الْوَاحِدِ النَّوَافِلُ مَعَ الْفَرِيضَةِ، إِلَّا أَنَّ مَالِكًا ﵀ يَشْتَرِطُ تَقَدُّمَ الْفَرِيضَةِ. وَشَذَّ شُرَيْحٌ الْقَاضِي فَقَالَ: لَا يُصَلَّى بِالتَّيَمُّمِ الْوَاحِدِ أَكْثَرَ مِنْ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ فَرْضًا كَانَتْ أَوْ نَفْلًا. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: إِذَا صَحَّتِ النَّوَافِلُ بِالتَّيَمُّمِ الْوَاحِدِ صَحَّتِ الْفَرَائِضُ ; لِأَنَّ جَمِيعَ مَا يُشْتَرَطُ لِلْفَرَائِضِ مُشْتَرَطٌ لِلنَّوَافِلِ إِلَّا بِدَلِيلٍ. انْتَهَى.
وَقَدِ اعْتَرَفَ الْبَيْهَقِيُّ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ مِنَ الطَّرَفَيْنِ. قَالَ: لَكِنْ صَحَّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ إِيجَابُ التَّيَمُّمِ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ، وَلَا يُعْلَمُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنَ الصَّحَابَةِ. وَتُعُقِّبَ بِمَا رَوَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ لَا يَجِبُ، وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ لِعَدَمِ الْوُجُوبِ بِعُمُومِ قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ أَيْ مَا لَمْ تُحْدِثْ أَوْ تَجِدِ الْمَاءَ، وَحَمَلَهُ الْجُمْهُورُ عَلَى الْفَرِيضَةِ الَّتِي تَيَمَّمَ مِنْ أَجْلِهَا وَيُصَلِّي بِهِ مَا شَاءَ مِنَ النَّوَافِلِ، فَإِذَا حَضَرَتْ فَرِيضَةٌ أُخْرَى وَجَبَ طَلَبُ الْمَاءِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ تَيَمَّمَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ) هُوَ الْأَنْصَارِيُّ. وَالسَّبَخَةُ بِمُهْمَلَةٍ وَمُوَحَّدَةٍ ثُمَّ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَاتٍ هِيَ الْأَرْضُ الْمَالِحَةُ الَّتِي لَا تَكَادُ تُنْبِتُ، وَإِذَا وَصَفْتَ الْأَرْضَ قُلْتَ هِيَ أَرْضٌ سَبِخَةٌ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ. وَهَذَا الْأَثَرُ يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ فِي التَّرْجَمَةِ الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ أَيْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالطَّيِّبِ الطَّاهِرُ، وَأَمَّا الصَّعِيدُ فَقَدْ تَقَدَّمَ نَقْلُ الْخِلَافِ فِيهِ وَأَنَّ الْأَظْهَرَ اشْتِرَاطُ التُّرَابِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ﴾ فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهَا لِلتَّبْعِيضِ، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: فَإِنْ قِيلَ لَا يُقَالُ مَسَحَ مِنْهُ إِلَّا إِذَا أَخَذَ مِنْهُ جُزْءًا، وَهَذِهِ صِفَةُ التُّرَابِ لَا صِفَةُ الصَّخْرِ مَثَلًا الَّذِي لَا يَعْلَقُ بِالْيَدِ مِنْهُ شَيْءٌ، قَالَ: فَالْجَوَابُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ مِنْهُ صِلَةً. وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ تَعَسُّفٌ. قَالَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ: فَإِنْ قُلْتَ لَا يَفْهَمُ أَحَدٌ مِنَ الْعَرَبِ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ مَسَحْتُ بِرَأْسِي مِنَ الدُّهْنِ أَوْ غَيْرِهِ إِلَّا مَعْنَى التَّبْعِيضِ. قُلْتُ: هُوَ كَمَا تَقُولُ، وَالْإِذْعَانُ لِلْحَقِّ خَيْرٌ مِنَ الْمِرَاءِ. انْتَهَى. وَاحْتَجَّ ابْنُ خُزَيْمَةَ لِجَوَازِ التَّيَمُّمِ بِالسَّبِخَةِ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ فِي شَأْنِ الْهِجْرَةِ أَنَّهُ قَالَ ﷺ أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ سَبِخَةً ذَاتَ نَخْلٍ يَعْنِي الْمَدِينَةَ قَالَ: وَقَدْ سَمَّى النَّبِيُّ ﷺ الْمَدِينَةَ طَيِّبَةَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ السَّبِخَةَ دَاخِلَةٌ فِي الطَّيِّبِ، وَلَمْ يُخَالِفُ فِي ذَلِكَ إِلَّا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ.
٣٤٤ - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَوْفٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ عَنْ عِمْرَانَ قَالَ: "كُنَّا فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ وَإِنَّا أَسْرَيْنَا حَتَّى كُنَّا فِي آخِرِ اللَّيْلِ وَقَعْنَا وَقْعَةً وَلَا وَقْعَةَ أَحْلَى عِنْدَ الْمُسَافِرِ مِنْهَا فَمَا أَيْقَظَنَا إِلاَّ حَرُّ الشَّمْسِ وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ اسْتَيْقَظَ فُلَانٌ ثُمَّ فُلَانٌ ثُمَّ فُلَانٌ يُسَمِّيهِمْ أَبُو رَجَاءٍ فَنَسِيَ عَوْفٌ ثُمَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الرَّابِعُ وَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا نَامَ لَمْ يُوقَظْ حَتَّى يَكُونَ هُوَ يَسْتَيْقِظُ لِأَنَّا لَا نَدْرِي مَا يَحْدُثُ لَهُ فِي نَوْمِهِ فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ عُمَرُ وَرَأَى مَا أَصَابَ النَّاسَ وَكَانَ رَجُلًا جَلِيدًا فَكَبَّرَ وَرَفَعَ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ فَمَا زَالَ يُكَبِّرُ وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ حَتَّى اسْتَيْقَظَ بِصَوْتِهِ النَّبِيُّ ﷺ فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ شَكَوْا إِلَيْهِ الَّذِي أَصَابَهُمْ قَالَ "لَا ضَيْرَ" أَوْ لَا يَضِيرُ ارْتَحِلُوا فَارْتَحَلَ فَسَارَ غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ نَزَلَ فَدَعَا بِالْوَضُوءِ فَتَوَضَّأَ وَنُودِيَ بِالصَّلَاةِ فَصَلَّى بِالنَّاس فَلَمَّا انْفَتَلَ مِنْ صَلَاتِهِ إِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مُعْتَزِلٍ لَمْ يُصَلِّ مَعَ الْقَوْمِ قَالَ "مَا مَنَعَكَ يَا فُلَانُ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَ الْقَوْمِ" قَالَ أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ وَلَا مَاءَ قَالَ "عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ" ثُمَّ سَارَ النَّبِيُّ ﷺ فَاشْتَكَى إِلَيْهِ النَّاسُ مِنْ الْعَطَشِ فَنَزَلَ فَدَعَا فُلَانًا كَانَ يُسَمِّيهِ أَبُو رَجَاءٍ نَسِيَهُ عَوْفٌ وَدَعَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute