للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الْأَشْعَرِيُّ، وَهَذَا الْأَثَرُ وَصَلَهُ أَبُو نُعَيْمٍ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ لَهُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ - هُوَ السُّلَمِيُّ الْكُوفِيُّ - عَنْ أَبِيهِ قَالَ صَلَّى بِنَا أَبُو مُوسَى فِي دَارِ الْبَرِيدِ، وَهُنَاكَ سِرْقِينُ الدَّوَابِّ، وَالْبَرِّيَّةِ عَلَى الْبَابِ، فَقَالُوا: لَوْ صَلَّيْتَ عَلَى الْبَابِ فَذَكَرَهُ. وَالسِّرْقِينُ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ هُوَ الزِّبْلُ، وَحَكَى فِيهِ ابْنُ سِيدَهْ فَتْحَ أَوَّلِهِ وَهُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ، وَيُقَالُ لَهُ السِّرْجِينُ بِالْجِيمِ، وَهُوَ فِي الْأَصْلِ حَرْفٌ بَيْنَ الْقَافِ وَالْجِيمِ يَقْرُبُ مِنَ الْكَافِ، وَالْبَرِّيَّةُ الصَّحْرَاءُ مَنْسُوبَةٌ إِلَى الْبَرِّ، وَدَارُ الْبَرِيدِ الْمَذْكُورَةُ مَوْضِعٌ بِالْكُوفَةِ كَانَتِ الرُّسُلُ تَنْزِلُ فِيهِ إِذَا حَضَرَتْ مِنَ الْخُلَفَاءِ إِلَى الْأُمَرَاءِ، وَكَانَ أَبُو مُوسَى أَمِيرًا عَلَى الْكُوفَةِ فِي زَمَنِ عُمَرَ وَفِي زَمَنِ عُثْمَانَ، وَكَانَتِ الدَّارُ فِي طَرَفِ الْبَلَدِ وَلِهَذَا كَانَتِ الْبَرِّيَّةُ إِلَى جَنْبِهَا. وَقَالَ الْمُطَرِّزِيُّ: الْبَرِيدُ فِي الْأَصْلِ الدَّابَّةُ الْمُرَتَّبَةُ فِي الرِّبَاطِ، ثُمَّ سُمِّيَ بِهِ الرَّسُولُ الْمَحْمُولُ عَلَيْهَا: ثُمَّ سُمِّيَتْ بِهِ الْمَسَافَةُ الْمَشْهُورَةُ.

(فَائِدَةٌ): ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ: هَمْدَانُ بَرِيدُ عُمَرَ، وَهُوَ يُرْوَى عَنْ عُمَرَ، وَلَهُ أَثَرٌ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ تَعْلِيقًا عَنْ عُمَيْرٍ كَمَا سَيَأْتِي تَخْرِيجُهُ مِنْ طَرِيقِهِ.

قَوْلُهُ: (سَوَاءً) يُرِيدُ أَنَّهُمَا مُتَسَاوِيَانِ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى طَهَارَةِ أَرْوَاثِ الدَّوَابِّ عِنْدَ أَبِي مُوسَى ; لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهَا عَلَى ثَوْبٍ يَبْسُطُهُ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ، وَقَدْ رَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ فِي جَامِعِهِ عَنِ الْأَعْمَشِ بِسَنَدِهِ وَلَفْظِهِ صَلَّى بِنَا أَبُو مُوسَى عَلَى مَكَانٍ فِيهِ سِرْقِينٌ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ بِغَيْرِ حَائِلٍ، وَقَدْ رَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الطِّنْفِسَةِ مُحْدَثٌ، وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ. وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ إِنَّ هَذَا مِنْ فِعْلِ أَبِي مُوسَى، وَقَدْ خَالَفَهُ غَيْرُهُ مِنَ الصَّحَابَةِ كَابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ، فَلَا يَكُونُ حُجَّةً. أَوْ لَعَلَّ أَبَا مُوسَى كَانَ لَا يَرَى الطَّهَارَةَ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ بَلْ يَرَاهَا وَاجِبَةً بِرَأْسِهَا، وَهُوَ مَذْهَبٌ مَشْهُورٌ. وَقَدْ تَقَدَّمَ مِثْلُهُ فِي قِصَّةِ الصَّحَابِيِّ الَّذِي صَلَّى بَعْدَ أَنْ جُرِحَ وَظَهَرَ عَلَيْهِ الدَّمُ الْكَثِيرُ، فَلَا يَكُونُ فِيهِ حُجَّةٌ عَلَى أَنَّ الرَّوْثَ طَاهِرٌ، كَمَا أَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِي ذَاكَ عَلَى أَنَّ الدَّمَ طَاهِرٌ، وَقِيَاسُ غَيْرِ الْمَأْكُولِ عَلَى الْمَأْكُولِ غَيْرُ وَاضِحٍ ; لِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا مُتَّجَهٌ لَوْ ثَبَتَ أَنَّ رَوْثَ الْمَأْكُولِ طَاهِرٌ، وَسَنَذْكُرُ مَا فِيهِ قَرِيبًا. وَالتَّمَسُّكُ بِعُمُومِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي صَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ اسْتَنْزِهُوا مِنَ الْبَوْلِ فَإِنَّ عَامَّةَ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْهُ أَوْلَى ; لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ فِي تَنَاوُلِ جَمِيعِ الْأَبْوَالِ (١) فَيَجِبُ اجْتِنَابُهَا لِهَذَا الْوَعِيدِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: (عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ) كَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَتَابَعَهُ أَبُو دَاوُدَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيِّ، وَأَبِي دَاوُدَ الْحَرَّانِيِّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ طَرِيقِ يُوسُفَ الْقَاضِي كُلُّهُمْ عَنْ سُلَيْمَانَ، وَخَالَفَهُمْ مُسْلِمٌ فَأَخْرَجَهُ عَنْ هَارُونَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ، وَزَادَ بَيْنَ أَيُّوبَ، وَأَبِي قِلَابَةَ، أَبَا رَجَاءٍ مَوْلَى أَبِي قِلَابَةَ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ الطَّرَسُوسِيِّ، عَنْ سُلَيْمَانَ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ: ثُبُوتُ أَبِي رَجَاءٍ وَحَذْفُهُ - فِي حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ - صَوَابٌ ; لِأَنَّ أَيُّوبَ حَدَّثَ بِهِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ بِقِصَّةِ الْعُرَنِيِّينَ خَاصَّةً، وَكَذَا رَوَاهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْهُ مُقْتَصِرِينَ عَلَيْهَا، وَحَدَّثَ بِهِ أَيُّوبُ أَيْضًا عَنْ أَبِي رَجَاءٍ مَوْلَى أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، وَزَادَ فِيهِ قِصَّةً طَوِيلَةً لِأَبِي قِلَابَةَ مَعَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَمَا سَيَأْتِي ذَلِكَ فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ، وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ حَجَّاجٌ الصَّوَّافُ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، فَالطَّرِيقَانِ جَمِيعًا صَحِيحَانِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.


(١) هذا ليس بجيد، والصواب طهارة أبوال الإبل ونحوها مما يؤكل لحمه كما يأتي دليله في حديث العرنيين، و"ال"في قوله "استنزهو من البول" للعهد، والمعهود بينهم بول الناس كما قاله البخاري، وكما يدل عليه حديث القبرين وأثر أبي موسى المذكور. والله أعلم