وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ لَمْ أَدْرِ كَيْفَ أَصْنَعُ. . . الْحَدِيثَ. فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَأَخُّرِهَا عَنْ غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ ; لِأَنَّ إِسْلَامَ أَبِي هُرَيْرَةَ كَانَ فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ وَهِيَ بَعْدَهَا بِلَا خِلَافٍ، وَسَيَأْتِي فِي الْمَغَازِي أَنَّ الْبُخَارِيَّ يَرَى أَنَّ غَزْوَةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ كَانَتْ بَعْدَ قُدُومِ أَبِي مُوسَى، وَقُدُومُهُ كَانَ وَقْتَ إِسْلَامِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى تَأَخُّرِ الْقِصَّةِ أَيْضًا عَنْ قِصَّةِ الْإِفْكِ مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا كَانَ مِنْ أَمْرِ عِقْدِي مَا كَانَ، وَقَالَ أَهْلُ الْإِفْكِ مَا قَالُوا، خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي غَزْوَةٍ أُخْرَى فَسَقَطَ أَيْضًا عِقْدِي حَتَّى حَبَسَ النَّاسَ عَلَى الْتِمَاسِهِ. فَقَالَ لِي أَبُو بَكْرٍ: يَا بُنَيَّةُ فِي كُلِّ سَفْرَةٍ تَكُونِينَ عَنَاءً وَبَلَاءً عَلَى النَّاسِ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ ﷿ الرُّخْصَةَ فِي التَّيَمُّمِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّكِ لَمُبَارَكَةٌ، ثَلَاثًا. وَفِي إِسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ الرَّازِيُّ، وَفِيهِ مَقَالٌ. وَفِي سِيَاقِهِ مِنَ الْفَوَائِدِ بَيَانُ عِتَابِ أَبِي بَكْرٍ الَّذِي أُبْهِمَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ، وَالتَّصْرِيحُ بِأَنَّ ضَيَاعَ الْعِقْدِ كَانَ مَرَّتَيْنِ فِي غَزْوَتَيْنِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (فَبَعَثْنَا) أَيْ أَثَرْنَا (الْبَعِيرَ الَّذِي كُنْتِ عَلَيْهِ) أَيْ حَالَةَ السَّفَرِ.
قَوْلُهُ: (فَأَصَبْنَا الْعِقْدَ تَحْتَهُ) ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الَّذِينَ تَوَجَّهُوا فِي طَلَبِهِ أَوَّلًا لَمْ يَجِدُوهُ. وَفِي رِوَايَةِ عُرْوَةَ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ رَجُلًا فَوَجَدَهَا أَيِ الْقِلَادَةَ. وَلِلْمُصَنِّفِ فِي فَضْلِ عَائِشَةَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَكَذَا لِمُسْلِمٍ فَبَعَثَ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِهِ فِي طَلَبِهَا وَلِأَبِي دَاوُدَ فَبَعَثَ أُسَيْدَ بْنَ حُضَيْرٍ وَنَاسًا مَعَهُ وَطَرِيقُ الْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ أُسَيْدًا كَانَ رَأْسَ مَنْ بُعِثَ لِذَلِكَ فَلِذَلِكَ سُمِّيَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ دُونَ غَيْرِهِ، وَكَذَا أَسْنَدَ الْفِعْلَ إِلَى وَاحِدٍ مُبْهَمٍ وَهُوَ الْمُرَادُ بِهِ، وَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَجِدُوا الْعِقْدَ أَوَّلًا. فَلَمَّا رَجَعُوا وَنَزَلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ وَأَرَادُوا الرَّحِيلَ وَأَثَارُوا الْبَعِيرَ وَجَدَهُ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، فَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ عُرْوَةَ الْآتِيَةِ: فَوَجَدَهَا أَيْ بَعْدَ جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ مِنَ التَّفْتِيشِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فَاعِلُ وَجَدَهَا النَّبِيَّ ﷺ، وَقَدْ بَالَغَ الدَّاوُدِيُّ فِي تَوْهِيمِ رِوَايَةِ عُرْوَةَ، وَنُقِلَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ الْقَاضِي أَنَّهُ حَمَلَ الْوَهْمَ فِيهَا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، وَقَدْ بَانَ بِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ أَنْ لَا تَخَالُفَ بَيْنَهُمَا وَلَا وَهْمَ.
وَفِي الْحَدِيثَيْنِ اخْتِلَافٌ آخَرُ وَهُوَ قَوْلُ عَائِشَةَ انْقَطَعَ عِقْدٌ لِي وَقَالَتْ فِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ سَقَطَتْ قِلَادَةٌ لِي وَفِي رِوَايَةِ عُرْوَةَ الْآتِيَةِ عَنْهَا أَنَّهَا اسْتَعَارَتْ قِلَادَةً مِنْ أَسْمَاءَ يَعْنِي أُخْتَهَا فَهَلَكَتْ أَيْ ضَاعَتْ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ إِضَافَةَ الْقِلَادَةِ إِلَى عَائِشَةَ لِكَوْنِهَا فِي يَدِهَا وَتَصَرُّفِهَا، وَإِلَى أَسْمَاءَ لِكَوْنِهَا مِلْكَهَا لِتَصْرِيحِ عَائِشَةَ فِي رِوَايَةِ عُرْوَةَ بِأَنَّهَا اسْتَعَارَتْهَا مِنْهَا، وَهَذَا كُلُّهُ بِنَاءٌ عَلَى اتِّحَادِ الْقِصَّةِ. وَقَدْ جَنَحَ الْبُخَارِيُّ فِي التَّفْسِيرِ إِلَى تَعَدُّدِهَا حَيْثُ أَوْرَدَ حَدِيثَ الْبَابِ فِي تَفْسِيرِ الْمَائِدَةِ وَحَدِيثَ عُرْوَةَ فِي تَفْسِيرِ النِّسَاءِ، فَكَانَ نُزُولُ آيَةِ الْمَائِدَةِ بِسَبَبِ عِقْدِ عَائِشَةَ، وَآيَةِ النِّسَاءِ بِسَبَبِ قِلَادَةِ أَسْمَاءَ، وَمَا تَقَدَّمَ مِنِ اتِّحَادِ الْقِصَّةِ أَظْهَرُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَائِدَةٌ): وَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَمَّارٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ أَنَّ الْعِقْدَ الْمَذْكُورَ كَانَ مِنْ جَزْعِ ظِفَارٍ، وَكَذَا وَقَعَ فِي قِصَّةِ الْإِفْكِ كَمَا سَيَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَالْجَزْعُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الزَّايِ خَرَزٌ يَمَنِيٌّ. وَظِفَارٌ مَدِينَةٌ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا فِي بَابِ الطِّيبِ لِلْمَرْأَةِ عِنْدَ غُسْلِهَا مِنَ الْمَحِيضِ، وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ جَوَازُ السَّفَرِ بِالنِّسَاءِ وَاتِّخَاذِهِنَّ الْحُلِيَّ تَجَمُّلًا لِأَزْوَاجِهِنَّ، وَجَوَازُ السَّفَرِ بِالْعَارِيَةِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى رِضَا صَاحِبِهَا.
٣٣٥ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ ح. قَالَ: وَحَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ النَّضْرِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سَيَّارٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ هُوَ ابْنُ صُهَيْبٍ الْفَقِيرُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute