْآنِ أَوْ بِغَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ بِالْقُرْآنِ فَالْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ وَهُوَ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ فَلَيْسَ بِمَخْلُوقٍ لِقِيَامِ الدَّلِيلِ الْقَاطِعِ بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِهِ فَهُوَ مَخْلُوقٌ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ﴾ بَعْدَ قَوْلِهِ ﴿إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: مُرَادُهُ بِهَذَا الْبَابِ إِثْبَاتُ الْعِلْمِ لِلَّهِ صِفَةً ذَاتِيَّةً لِاسْتِوَاءِ عِلْمِهِ بِالْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ وَالسِّرِّ، وَقَدْ بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ فِي آيَةٍ أُخْرَى ﴿سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ﴾ وَأَنَّ اكْتِسَابَ الْعَبْدِ مِنَ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ لِلَّهِ تَعَالَى لِقَوْلِهِ ﴿إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ ثُمَّ قَالَ عَقِبَ ذَلِكَ ﴿أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ﴾ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ عَالِمٌ بِمَا أَسَرُّوهُ وَمَا
جَهَرُوا بِهِ وَأَنَّهُ خَالِقٌ لِذَلِكَ فِيهِمْ، فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُهُ مَنْ خَلَقَ رَاجِعٌ إِلَى الْقَائِلِينَ قِيلَ لَهُ إِنَّ هَذَا الْكَلَامَ خَرَجَ مَخْرَجَ التَّمَدُّحِ مِنْهُ بِعِلْمِهِ بِمَا أَسَرَّ الْعَبْدُ وَجَهَرَ وَأَنَّهُ خَلَقَهُ فَإِنَّهُ جَعَلَ خَلْقَهُ دَلِيلًا عَلَى كَوْنِهِ عَالِمًا بِقَوْلِهِمْ فَيَتَعَيَّنُ رُجُوعُ قَوْلِهِ: خَلَقَ إِلَى قَوْلِهِمْ لِيَتِمَّ تَمَدُّحِهِ بِالْأَمْرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ، وَلِيَكُونَ أَحَدُهُمَا دَلِيلًا عَلَى الْآخَرِ، وَلَمْ يُفَرِّقْ أَحَدٌ بَيْنَ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ، وَقَدْ دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ الْأَقْوَالَ خَلْقُ اللَّهِ تَعَالَى فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ الْأَفْعَالُ خَلْقًا لَهُ ﷾، وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: ظَنَّ الشَّارِحُ أَنَّهُ قَصَدَ بِالتَّرْجَمَةِ إِثْبَاتَ الْعِلْمِ وَلَيْسَ كَمَا ظَنَّ وَإِلَّا لَتَقَاطَعَتِ الْمَقَاصِدُ مِمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ التَّرْجَمَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا مُنَاسَبَةَ بَيْنَ الْعِلْمِ وَبَيْنَ حَدِيثِ: لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ وَإِنَّمَا قَصَدَ الْبُخَارِيُّ الْإِشَارَةَ إِلَى النُّكْتَةِ الَّتِي سَبَبُ مِحْنَتِهِ بِمَسْأَلَةِ اللَّفْظِ فَأَشَارَ بِالتَّرْجَمَةِ إِلَى أَنَّ تِلَاوَةَ الْخَلْقِ تَتَّصِفُ بِالسِّرِّ وَالْجَهْرِ وَيَسْتَلْزِمُ أَنْ تَكُونَ مَخْلُوقَةً، وَسَاقَ الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ عِدَّةِ أَحَادِيثَ دَالَّةٍ عَلَى ذَلِكَ فَبَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ أَنَّ أَصْوَاتَ الْخَلْقِ وَقِرَاءَتَهُمْ وَدِرَاسَتَهُمْ وَتَعْلِيمَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ مُخْتَلِفَةٌ بَعْضُهَا أَحْسَنُ وَأَزْيَنُ وَأَحْلَى وَأَصْوَتُ وَأَرْتَلُ وَأَلْحَنُ وَأَعْلَى وَأَخْفَضُ وَأَغَضُّ وَأَخْشَعُ وَأَجْهَرُ وَأَخْفَى وَأَقْصَرُ وَأَمَدُّ وَأَلْيَنُ مِنْ بَعْضٍ.
قَوْلُهُ: ﴿يَتَخَافَتُونَ﴾ يَتَسَارُّونَ) بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَالسِّينٌ مُهْمَلَةٌ وَفِي بَعْضِهَا بِشِينٍ مُعْجَمَةٍ وَزِيَادَةُ وَاوٍ بِغَيْرِ تَثْقِيلٍ، أَيْ يَتَرَاجَعُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ سِرًّا.
ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي نُزُولِ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا﴾ وَفِي آخِرِهِ: فَقَالَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ ﷺ ﴿وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ﴾ أَيْ بِقِرَاءَتِكَ.
وَحَدِيثَ عَائِشَةَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الدُّعَاءِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُمَا فِي تَفْسِيرِ سُبْحَانَ.
وَحَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ: لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ، وَزَادَ غَيْرُهُ: يَجْهَرْ بِهِ، أَوْرَدَهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ وَقَدْ مَضَى فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ، وَفِي بَابِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ﴾ مِنْ طَرِيقِ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ بِلَفْظِ مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ مَا أَذِنَ لِنَبِيٍّ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute