للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

التَّفْرِقَةُ بَيْنَهُمَا وَأَنَّ مَنْ قَرَّتْ حَوَاسُّهُ بِحَيْثُ يَسْمَعُ كَلَامَ جَلِيسِهِ وَلَا يَفْهَمُ مَعْنَاهُ فَهُوَ نَاعِسٌ، وَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ نَائِمٌ، وَمِنْ عَلَامَاتِ النَّوْمِ الرُّؤْيَا طَالَتْ أَوْ قَصُرَتْ، وَفِي الْعَيْنِ وَالْمُحْكَمِ النُّعَاسُ النَّوْمُ، وَقِيلَ مُقَارَبَتُهُ.

قَوْلُهُ: (وَمَنْ لَمْ يَرَ مِنَ النَّعْسَةِ) هُوَ قَوْلُ الْمُعْظَمِ، وَيَتَخَرَّجُ مِنْ جَعْلِ النُّعَاسَ نَوْمًا أَنَّ مَنْ يَقُولُ النَّوْمُ حَدَثٌ بِنَفْسِهِ يُوجِبُ الْوُضُوءَ مِنَ النُّعَاسِ، وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ فِي قِصَّةِ صَلَاةِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَعَ النَّبِيِّ بِاللَّيْلِ، قال: فَجَعَلْتُ إِذَا أَغْفَيْتُ أَخَذَ بِشَحْمَةِ أُذُنِي؛ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ لَا يَجِبُ عَلَى غَيْرِ الْمُسْتَغْرِقِ. وَرَوَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قال: وَجَبَ الْوُضُوءُ عَلَى كُلِّ نَائِمٍ إِلَّا مَنْ خَفَقَ خَفْقَةً، وَالْخَفْقَةُ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ بَعْدَهَا قَافٌ، قال ابْنُ التِّينِ: هِيَ النَّعْسَةُ، وَإِنَّمَا كَرَّرَ لِاخْتِلَافِ اللَّفْظِ، كَذَا قال. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنَ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ، قال أَهْلُ اللُّغَةِ: خَفَقَ رَأْسُهُ إِذَا حَرَّكَهُ وَهُوَ نَاعِسٌ، وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ: خَفَقَ بِرَأْسِهِ مِنَ النُّعَاسِ: أَمَالَهُ. وَقَالَ الْهَرَوِيُّ: مَعْنَى تَخْفِقُ رُءُوسُهُمْ تَسْقُطُ أَذْقَانُهُمْ عَلَى صُدُورِهِمْ، وَأَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى حَدِيثِ أَنَسٍ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ يَنْتَظِرُونَ الصَّلَاةَ فَيَنْعَسُونَ حَتَّى تَخْفِقَ رُؤُوسُهُمْ، ثُمَّ يَقُومُونَ إِلَى الصَّلَاةِ. رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ، وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَأَصْلُهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ.

قَوْلُهُ: (عَنْ هِشَامٍ) زَادَ الْأَصِيلِيُّ ابْنِ عُرْوَةَ، وَالْإِسْنَادُ مَدَنِيُّونَ إِلَّا شَيْخَ الْبُخَارِيِّ.

قَوْلُهُ: (إِذَا نَعَسَ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَغَلَّطُوا مَنْ ضَمَّهَا.

قَوْلُهُ (فَلْيَرْقُدْ) وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ، عَنْ هِشَامٍ فَلْيَنْصَرِفْ وَالْمُرَادُ بِهِ التَّسْلِيمُ مِنَ الصَّلَاةِ، وَحَمَلَهُ الْمُهَلَّبُ عَلَى ظَاهِرِهِ؛ فَقَالَ: إِنَّمَا أَمَرَهُ بِقَطْعِ الصَّلَاةِ لِغَلَبَةِ النَّوْمِ عَلَيْهِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ النُّعَاسُ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ عُفِيَ عَنْهُ. قال: وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ النَّوْمَ الْقَلِيلَ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، وَخَالَفَ الْمُزَنِيُّ فَقَالَ: يَنْقُضُ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ. فَخَرَقَ الْإِجْمَاعَ.

كَذَا قال الْمُهَلَّبُ، وَتَبِعَهُ ابْنُ بَطَّالٍ، وَابْنُ التِّينِ وَغَيْرُهُمَا، وَقَدْ تَحَامَلُوا عَلَى الْمُزَنِيِّ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى، فَقَدْ نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ الْمَصِيرَ إِلَى أَنَّ النَّوْمَ حَدَثٌ يَنْقُضُ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدٍ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ، قال ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَبِهِ أَقُولُ لِعُمُومِ حَدِيثِ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ يَعْنِي الَّذِي صَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُ، فَفِيهِ إِلَّا مِنْ غَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ أَوْ نَوْمٍ فَيُسَوِّي بَيْنَهُمَا فِي الْحُكْمِ، وَالْمُرَادُ بِقَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ طُولُ زَمَانِهِ وَقِصَرُهُ لَا مَبَادِيهُ، وَالَّذِينَ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ النَّوْمَ مَظِنَّةُ الْحَدَثِ اخْتَلَفُوا عَلَى أَقْوَالٍ: التَّفْرِقَةُ بَيْنَ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ، وَمَالِكٍ، وَبَيْنَ الْمُضْطَجِعِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَبَيْنَ الْمُضْطَجِعِ وَالْمُسْتَنِدِ وَغَيْرِهِمَا وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَبَيْنَهُمَا وَالسَّاجِدُ بِشَرْطِ قَصْدِهِ النَّوْمَ وَبَيْنَ غَيْرِهِمْ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَقِيلَ لَا يَنْقُضُ نَوْمُ غَيْرِ الْقَاعِدِ مُطْلَقًا وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ، وَعَنْهُ التَّفْصِيلُ بَيْنَ خَارِجِ الصَّلَاةِ فَيَنْقُضُ أَوْ دَاخِلِهَا فَلَا، وَفَصَّلَ فِي الْجَدِيدِ بَيْنَ الْقَاعِدِ الْمُتَمَكِّنِ فَلَا يَنْقُضُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ فَيَنْقُضُ، وَفِي الْمُهَذَّبِ: وَإِنْ وُجِدَ مِنْهُ النَّوْمُ وَهُوَ قَاعِدٌ وَمَحَلُّ الْحَدَثِ مِنْهُ مُتَمَكِّنٌ بِالْأَرْضِ، فَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ وُضُوؤهُ، وَقَالَ فِي الْبُوَيْطِيِّ: يُنْتَقَضُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُزَنِيِّ، انْتَهَى.

وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ لَفْظَ الْبُوَيْطِيِّ لَيْسَ صَرِيحًا فِي ذَلِكَ؛ فَإِنَّهُ قال: وَمَنْ نَامَ جَالِسًا أَوْ قَائِمًا فَرَأَى رُؤْيَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءَ. قال النَّوَوِيُّ: هَذَا قَابِلٌ لِلتَّأْوِيلِ (١).

قَوْلُهُ: (فَإِنَّ أَحَدَكُمْ)، قال الْمُهَلَّبُ: فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى الْعِلَّةِ الْمُوجِبَةِ لِقَطْعِ الصَّلَاةِ، فَمَنْ صَارَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالِ فَقَدِ انْتَقَضَ وُضُوؤُهُ بِالْإِجْمَاعِ. كَذَا قال وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الْإِشَارَةَ إِنَّمَا هِيَ إِلَى جَوَازِ قَطْعِ الصَّلَاةِ أَوْ الِانْصِرَافِ إِذَا سَلَّمَ مِنْهَا، وَأَمَّا النَّقْضُ فَلَا يَتَبَيَّنُ مِنْ سِيَاقِ الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّ


(١) الصواب في هذه المسألة أن النوم مظنة الحدث، فلا ينقض منه النعاس والشيء اليسير، إنما ينتقض منه ما أزال الشعور مطلقا، وبذلك تجتمع الأحاديث الواردة في الباب والله أعلم