اهـ. فَعَلَى هَذَا هُوَ مَجَازٌ لُغَوِيٌّ، وَعَلَى الْأَوَّلِ هُوَ حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ.
وَاخْتُلِفَ فِي التَّيَمُّمِ هَلْ هُوَ عَزِيمَةٌ أَوْ رُخْصَةٌ؟ وَفَصَّلَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: هُوَ لِعَدَمِ الْمَاءِ عَزِيمَةٌ، وَلِلْعُذْرِ رُخْصَةٌ.
قَوْلُهُ: (قَوْلُ اللَّهِ)، فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ وَقَوْلُ اللَّهِ بِزِيَادَةِ وَاوٍ، وَالْجُمْلَةُ اسْتِئْنَافِيَّةٌ.
قَوْلُهُ: ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً﴾ كَذَا لِلْأَكْثَرِ، وَلِلنَّسَفِيِّ، وَعَبْدُوسٍ، وَالْمُسْتَمْلِي، وَالْحَمَوِيِّ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا قَالَ أَبُو ذَرٍّ: كَذَا فِي رِوَايَتِنَا، وَالتِّلَاوَةُ ﴿فَلَمْ تَجِدُوا﴾ قَالَ صَاحِبُ الْمَشَارِقِ: هَذَا هُوَ الصَّوَابُ. قُلْتُ: ظَهَرَ لِي أَنَّ الْبُخَارِيَّ أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَةِ الْمُبْهَمَةِ فِي قَوْلِ عَائِشَةَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ أَنَّهَا آيَةُ الْمَائِدَةِ، وَقَدْ وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ فِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ فِي قِصَّتِهَا الْمَذْكُورَةِ قَالَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ: فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا الْحَدِيثَ، فَكَأَنَّ الْبُخَارِيَّ أَشَارَ إِلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ الْمَخْصُوصَةِ، وَاحْتَمَلَ أَنْ تَكُونَ قِرَاءةً شَاذَّةً لِحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ وَهْمًا مِنْهُ، وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّهَا عَنَتْ آيَةَ الْمَائِدَةِ وَأَنَّ آيَةَ النِّسَاءِ قَدْ تَرْجَمَ لَهَا الْمُصَنِّفُ فِي التَّفْسِيرِ وَأَوْرَدَ حَدِيثَ عَائِشَةَ أَيْضًا وَلَمْ يُرِدْ خُصُوصَ نُزُولِهَا فِي قِصَّتِهَا، بَلِ اللَّفْظُ الَّذِي عَلَى شَرْطِهِ مُحْتَمِلٌ لِلْأَمْرَيْنِ، وَالْعُمْدَةُ عَلَى رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهَا عَيَّنَتْ فَفِيهَا زِيَادَةٌ عَلَى غَيْرِهَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (وَأَيْدِيكُمْ) إِلَى هُنَا فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ، زَادَ فِي رِوَايَةِ الشَّبُّوِيِّ وَكَرِيمَةَ مِنْهُ، وَهِيَ تُعَيِّنُ آيَةَ الْمَائِدَةِ دُونَ آيَةِ النِّسَاءِ، وَإِلَى ذَلِكَ نَحَا الْبُخَارِيُّ فَأَخْرَجَ حَدِيثَ الْبَابِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْمَائِدَةِ، وَأَيَّدَ ذَلِكَ بِرِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَلَفْظُهُ: فَنَزَلَتْ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ﴾ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿تَشْكُرُونَ﴾
قَوْلُهُ: (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ) أَيِ ابْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَرِجَالُهُ سِوَى شَيْخِ الْبُخَارِيِّ مَدَنِيُّونَ.
قَوْلُهُ: (فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ: يُقَالُ إِنَّهُ كَانَ فِي غَزَاةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، وَجَزَمَ بِذَلِكَ فِي الِاسْتِذْكَارِ وَسَبَقَهُ إِلَى ذَلِكَ ابْنُ سَعْدٍ، وَابْنُ حِبَّانَ. وَغَزَاةُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ هِيَ غَزْوَةُ الْمُرَيْسِيعِ، وَفِيهَا وَقَعَتْ قِصَّةُ الْإِفْكِ لِعَائِشَةَ، وَكَانَ ابْتِدَاءُ ذَلِكَ بِسَبَبِ وُقُوعِ عِقْدِهَا أَيْضًا، فَإِنْ كَانَ مَا جَزَمُوا بِهِ ثَابِتًا حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ سَقَطَ مِنْهَا فِي تِلْكَ السَّفْرَةِ مَرَّتَيْنِ لِاخْتِلَافِ الْقِصَّتَيْنِ كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي سِيَاقِهِمَا، وَاسْتَبْعَدَ بَعْضُ شُيُوخِنَا ذَلِكَ قَالَ: لِأَنَّ الْمُرَيْسِيعَ مِنْ نَاحِيَةِ مَكَّةَ بَيْنَ قُدَيْدٍ وَالسَّاحِلِ، وَهَذِهِ الْقِصَّةُ كَانَتْ مِنْ نَاحِيَةِ خَيْبَرَ لِقَوْلِهَا فِي الْحَدِيثِ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ أَوْ بِذَاتِ الْجَيْشِ وَهُمَا بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَخَيْبَرَ كَمَا جَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ.
قُلْتُ: وَمَا جَزَمَ بِهِ مُخَالِفٌ لِمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ التِّينِ فَإِنَّهُ قَالَ: الْبَيْدَاءُ هِيَ ذُو الْحُلَيْفَةِ بِالْقُرْبِ مِنَ الْمَدِينَةِ مِنْ طَرِيقِ مَكَّةَ، قَالَ: وَذَاتُ الْجَيْشِ وَرَاءَ ذِي الْحُلَيْفَةِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْبَكْرِيُّ فِي مُعْجَمِهِ: الْبَيْدَاءُ أَدْنَى إِلَى مَكَّةَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ. ثُمَّ سَاقَ حَدِيثَ عَائِشَةَ هَذَا. ثُمَّ سَاقَ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ قَالَ بَيْدَاؤُكُمْ هَذِهِ الَّتِي تَكْذِبُونَ فِيهَا، مَا أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَّا مِنْ عِنْدِ الْمَسْجِدِ الْحَدِيثَ. قَالَ: وَالْبَيْدَاءُ هُوَ الشَّرَفُ الَّذِي قُدَّامَ ذِي الْحُلَيْفَةِ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ. وَقَالَ أَيْضًا: ذَاتُ الْجَيْشِ مِنْ الْمَدِينَةِ عَلَى بَرِيدٍ، قَالَ: وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَقِيقِ سَبْعَةُ أَمْيَالٍ، وَالْعَقِيقُ مِنْ طَرِيقِ مَكَّةَ لَا مِنْ طَرِيقِ خَيْبَرَ، فَاسْتَقَامَ مَا قَالَ ابْنُ التِّينِ. وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ الْحُمَيْدِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ فِيهِ إِنَّ الْقِلَادَةَ سَقَطَتْ لَيْلَةَ الْأَبْوَاءِ اهـ، وَالْأَبْوَاءُ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ. وَفِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ هِشَامٍ قَالَ.
وَكَانَ ذَلِكَ الْمَكَانُ يُقَالُ لَهُ الصُّلْصُلُ رَوَاهُ جَعْفَرٌ الْفِرْيَابِيُّ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ لَهُ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِهِ، وَالصُّلْصُلُ بِمُهْمَلَتَيْنِ مَضْمُومَتَيْنِ وَلَامَيْنِ الْأُولَى سَاكِنَةٌ بَيْنَ الصَّادَيْنِ، قَالَ الْبَكْرِيُّ: هُوَ جَبَلٌ عِنْدَ ذِي الْحُلَيْفَةِ، كَذَا ذَكَرَهُ فِي حَرْفِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ، وَوَهِمَ مُغَلْطَايْ فِي فَهْمِ كَلَامِهِ فَزَعَمَ أَنَّهُ ضَبَطَهُ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ، وَقَلَّدَهُ فِي ذَلِكَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ وَتَصَرَّفَ فِيهِ فَزَادَهُ وَهْمًا عَلَى وَهْمٍ، وَعُرِفَ مِنْ تَضَافُرِ هَذِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute