للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الْمُبَارَكِ، وَسُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ، وَمَنْصُورٌ هُوَ ابْنُ الْمُعْتَمِرِ.

قَوْلُهُ: (فَتَوَضَّأْ) ظَاهِرُهُ اسْتِحْبَابُ تَجْدِيدِ الْوُضُوءِ لِكُلِّ مَنْ أَرَادَ النَّوْمَ وَلَوْ كَانَ عَلَى طَهَارَةٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَخْصُوصًا بِمَنْ كَانَ مُحْدِثًا، وَوَجْهُ مُنَاسَبَتِهِ لِلتَّرْجَمَةِ مِنْ قَوْلِهِ: فَإِنْ مِتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ فَأَنْتَ عَلَى الْفِطْرَةِ، وَالْمُرَادُ بِالْفِطْرَةِ السُّنَّةُ، وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا مَنْ طُرُقٍ عَنِ الْبَرَاءِ، وَلَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ الْوُضُوءِ إِلَّا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَكَذَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الْبَابِ حَدِيثٌ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَحَدِيثٌ عَنْ عَلِيٍّ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ، وَلَيْسَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى فَوَائِدِ هَذَا الْمَتْنِ فِي كِتَابِ الدَّعَوَاتِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

قَوْلُهُ: (وَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَقُولُ) (١) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ مِنْ آخِرِ وَهِيَ تُبَيِّنُ أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَقُولَ بَعْدَهُنَّ شَيْئًا مِمَّا شُرِعَ مِنَ الذِّكْرِ عِنْدَ النَّوْمِ.

قَوْلُهُ: (قَالَ لَا وَنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ: فِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ مَنَعَ رِوَايَةَ الْحَدِيثِ عَلَى الْمَعْنَى، قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَنَبِيِّكَ إِلَى أَنَّهُ كَانَ نَبِيًّا قَبْلَ أَنْ يَكُونَ رَسُولًا، أَوْ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي قَوْلِهِ: وَرَسُولِكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ وَصْفٌ زَائِدٌ بِخِلَافِ قَوْلِهِ: وَنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ، وَقَالَ غَيْرُهُ: لَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ عَلَى مَنْعِ ذَلِكَ ; لِأَنَّ لَفْظَ الرَّسُولِ لَيْسَ بِمَعْنَى لَفْظِ النَّبِيِّ، وَلَا خِلَافَ فِي الْمَنْعِ إِذَا اخْتَلَفَ الْمَعْنَى، فَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَجْمَعَ الْوَصْفَيْنِ صَرِيحًا وَإِنْ كَانَ وَصْفُ الرِّسَالَةِ يَسْتَلْزِمُ وَصْفَ النُّبُوَّةِ، أَوْ لِأَنَّ أَلْفَاظَ الْأَذْكَارِ تَوْقِيفِيَّةٌ فِي تَعْيِينِ اللَّفْظِ وَتَقْدِيرِ الثَّوَابِ، فَرُبَّمَا كَانَ فِي اللَّفْظِ سِرٌّ لَيْسَ فِي الْآخَرِ وَلَوْ كَانَ يُرَادِفُهُ فِي الظَّاهِرِ، أَوْ لَعَلَّهُ أُوحِيَ إِلَيْهِ بِهَذَا اللَّفْظِ فَرَأَى أَنْ يَقِفَ عِنْدَهُ، أَوْ ذَكَرَهُ احْتِرَازًا مِمَّنْ أُرسِلَ مِنْ غَيْرِ نُبُوَّةٍ كَجِبْرِيلَ وَغَيْرِهِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ ; لِأَنَّهُمْ رُسُلٌ لَا أَنْبِيَاءُ، فَلَعَلَّهُ أَرَادَ تَخْلِيصَ الْكَلَامِ مِنَ اللَّبْسِ، أَوْ لِأَنَّ لَفْظَ النَّبِيِّ أَمْدَحُ مِنْ لَفْظِ الرَّسُولِ ; لِأَنَّهُ مُشْتَرِكٌ فِي الْإِطْلَاقِ عَلَى كُلِّ مَنْ أُرْسِلَ بِخِلَافِ لَفْظِ النَّبِيِّ فَإِنَّهُ لَا اشْتِرَاكَ فِيهِ عُرْفًا، وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُ مَنْ قَالَ: كُلُّ رَسُولٍ نَبِيٌّ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ لَا يَصِحُّ إِطْلَاقُهُ، وَأَمَّا مَنْ اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِبْدَالُ لَفْظِ: قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ مَثَلًا فِي الرِّوَايَةِ، بِلَفْظِ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، وَكَذَا عَكْسُهُ وَلَوْ أَجَزْنَا الرِّوَايَةَ بِالْمَعْنَى فَلَا حُجَّةَ فِيهِ، وَكَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ لِمَنْ أَجَازَ الْأَوَّلَ دُونَ الثَّانِي لِكَوْنِ

الْأَوَّلِ أَخَصَّ مِنَ الثَّانِي ; لِأَنَّا نَقُولُ: الذَّاتُ الْمُخْبَرُ عَنْهَا فِي الرِّوَايَةِ وَاحِدَةٌ فَبِأَيِّ وَصْفٍ وَصَفْتَ بِهِ تِلْكَ الذَّاتَ مِنْ أَوْصَافِهَا اللَّائِقَةِ بِهَا عُلِمَ الْقَصْدُ بِالْمُخْبَرِ عَنْهُ وَلَوْ تَبَايَنَتْ مَعَانِي الصِّفَاتِ، كَمَا لَوْ أَبْدَلَ اسْمًا بِكُنْيَةٍ أَوْ كُنْيَةً بِاسْمٍ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ الرَّاوِي مَثَلًا: عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبُخَارِيِّ أَوْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيِّ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا فِي حَدِيثِ الْبَابِ فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْأَوْجُهِ الَّتِي بَيَّنَّاهَا مِنْ إِرَادَةِ التَّوْقِيفِ وَغَيْرِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(تَنْبِيهٌ): النُّكْتَةُ فِي خَتْمِ الْبُخَارِيِّ كِتَابَ الْوُضُوءِ بِهَذَا الْحَدِيثِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ آخِرُ وُضُوءٍ أُمِرَ بِهِ الْمُكَلَّفُ فِي الْيَقَظَةِ، وَلِقَوْلِهِ فِي نَفْسِ الْحَدِيثِ: وَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَقُولُ فَأَشْعَرَ ذَلِكَ بِخَتْمِ الْكِتَابِ وَاللَّهُ الْهَادِي لِلصَّوَابِ.

(خَاتِمَةٌ): اشْتَمَلَ كِتَابُ الْوُضُوءِ وَمَا مَعَهُ مِنْ أَحْكَامِ الْمِيَاهِ وَالِاسْتِطَابَةِ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ عَلَى مِائَةٍ وَأَرْبَعَةٍ وَخَمْسِينَ حَدِيثًا، الْمَوْصُولُ مِنْهَا مِائَةٌ وَسِتَّةَ عَشَرَ حَدِيثًا، وَالْمَذْكُورُ مِنْهَا بِلَفْظِ الْمُتَابَعَةِ وَصِيغَةِ التَّعْلِيقِ ثَمَانِيَةٌ وَثَلَاثُونَ حَدِيثًا، فَالْمُكَرَّرُ مِنْهَا فِيهِ وَفِيمَا مَضَى ثَلَاثَةٌ وَسَبْعُونَ حَدِيثًا، وَالْخَالِصُ مِنْهَا أَحَدٌ وَثَمَانُونَ حَدِيثًا، ثَلَاثَةٌ مِنْهَا مُعَلَّقَةٌ وَالْبَقِيَّةُ مَوْصُولَةٌ، وَافَقَهُ مُسْلِمٌ عَلَى تَخْرِيجِهَا سِوَى تِسْعَةَ عَشَرَ حَدِيثًا وَهِيَ الثَّلَاثَةُ الْمُعَلَّقَةُ وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي صِفَةِ الْوُضُوءِ وَحَدِيثُهُ: تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً، وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: ابْغِنِي أَحْجَارًا، وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي الْحَجَرَيْنِ وَالرَّوْثَةِ،


(١) الرواية التى شرح عليها القسطلاني "واجعلهن آخر ما تتكلم به"