وَغَيْرِهَا بِتَشْدِيدِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ بَعْدَ الْهَمْزَةِ، وَأَصْلُهُ فَأَءتَزِرُ بِهَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ بَعْدَ الْهَمْزَةِ الْمَفْتُوحَةِ ثُمَّ الْمُثَنَّاةِ بِوَزْنِ أَفْتَعِلُ، وَأَنْكَرَ أَكْثَرُ النُّحَاةِ الْإِدْغَامَ، حَتَّى قَالَ صَاحِبُ الْمُفَصَّلِ: إِنَّهُ خَطَأٌ، لَكِنْ نَقَلَ غَيْرُهُ أَنَّهُ مَذْهَبُ الْكُوفِيِّينَ، وَحَكَاهُ الصَّغَانِيُّ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. وَقَالَ ابْنُ مَالِكٍ: إِنَّهُ مَقْصُورٌ عَلَى السَّمَاعِ، وَمِنْهُ قِرَاءَةُ ابْنُ مَحِيصٍ ﴿فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ﴾ بِالتَّشْدِيدِ، وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ أَنَّهَا تَشُدُّ إِزَارَهَا عَلَى وَسَطِهَا، وَحَدَّدَ ذَلِكَ الْفُقَهَاءُ بِمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ عَمَلًا بِالْعُرْفِ الْغَالِبِ. وَقَدْ سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ قَبْلُ بِبَابَيْنِ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ خَلِيلٍ) كَذَا فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ، وَكَرِيمَةَ، وَلِغَيْرِهِمَا الْخَلِيلُ. وَالْإِسْنَادُ أَيْضًا إِلَى عَائِشَةَ كُلُّهُمْ كُوفِيُّونَ.
قَوْلُهُ: (إِحْدَانَا) أَيْ إِحْدَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ ﷺ.
قَوْلُهُ: (أَنْ تَتَّزِرَ) بِتَشْدِيدِ الْمُثَنَّاةِ الثَّانِيَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَوْجِيهُهَا، وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ أَنْ تَأْتَزِرَ بِهَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ وَهِيَ أَفْصَحُ.
قَوْلُهُ: (فِي فَوْرِ حَيْضَتِهَا) قَالَ الْخَطَّابِيُّ: فَوْرُ الْحَيْضِ أَوَّلُهُ وَمُعْظَمُهُ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: فَوْرُ الْحَيْضَةِ مُعْظَمُ صَبِّهَا، مِنْ فَوَرَانِ الْقِدْرِ وَغَلَيَانِهَا.
قَوْلُهُ: (يَمْلِكُ إِرْبَهُ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ، قِيلَ الْمُرَادُ عُضْوُهُ الَّذِي يَسْتَمْتِعُ بِهِ، وَقِيلَ حَاجَتُهُ، وَالْحَاجَةُ تُسَمَّى إِرْبًا بِالْكَسْرِ ثُمَّ السُّكُونِ، وَأَرَبًا بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالرَّاءِ، وَذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ فِي شَرْحِهِ أَنَّهُ رُوِيَ هُنَا بِالْوَجْهَيْنِ، وَأَنْكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ كَمَا نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْهُ رِوَايَةَ الْكَسْرِ، وَكَذَا أَنْكَرَهَا النَّحَّاسُ. وَقَدْ ثَبَتَتْ رِوَايَةُ الْكَسْرِ، وَتَوْجِيهُهَا ظَاهِرٌ فَلَا مَعْنَى لِإِنْكَارِهَا، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ ﷺ كَانَ أَمْلَكَ النَّاسِ لِأَمْرِهِ، فَلَا يُخْشَى عَلَيْهِ مَا يُخْشَى عَلَى غَيْرِهِ مِنْ أَنْ يَحُومَ حَوْلَ الْحِمَى، وَمَعَ ذَلِكَ فَكَانَ يُبَاشِرُ فَوْقَ الْإِزَارِ تَشْرِيعًا لِغَيْرِهِ مِمَّنْ لَيْسَ بِمَعْصُومٍ. وَبِهَذَا قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ الْجَارِي عَلَى قَاعِدَةِ الْمَالِكِيَّةِ فِي بَابِ سَدِّ الذَّرَائِعِ.
وَذَهَبَ كَثِيرٌ مِنَ السَّلَفِ وَالثَّوْرِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ إِلَى أَنَّ الَّذِي يُمْتَنَعُ من الِاسْتِمْتَاعِ بِالْحَائِضِ الْفَرْجُ فَقَطْ، وَبِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَرَجَّحَهُ الطَّحَاوِيُّ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَصَبْغَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، وَأَحَدُ الْقَوْلَيْنِ أَوِ الْوَجْهَيْنِ لِلشَّافِعِيَّةِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: هُوَ الْأَرْجَحُ دَلِيلًا لِحَدِيثِ أَنَسٍ فِي مُسْلِمٍ: اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا الْجِمَاعِ، وَحَمَلُوا حَدِيثَ الْبَابِ وَشَبَهَهُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ. وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: لَيْسَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ مَا يَقْتَضِي مَنْعَ مَا تَحْتَ الْإِزَارِ ; لِأَنَّهُ فِعْلٌ مُجَرَّدٌ. انْتَهَى.
وَيَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ أَيْضًا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ قَوِيٍّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَرَادَ مِنَ الْحَائِضِ شَيْئًا أَلْقَى عَلَى فَرْجِهَا ثَوْبًا، وَاسْتَدَلَّ الطَّحَاوِيُّ عَلَى الْجَوَازِ بِأَنَّ الْمُبَاشَرَةَ تَحْتَ الْإِزَارِ دُونَ الْفَرْجِ لَا تُوجِبُ حَدًّا وَلَا غُسْلًا، فَأَشْبَهَتِ الْمُبَاشَرَةَ فَوْقَ الْإِزَارِ. وَفَصَّلَ بَعْض الشَّافِعِيَّةِ فَقَالَ: إِنْ كَانَ يَضْبِطُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْمُبَاشَرَةِ عَنِ الْفَرْجِ وَيَثِقُ مِنْهَا بِاجْتِنَابِهِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا، وَاسْتَحْسَنَهُ النَّوَوِيُّ. وَلَا يَبْعُدُ تَخْرِيجُ وَجْهٍ مُفَرِّقٍ بَيْنَ ابْتِدَاءِ الْحَيْضِ وَمَا بَعْدَهُ لِظَاهِرِ التَّقْيِيدِ بِقَوْلِهَا فَوْرِ حَيْضَتِهَا، وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَيْضًا أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَتَّقِي سَوْرَةَ الدَّمِ ثَلَاثًا ثُمَّ يُبَاشِرُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَيُجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى الْمُبَادَرَةِ إِلَى الْمُبَاشَرَةِ عَلَى اخْتِلَافِ هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ.
قَوْلُهُ: (تَابَعَهُ خَالد) هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْوَاسِطِيُّ، وَجَرِيرٌ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، أَيْ تَابَعَا عَلِيَّ بْنَ مُسْهِرٍ فِي رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ. وَلِلشَّيْبَانِيِّ فِيهِ إِسْنَادٌ آخَرُ كَمَا سَيَأْتِي عَقِبَهُ، وَمُتَابَعَةُ خَالِدٍ وَصَلَهَا أَبُو الْقَاسِمِ التَّنُوخِيُّ فِي فَوَائِدِهِ مِنْ طَرِيقِ وَهْبِ بْنِ بَقِيَّةَ عَنْهُ، وَقَدْ أَوْرَدْتُ إِسْنَادَهَا فِي تَعْلِيقِ التَّعْلِيقِ، وَمُتَابَعَةُ جَرِيرٍ وَصَلَهَا أَبُو دَاوُدَ، وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ. وَهَذَا مِمَّا وَهِمَ فِي اسْتِدْرَاكِهِ لِكَوْنِهِ مُخَرَّجًا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ طَرِيقِ الشَّيْبَانِيِّ. وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ بِسَنَدِهِ هَذَا مَنْصُورُ بْنُ أَبِي الْأَسْوَدِ. أَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute