للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لِأَنَّهُ بِجَمِيعِ ذَلِكَ عَلِيمٌ، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ﴾ وَقَالَ: ﴿وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا﴾ فَأَخْبَرَ أَنَّهُ الْمُحْيِي الْمُمِيتُ وَأَنَّهُ خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ، فَثَبَتَ أَنَّ الْأَفْعَالَ كُلَّهَا خَيْرَهَا وَشَرَّهَا صَادِرَةٌ عَنْ خَلْقِهِ وَإِحْدَاثِهِ إِيَّاهَا، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى﴾ وَقَالَ تَعَالَى: ﴿أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ﴾ فَسَلَبَ عَنْهُمْ هَذِهِ الْأَفْعَالَ وَأَثْبَتَهَا

لِنَفْسِهِ لِيَدُلَّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمُؤَثِّرَ فِيهَا حَتَّى صَارَتْ مَوْجُودَةً بَعْدَ الْعَدَمِ هُوَ خَلْقُهُ، وَأَنَّ الَّذِي يَقَعُ مِنَ النَّاسِ إِنَّمَا هُوَ مُبَاشَرَةُ تِلْكَ الْأَفْعَالِ بِقُدْرَةٍ حَادِثَةٍ أَحْدَثَهَا عَلَى مَا أَرَادَ، فَهِيَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى خَلْقٌ بِمَعْنَى الِاخْتِرَاعِ بِقُدْرَتِهِ الْقَدِيمَةِ، وَمِنَ الْعِبَادِ كَسْبٌ عَلَى مَعْنَى تَعَلُّقِ قُدْرَةٍ حَادِثَةٍ بِمُبَاشَرَتِهِمُ الَّتِي هِيَ كَسْبُهُمْ وَوُقُوعُ هَذِهِ الْأَفْعَالِ عَلَى وُجُودِهِ بِخِلَافِ فِعْلِ مُكْتَسِبِهَا أَحْيَانًا مِنْ أَعْظَمِ الدَّلَالَةِ عَلَى مُوقِعٍ أَوْقَعَهَا عَلَى مَا أَرَادَ، ثُمَّ سَاقَ حَدِيثَ حُذَيْفَةَ الْمُشَارَ إِلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا مَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ دُعَاءِ الِافْتِتَاحِ فِي أَوَّلِ الصَّلَاةِ: وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ، فَمَعْنَاهُ كَمَا قَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ: وَالشَّرُّ لَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَيْكَ، وَقَالَ غَيْرُهُ: أَرْشَدُ إِلَى اسْتِعْمَالِ الْأَدَبِ فِي الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِأَنْ يُضَافَ إِلَيْهِ مَحَاسِنُ الْأُمُورِ دُونَ مَسَاوِيهَا، وَقَدْ وَقَعَ فِي نَفْسِ هَذَا الْحَدِيثِ: وَالْمُهْدَى مَنْ هَدَيْتَ فَأَخْبَرَ أَنَّهُ يَهْدِي مَنْ شَاءَ كَمَا وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي الْقُرْآنِ، وَقَالَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَاضِي فِي الْأَحْكَامِ الَّذِي فِي أَوَّلِهِ: أَنَّ كُلَّ وَالٍ لَهُ بِطَانَتَانِ وَالْمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَ اللَّهُ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَعْصِمُ قَوْمًا دُونَ قَوْمٍ، وَقَالَ غَيْرُهُ: يَسْتَحِيلُ أَنْ يَصْلُحَ قُدْرَةَ الْعِبَادِ لِلْإِبْرَازِ مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُودِ وَهُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِالِاخْتِرَاعِ وَثُبُوتُهُ لِلَّهِ قَطْعِيٌّ؛ لِأَنَّ قُدْرَةَ الْإِبْرَازِ مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُودِ تَتَوَجَّهُ إِلَى تَحْصِيلِ مَا لَيْسَ بِحَاصِلٍ فَحَالَ تَوْجِيهِهَا لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهَا لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَحْصُلَ الْعَدَمُ

شَيْئًا، فَقُدْرَتُهُ ثَابِتَةٌ وَقُدْرَةُ الْمَخْلُوقِينَ عَرَضٌ لَا بَقَاءَ لَهُ فَيَسْتَحِيلُ تَقَدُّمُهَا، وَقَدْ تَوَارَدَتِ النُّقُولُ السَّمْعِيَّةُ وَالْقُرْآنُ وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ بِانْفِرَادِ الرَّبِّ بِالِاخْتِرَاعِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ﴾، ﴿فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ﴾ وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَحْكُمُ فِي خَلْقِهِ بِمَا يَشَاءُ وَلَا تَتَوَقَّفُ أَحْكَامُهُ فِي ثَوَابِهِمْ وَعِقَابِهِمْ عَلَى أَنْ يَكُونُوا خَالِقِينَ لِأَفْعَالِهِمْ أَنَّهُ نَصَبَ الثَّوَابَ وَالْعِقَابَ عَلَى مَا يَقَعُ مُبَايِنًا لِمَحَالِّ قُدْرَتِهِمْ، وَأَمَّا اكْتِسَابُ الْعِبَادِ فَلَا يَقَعُ إِلَّا فِي مَحَلِّ الْكَسْبِ، وَمِثَالُ ذَلِكَ السَّهْمُ الَّذِي يَرْمِيهِ الْعَبْدُ لَا تَصَرُّفُ لَهُ فِيهِ بِالرَّفْعِ، وَكَذَلِكَ لَا تَصَرُّفُ لَهُ فِيهِ بِالْوَضْعِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ إِرَادَةَ اللَّهِ تَتَعَلَّقُ بِمَا لَا نِهَايَةَ لَهُ عَلَى وَجْهِ النُّفُوذِ وَعَدَمِ التَّعَذُّرِ، وَإِرَادَةُ الْعَبْدِ لَا تَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ مَعَ تَسْمِيَتِهَا إِرَادَةً، وَكَذَلِكَ عِلْمُهُ تَعَالَى لَا نِهَايَةَ لَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّفْصِيلِ، وَعِلْمُ الْعَبْدِ لَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ مَعَ تَسْمِيَتِهِ عِلْمًا.

فَصْلٌ: احْتَجَّ بَعْضُ الْمُبْتَدِعَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ؛ لِأَنَّهُ شَيْءٌ، وَتَعَقَّبَ ذَلِكَ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ بِأَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ وَهُوَ صِفَتُهُ فَكَمَا أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَدْخُلْ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ: كُلِّ شَيْءٍ اتِّفَاقًا فَكَذَلِكَ صِفَاتُهُ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ﴾ مَعَ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ﴾ فَكَمَا لَمْ تَدْخُلْ نَفْسُ اللَّهِ فِي هَذَا الْعُمُومِ اتِّفَاقًا فَكَذَا لَا يَدْخُلُ الْقُرْآنُ.

قَوْلُهُ: (وَيُقَالُ لِلْمُصَوِّرِينَ أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَهُوَ الْمَحْفُوظُ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَيَقُولُ أَيِ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَوِ الْمَلَكُ بِأَمْرِهِ، وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ لَفْظُ الْحَدِيثِ الْمَوْصُولِ فِي الْبَابِ وَيُقَالُ لَهُمْ فَأَظْهَرَ الْبُخَارِيُّ مَرْجِعَ الضَّمِيرِ انْتَهَى. وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى نِسْبَةِ الْخَلْقِ إِلَيْهِمْ فِي آخِرِ الْبَابِ.

قَوْلُهُ: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ﴾ - إِلَى - ﴿تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ سَاقَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ الْآيَةَ كُلَّهَا، وَالْمُنَاسِبُ مِنْهَا لِمَا تَقَدَّمَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ﴾ فَيَصِحُّ بِهِ قَوْلُ اللَّهِ: ﴿خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ وَلِذَلِكَ عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ: قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: بَيَّنَ اللَّهُ الْخَلْقَ مِنَ الْأَمْرِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ﴾ وَهَذَا الْأَثَرُ وَصَلَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِ الرَّدِّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ مِنْ طَرِيقِ بَشَّارِ بْنِ مُوسَى قَالَ: كُنَّا عِنْدَ سُفْيَانَ بْنِ