للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

امْرَأَةٌ النَّبِيَّ فَقَالَتْ: أَرَأَيْتَ إِحْدَانَا تَحِيضُ فِي الثَّوْبِ كَيْفَ تَصْنَعُ؟ قَالَ تَحُتُّهُ ثُمَّ تَقْرُصُهُ بِالْمَاءِ وَتَنْضَحُهُ وَتُصَلِّي فِيهِ.

[الحديث ٢٢٧ - طرفه في: ٣٠٧]

قَوْلُهُ: (بَابُ غَسْلِ الدَّمِ) بِفَتْحِ الْغَيْنِ. وَيَحْيَى هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، وَهِشَامٌ هُوَ ابْنُ عُرْوَةَ، وَفَاطِمَةُ هِيَ زَوْجَتُهُ بِنْتُ عَمِّهِ الْمُنْذِرِ، وَأَسْمَاءُ هِيَ جَدَّتُهُمَا لِأَبَوَيْهِمَا بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ.

قَوْلُهُ: (جَاءَتِ امْرَأَةٌ) وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ هِشَامٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ أَسْمَاءَ هِيَ السَّائِلَةُ، وَأَغْرَبَ النَّوَوِيُّ فَضَعَّفَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ بِلَا دَلِيلٍ، وَهِيَ صَحِيحَةُ الْإِسْنَادِ لَا عِلَّةَ لَهَا، وَلَا بُعْدَ فِي أَنْ يُبْهِمَ الرَّاوِي اسْمَ نَفْسِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ فِي قِصَّةِ الرُّقْيَةِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ.

قَوْلُهُ: (تَحِيضُ فِي الثَّوْبِ) أَيْ يَصِلُ دَمُ الْحَيْضِ إِلَى الثَّوْبِ، وَلِلْمُصَنِّفِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامٍ إِذَا أَصَابَ ثَوْبَهَا الدَّمُ مِنَ الْحَيْضَةِ.

قَوْلُهُ: (تَحُتُّهُ) بِالْفَتْحِ وَضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقَانِيَّةِ أَيْ تَحُكُّهُ، وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ إِزَالَةُ عَيْنِهِ.

قَوْلُهُ: (ثُمَّ تَقْرُصُهُ) بِالْفَتْحِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ وَضَمِّ الرَّاءِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَتَيْنِ، كَذَا فِي رِوَايَتِنَا. وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ فِيهِ الضَّمُّ وَفَتْحُ الْقَافِ وَتَشْدِيدُ الرَّاءِ الْمَكْسُورَةِ، أَيْ تُدَلِّكُ مَوْضِعَ الدَّمِ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِهَا لِيَتَحَلَّلَ بِذَلِكَ وَيَخْرُجَ مَا تَشَرَّبَهُ الثَّوْبُ مِنْهُ.

قَوْلُهُ: (وَتَنْضَحُهُ) بِفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَضَمِّ الْحَاءِ أَيْ تَغْسِلَهُ، قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: الْمُرَادُ بِهِ الرَّشُّ ; لِأَنَّ غَسْلَ الدَّمِ اسْتُفِيدَ مِنْ قَوْلِهِ تَقْرُصُهُ بِالْمَاءِ، وَأَمَّا النَّضْحُ فَهُوَ لِمَا شَكَّتْ فِيهِ مِنَ الثَّوْبِ. قُلْتُ: فَعَلَى هَذَا فَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ تَنْضَحُهُ يَعُودُ عَلَى الثَّوْبِ، بِخِلَافِ تَحُتُّهُ فَإِنَّهُ يَعُودُ عَلَى الدَّمِ، فَيَلْزَمُ مِنْهُ اخْتِلَافُ الضَّمَائِرِ وَهُوَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ. ثُمَّ إِنَّ الرَّشَّ عَلَى الْمَشْكُوكِ فِيهِ لَا يُفِيدُ شَيْئًا ; لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ طَاهِرًا فَلَا حَاجَةَ إِلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مُتَنَجِّسًا لَمْ يَطْهُرْ بِذَلِكَ، فَالْأَحْسَنُ مَا قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النَّجَاسَاتِ إِنَّمَا تُزَالُ بِالْمَاءِ دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الْمَائِعَاتِ ; لِأَنَّ جَمِيعَ النَّجَاسَاتِ بِمَثَابَةِ الدَّمِ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِجْمَاعًا، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، أَيْ يَتَعَيَّنُ الْمَاءُ لِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ تَطْهِيرُ النَّجَاسَةِ بِكُلِّ مَائِعٍ طَاهِرٍ، وَمِنْ حُجَّتِهِمْ حَدِيثُ عَائِشَةَ مَا كَانَ لِإِحْدَانَا إِلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ تَحِيضُ فِيهِ، فَإِذَا أَصَابَهُ شَيْءٌ مِنْ دَمِ الْحَيْضِ قَالَتْ بِرِيقِهَا فَمَصَّتْهُ بِظُفُرِهَا وَلِأَبِي دَاوُدَ بَلَّتْهُ بِرِيقِهَا، وَجْهُ الْحُجَّةِ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الرِّيقُ لَا يُطَهِّرُ لَزَادَ النَّجَاسَةُ. وَأُجِيبَ بِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ قَصَدَتْ بِذَلِكَ تَحْلِيلَ أَثَرِهِ ثُمَّ غَسَلَتْهُ بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي تَقْرِيرُهُ فِي كِتَابِ الْحَيْضِ فِي بَابِ هَلْ تُصَلِّي الْمَرْأَةُ فِي ثَوْبٍ حَاضَتْ فِيهِ.

(فَائِدَةٌ): تُعُقِّبَ اسْتِدْلَالُ مَنِ اسْتَدَلَّ عَلَى تَعْيِينِ إِزَالَةِ النَّجَاسَةِ بِالْمَاءِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ مَفْهُومُ لَقَبٍ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَ الْأَكْثَرِ ; وَلِأَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فِي الِاسْتِعْمَالِ لَا الشَّرْطِ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْخَبَرَ نَصَّ عَلَى الْمَاءِ، فَإِلْحَاقُ غَيْرِهِ بِهِ بِالْقِيَاسِ، وَشَرْطُهُ أَنْ لَا يَنْقُصَ الْفَرْعُ عَنِ الْأَصْلِ فِي الْعِلَّةِ، وَلَيْسَ فِي غَيْرِ الْمَاءِ مَا فِي الْمَاءِ مِنْ رِقَّتِهِ وَسُرْعَةِ نُفُوذِهِ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ، وَسَيَأْتِي بَاقِي فَوَائِدِهِ فِي بَابِ غَسْلِ دَمِ الْحَيْضِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

٢٢٨ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: جَاءَتْ فَاطِمَةُ ابْنَةُ أَبِي حُبَيْشٍ إِلَى النَّبِيِّ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ فَلَا أَطْهُرُ، أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ؟ فَقَالَ